ميادة سفر
تعمد أغلبية الدول إلى وضع خطط مستقبلية لأعمال حكوماتها للخمس أو العشر سنوات القادمة، في المجالات الاقتصادية والخدمية وغيرها مما يمس المواطنين بشكل مباشر أو غير مباشر، في محاولة لتأمين استمرارها في تقديم خدماتها ومتطلبات شعوبها والعمل على تحقيقها في المستقبل.
إلا أنّ الدول الساعية للتطور والنهوض والوصول إلى مصاف الدول الكبرى، لن تكتفي بوضع الخطط التي لا تعدو كونها تشغيلاً لمواردها المتاحة والموجودة بين يديها، إنها يتطلب الأمر أن تعمل على صناعة المستقبل الذي تطمح إليه، عبر تطوير مواردها وقدراتها وطاقتها، وتأمين متطلبات الحياة المتطورة لمواطنيها، وخلق فرص جديدة في كل المجالات وعدم الاكتفاء بما هو متاح أو بالاعتماد على ما تتلقاه من مساعدات ودعم من الدول الأخرى.
في ظل التغيرات والتطورات المتسارعة والمتقلبة التي يعيشها العالم بشكل لحظي، يتحتم على الدول والحكومات أن تؤمن الأسس الكفيلة بضمان مستقبل أكثر أمناً يكفل سلامة المواطنين من المشاكل التي يمكن أن يتعرضوا لها، فضلاً عن ضرورة مواكبة التطور الحالي لاسيما في المجال التكنولوجي، الذي من شأنه توفير كثير من الوقت والجهد، وهو ما يضمن انجاز أكبر قدر ممكن من الأعمال بوقت قياسي وكفاءة عالية.
من واجب الدول لا سيما في بلادنا المنهكة اقتصادياً، ألا تكتفي بالتخطيط للمستقبل، بل لا بدّ من صناعته وتصميمه ودراسة كافة الاحتمالات الممكنة ورصد جميع احتمالات التغيير الذي يمكن أن يطرأ على المجالات كافة، سواء الاقتصاد أو التعليم أو المجتمع أو السياسة وغيرها من نواحٍ تساعد دراستها على التحضير للغد وتلافي المشكلات، التي يمكن أن تعترض العمل، أو على الأقل توقعها بشكل لا يسبب إرباكاً وخللاً في الادارة.
إلا أنّ تراجع الحريات والديمقراطيات في كثير من البلاد، فضلاً عن الظروف الأمنية الهشة، لا سيما في البلاد التي تعاني من الحروب، وإقبال أعداد كبيرة من الشباب على الهجرة الأمر الذي أفرغ البلاد من قوتها الأساسية، وجمود القوانين والتشريعات وتشددها في مجالات العمل والاستثمار، وانشغال الحكومات في تثبيت سلطتها، كل ذلك ينعكس سلباً على رسم الخطط المستقبلية للبلاد وتنفيذها وعلى الواقع الاقتصادي، حيث يتراجع النمو الاقتصادي الذي من شأنه أن يحفز على العمل للمستقبل، وتزداد نسب البطالة مع استمرار الحصار من قبل الدول الكبرى، وتدمير البنى التحتية والمنشآت الحيوية وغيرها من مصادر حُرمت منها الدول وبالتالي أغلقت آفاق المستقبل أمامها.
على الرغم من كل الصعوبات التي تعاني منها بلادنا والأزمات التي تتالى عليها، ما زال هناك أمل بالغد إن تمكنت أن تكون أكثر مرونة وحيوية في استشرافها للمستقبل، من خلال سن القوانين والتشريعات التي من شأنها تشجيع وتحفيز سوق العمل، فليس أمام الدول إلا أن تتطلع إلى المستقبل وتسعى إليه لا أن تنتظره، وأن تحاول صنعه بدل أن تتفاجأ به، عندها فقط يمكن أن تصل إلى طليعة الدول، وتخرج شعوبها إلى الضوء.