الامن الوطني وصراع الارادات

العراق 2019/04/06
...

صالح الشيخ خلف
 
كنا نتحدث عن علاقات العراق الخارجية . الحدث كان زيارة رئيس الوزراء الدكتور عادل عبد المهدي لطهران يوم امس ، وقبلها كانت زيارة الوفد السعودي الاقتصادي لبغداد . اشكل ضيفي على تغريدة كتبها السفير السعودي السابق في بغداد ثامر السبهان بينما أخذ يشرح لي بأسهاب عن « صراع الارادات » بين ايران والسعودية في العراق دون ان ينسى التاكيد على افضلية هذا الطرف للعراق من الطرف الاخر . كنت صاغيا لاسمع منه في اي فضاء يتحرك . تحدث مطولا عن المشاكل التي عانى منها العراق منذ العام 2003 وحتى الان وتحديدا خلال الاعوام 2014 فما بعد عندما احتلت عناصر تنظيم داعش الارهابي مناطق متعددة من العراق ووضعه على حافة التقسيم والحرب الاهلية ، وتحدث ايضا عن الاصدقاء الذين وقفوا مع العراق لمواجهة هذا التنظيم الذي اوغل في تعذيب وقتل العراقيين . لم يفرق بين الشيعة والسنة ، بين العرب والاكراد ، بين الايزيديين والمسيحيين ، وزع ظلمه وحقده بشكل متساو على العراقيين اينما كانوا وحيثما وصلت يديه . قال ذالك وهو يشير بوضوح الى الدعم الذي تلقاه هذا التنظيم وعناصره من دول معروفة عند العراقيين ، بينما كان الاصدقاء يقفون مع الشعب العراقي لمواجهة الارهاب الذي اراد قتل العراق ، وان الذاكرة العراقية مازالت تحتفظ بمواقف هؤلاء الاصدقاء .
سألني مستوضحا هل هو مخطئ في ما يقول ؟ او ان هناك شكوكا بشأن مايقول ؟ وافقته القول لكني احسست ان بعض السياسيين - ان لم يكن قسما كبيرا منهم - مازال يخلط بين زمن المعارضة للنظام السابق وبين الوضع الحالي ، حيث يشاركون في عملية سياسية تريد ان تبني العراق على اسس وتصورات جديدة وتؤسس لعلاقات خارجية مع دول الجوار والاسرة الدولية تستهدف من خلالها خدمة المصالح العراقية وضمان الامن القومي العراقي في ظل عالم معقد تتقاطع فيه المصالح والمنافع ، ويختلط فيها الحابل بالنابل وفق معادلات متعددة المجاهيل خدمة لمصالح هي الاخرى معقدة ومتعددة الاطراف .
وبعبارة اخرى فان الدول التي يتعامل معها العراق ، كانت من كانت ، قريبة كانت ام بعيدة ، لها تعريفها الخاص لأمنها القومي ومصالحها في الاقليم الذي يتواجد فيه العراق . ليس مطلوبا من العراق ان يعمل على تغيير تعريفات الامن القومي للدول التي يريد اقامة علاقات معها لان ذالك غير ممكن في الاعراف والمواثيق الدولية ، كما ليس مطلوبا ان يغير العراق تعريفه لامنه القومي لينسجم مع تعريفات الاخرين لان ذلك فيه ضياع للوطن وثوابته الوطنية .
دخول العراق في مرحلته الجديدة بعد الانتصار على الارهاب يستوجب وضع اسس وطنية تستطيع رسم اطار الامن القومي بحالة من الوضوح والشفافية تكون خارطة طريق للدولة العراقية في علاقاتها الخارجية وتعاونها الاقتصادي والثقافي والسياسي والامني . هذا الاطار يجب ان ياخذ في حسابه الوضع العراقي الجديد وثوابته الوطنية وتطلعاته نحو الامن والاستقرار .
ان العراق يتحرك في ثلاث دوائر اساسية ، الدائرة العربية الذي هو من مؤسسيها الاصليين ، الدائرة الاسلامية التي ترسم هويته الدينية اضافة الى الدائرة الدولية التي ينتمي لها بصفته عضوا فاعلا في المجتمع الدولي .
ان العراق بحاجة الى تصور يرسم معالمه للعشرين اوالثلاثين او الخمسين عاما القادمة . تصور يعرّف الية التعامل مع دول الاقليم دون ان يضع الخطوط الحمر على هذه الدولة او تلك . يرسم معالم التعاون مع الدول التي يعتقد بخدمتها لمصالحه الوطنية ويمد يد التعاون مع جميع الدول استنادا الى احترام السيادة العراقية وعدم التدخل في شؤون الغير .
من المهم جدا ان تعرف الدول ذات العلاقة ، ماهي الاسس التي يؤمن بها العراق في علاقاته الاقتصادية والسياسية والامنية ؟ كما انه من المهم ايضا ان تستوعب هذه الدول المصالح التي يريد العراق تحقيقها ، والسياسة التي يتبعها في علاقاته الخارجية . وهذا الامر وان لم يكن امرا سهلا وبسيطا لكنه يعتمد على ذكاء ونباهة واستيعاب اللاعب العراقي لوظائفه ولاهداف 
شعبه وبلاده .