أول استئناس للقطط بمنطقة «الهلال الخصيب»

بانوراما 2023/01/16
...

 ستاسي ليبراتور

 ترجمة: مي اسماعيل


القطط واحدة من أكثر الحيوانات الأليفة شهرة وشعبية في العالم، لكن القطط جرى استئناسها فقط بسبب انتقال مجتمعات الحضارات الأولى من الصيد إلى الزراعة منذ 12000 عام. قبل قدماء المصريين بنحو ثمانية آلاف سنة. 

جاء هذا الإعلان من علماء بجامعة ميسوري الأميركية؛ الذين وجدوا أن أوائل البشر الذين رحبوا بالقطط كانوا في منطقة الهلال الخصيب التي تحيط بنهري دجلة والفرات. وكان هذا الترحيب وسيلة لمكافحة الآفات القديمة في أنحاء مستوطناتهم الجديدة. كشفت الدراسة الجديدة التي قام بها فريق البحث أن التحول الكبير في نمط حياة البشر كان الحافز الذي قاد لأول تدجين للقطط في العالم. لكن الرابطة بين الإنسان والقطط نشأت حينما بدأ البشر بالسفر حول العالم وأخذوا أصدقاءهم الجدد معهم. وعلى خلاف الحال مع الخيول والمواشي التي احتاجت لعدة محاولات للتدجين؛ يبدو أن القطط كانت الحيوانات الوحيدة التي تم ترويضها من خلال حدث وموقع واحد. 

من الترحال إلى الاستقرار

الهلال الخصيب هي منطقة بالشرق الأوسط يشبه شكلها الهلال، تمتد من العراق اليوم إلى سوريا ولبنان وفلسطين والأردن، حتى مناطق شمال الكويت وجنوب شرق تركيا والجزء الغربي من إيران. يُعتبر السومريون (وهم أقدم حضارة معروفة في وادي الرافدين منذ آلاف السنين) أول من أسس حضارة بشرية في أي مكان من العالم. وقبل عشرة آلاف عام، استوطنت هذه المجموعة لتعيش حياة مستقرة وأنهت حياة الترحال. في الدراسة الجديدة لجامعة ميسوري جُمِعت عينات من (بقايا) القطط منتشرة في مرافق محايدة، تعود لأكثر من ألف قط عشوائي من أصل أوراسي غالباً، إضافة إلى أربعة قطط برية أفريقية وعشرة أنواع هجينة يُعتقد أنها من القطط البرية المحلية والأوروبية. بعدها جرت مقارنة ما يقرب من مئتي علامة وراثية مختلفة لدى تلك القطط. 

تقول د. ليسلي ليونز المتخصصة بعلم وراثة القطط في جامعة ميسوري: «إحدى أولى الصفات الرئيسة للحمض النووي التي درسناها كانت «التكرارات المترادفة القصيرة- microsatellites”؛ التي تتحور بسرعة وتعطينا دلائل عن تعداد حديث لمجاميع القطط وتطورات تكاثرها على مدار مئات السنين الماضية. أما علامة الحمض النووي الرئيسة الأخرى التي فحصناها فكانت تعدد “أشكال النوكليوتيدات المفردة- single nucleotide polymorphisms”، وهي التغييرات أحادية القاعدة في جميع أنحاء الجينوم، والتي تعطينا أدلة حول تاريخها القديم منذ عدة آلاف من السنين. من خلال دراسة ومقارنة كلتا العلامتين يمكننا البدء في تجميع القصة التطورية للقطط”. من تلك العينات مثلت القطط عشوائية النسب أكثر من 40 دولة، بما في ذلك أكثر من 85 موقعاً أُخذت منها العينات؛ لكن الغالبية كانت تتركز في منطقة الشرق الأدنى. تتداخل منطقة الشرق الأدنى مع الشرق الأوسط؛ لتشمل كلاً من: تركيا وسوريا ولبنان والعراق وفلسطين والأردن والسعودية، والدول الأخرى في شبه الجزيرة العربية. 


هجرة إلى العالم

أظهرت الدراسة أصول القطط المنزلية المُستأنسة والمولودة شرق حوض البحر الأبيض المتوسط، ثم انتشرت لاحقا إلى الجزر المجاورة وسافرت جنوباً عبر ساحل بلاد الشام إلى وادي النيل. وهذا (وفق الدراسة التي نُشرت في مجلة «الطبيعة- Nature”) يتبع نمط الهجرة ذاته الذي اتخذه البشر القدماء. وحالما بدأ البشر بالانتشار انطلاقاً من منطقة الهلال الخصيب؛ بدأت القطط تشق طريقها حول العالم. هاجرت القطط إلى أوروبا وإلى شرق الهلال الخصيب، تزامناً مع تطور الزراعة والتجارة. ومن أوروبا ارتحلت القطط (وربما ركبت تطفلاً) بواسطة القوارب التي سافرت إلى الأميركيتين. تمضي الدراسة قائلة: “وبينما ازداد تطور المجتمعات الزراعية بالكامل، انتشرت القطط المُستأنسة نزولاً إلى وادي النيل؛ حيث أدى الاندماج الثقافي للقطط في المجتمع إلى انخفاض طفيف في تغاير الزياجوت “heterozygosity” (= نوع من الشذوذ الجيني في الكائنات ثنائية الصبغيات حيث تكون نسخة واحدة من الجين بأكمله والمنطقة الصبغية المحيطة به مفقودة. المترجمة، عن موسوعة ويكيبيديا) وبالتالي زيادة المسافة الجينية عن الأسلاف الأوائل. كما أن التنوع الأقل حدوثا ًبقليل يمكن أن يكون قد وقع أيضاً بتأثير التجميعات الثقافية القديمة”.

صحيفة الديلي ميل البريطانية