نافذة العملة.. والحصانة السياسيَّة للفساد

آراء 2023/01/11
...

د. حامد رحيم


كان من المفترض أن يكون عمر نافذة بيع العملة قصير عند استحداثها في تشرين الاول من عام 2003، باعتبار أن العراق يعيش مرحلة انتقالية ولتجاوز آثار المرحلة السياسية السابقة من عقوبات دولية وعزلة سياسية، لذلك وجود نافذة بيع العملة كان أمراً ضروريا لتمويل التجارة الخارجية في حينها، لكن وكما يبدو كانت الارادة السياسية داعمة لاستدامتها، وقد عزز ذلك الاختلال الهيكلي المستدام في الاقتصاد العراقي، وبالخصوص قضية التنويع في النشاط الاقتصادي والاعتماد بشكل شبه مطلق على النفط الخام في الصادرات، بالمقابل الاعتماد بشكل كبير جدا على الاستيرادات لتلبية حاجة السوق المحلية من السلع الاستهلاكية، ناهيك عن اعتماد السياسة النقدية على سعر الصرف مثبتا اسميا لغرض السيطرة على المعدل العام للاسعار، النتيجة النافذة إلى يومنا هذا عاملة وهي ضرورة من الصعب جدا التخلي عنها للعوامل آنفة الذكر.

المشكلة في مسيرة عمل النافذة تكمن في شبهات الفساد، التي رافقت تلك المسيرة عبر ما يسوق من تقارير وتصريحات لكبار المسئولين العراقيين، تشير إلى عمليات غسيل أموال كبيرة وفواتير استيرادية مزورة وغيرها، الامر الذي جعل كلفة النافذة كبيرة جدا مما شكل عاملا مهمة في عرقلة التنمية الاقتصادية المنشودة، وهذا ما عكسته المؤشرات الأساسية للاقتصاد الوطني.

وكما يبدو ان ما ترتب على تلك العمليات المرافقة لعمل النافذة من فساد أصبحت محط تركيز واهتمام من قبل المنظومة المالية الدولية ولعوامل سياسية، وبالخصوص الولايات المتحدة الأميركية، ما دفعها لاتخاذ الاجراءات الاخيرة لحوكمة اجراءات النافذة عبر التحولات الالكترونية في الإدارة والحث على اتباع اسلوب الاعتمادات المستندية، إضافة للضوابط والشروط التي فرضت على التحويلات المالية للبنوك الخارجية واستبعاد مجموعة مصارف كانت تهيمن بما يقارب (40%) من مبيعات النافذة، ما سبب الأحداث الأخيرة من ارتفاع في سعر الصرف للدولار في السوق الموازية للنافذة، وبما أن الواقع الاقتصادي هش جدا فقد انطلقت التوقعات المتشائمة لتثير مخاوف من انهيار الوضع الاقتصادي.

إنَّ الإجراءات المشار إليها لم تكن بارادة وطنية خالصة، بل جاءت بضغوط خارجية تكيف معها البنك المركزي وتجاوبت معها الحكومة، فكان تطبيقها باسلوب (الصدمة)، ما صنع صعوبة في التكيف مع تلك الاجراءات، ومن ثم صار هناك تباطؤ زمني في الاستجابة من قبل النافذة لكميات الطلب على الدولار من قبل التجار، فارتفع الطلب على الدولار في السوق الموازية وكان ذلك هو السبب الاهم في الارتفاع الاخير في قيمة الدولار، اي ان المشكلة كانت في ادارة عرض الدولار وليس في اصل العرض باعتبار أن حجم الاحتياطي تجاوز (90) مليار دولار.

يعاني العراق من مشكلة الفساد وفقا لمؤشرات منظمة الشفافية العالمية وللنافذة نصيب الاسد في ذلك، قبالها هناك عجز حكومي واضح تجاه تحجيمه، ولعل سمة الإفلات من العقاب المرصودة وفقا للمؤشرات الدولية، وقضايا العفو العام المريبة والأحكام المخففة واطلاق سراح متهمين كبار بالفساد وغيرها من الظواهر دليل على ذلك.

إنَّ محاولات تحجيم الفساد في مبيعات النافذة تبدو غير متوازنة، لأنها تظهر على أنها من طرف خارجي، قبال ذلك هناك ضعف نسبي في الارادة السياسية الداخلية للمعالجة، ومن ثمَّ فإن الاجراءات الاقتصادية الاخيرة للحد من الارتفاع في قيمة الدولار مثل فتح منافذ للبيع المباشر عبر المصارف العشرة، وتخفيض سعر صرف الدولار للاعتمادات المستندية وغيرها لا تعبر عن معالجات جوهرية لمشكلة سعر الصرف ومبيعات العملة الأجنبية، كون منظومة الفساد وتبييض الأموال ما زالت خارج إطار الرصد والمعالجة من قبل الحكومة، وهذا يقود إلى قضية مهمة، وهي امكانية التكييف لتلك المنظومة مع الاجراءات، التي فرضت على البنك المركزي والحكومة من قبل الفيدرالي الأميركي، لتستمر عندها رحلة الهدر في الموارد ولمزيد من ضياع الفرص 

التنموية.

النتيجة أن الاستقرار الفعلي في قيمة سعر الصرف للسوق الموازية تتحقق عند تكييف القوى التقليدية المسيطرة على النافذة مع الاجراءات الاخيرة للمركزي العراقي، أما الاجراءات الاخيرة المشار إليها آنفا من توسعة المعروض الدولاري، فهو استقرار هش، والسبب في كل ذلك هو (الحصانة السياسية للفساد).