موطن الكاتب والرواية

منصة 2023/01/18
...

   ضحى عبدالرؤوف المل

تنبع خصوصية الشخصيات في الأدب الروائي من التاريخ الزمني، التي تنشأ فيه عبر خصوصية العصر الذي يحدده الكاتب، والتجربة الذاتية المرتبطة بولادة التاريخ نفسه في رواية وظيفتها السردية معرفة الواقع الذي يعيشه الأبطال، في أزمنة وأمكنة يحددها الرواي للجمع بين عناصر الزمن ما بين الماضي والحاضر والمستقبل.

إن أراد الخروج تاريخيا من زمن روايته.  إلا أنه لا بد وأن تحمل الأمكنة تاريخيتها كشكل من أشكال فهم المعرفة الحياتية لفترة عاشها الكاتب واقعيا أو خياليا.  إذ لا بد وأن نفهم تفاصيل الزمن من لباس وأثاث وتنقلات وبيوت وفن عمارة وطرقات وشوارع برمتها كما الحال في أعمال الكاتب" نجيب محفوظ" كروايته "بين القصرين" أو "احسان عبدالقدوس" في روايته "النظارة السوداء" والروائي" بهاء طاهر" في روايته "واحة الغروب"، والكثير من الروايات الأخرى كما في روايات" امين معلوف" أو حتى فلوبير وغيره وصولا الى العصر الحديث كما في رواية المركب للروائي "غائب طعمة فرمان"، أو الأمريكان في بيتي أو حتى روايات "محمد سعد رحيم" . فالكاتب يصف غالبا بأمانة أمكنة عاش فيها أو بحث عنها أو حددها جغرافيا عبر الزمن، الذي ولدت فيه شخصياته، لكونها العالم الفعلي لمعرفة الحقائق التاريخية كشاهد على الزمن الذي يولد في رواية هي مسارات حياة، خاصة إن عبر الواقع او الخيال إن قديما أو حديثا. لأنها وبكل بساطة تصبح وثيقة تاريخية لفهم الزمن الذي عاش فيه أبطال الروائي، الباحث عن معرفة الحقائق التاريخية من خلال الأدب الروائي في مختلف العصور. أو حتى المهتم بخصوصية السرد ضمن الأمكنة التي اختارها لتكون بطاقة الدخول الى المكان المحدد في الرواية. فهل معرفة الحقائق التاريخية من خلال الأدب الروائي في مختلف العصور هي كالوثائق المخفية في ركن ما من الأدب بعيدا عن أدب الرحلات وغير ذلك؟ أم أن التمثيل الخيالي للماضي يحتاج الى الوصول لتفاصيل زمن وقدرة على استكشاف المكان الروائي الذي يرتسم كما لو أنه تم التقاطه فوتوغرافيا مع الاهتمام بالوظيفة السردية، وعمق القدرة على الجمع بين فهم الماضي والحاضر من خلال الأدب الروائي؟

تضيف هذه الروايات التعلم التاريخي المرتبط بالزمن الخاص بالروائي، وما أراد إظهاره من وسيلة لجذب القارئ وإضافة الثراء في سياق موضوعي لقصة حبكها، بعيدا عن استنباشه للتاريخ. بل من حاضره أحيانا الذي أصبح ماضيا نعيشه بمتعة الأمكنة، التي تحمل عبق التاريخ في عصر نصفه بالحديث وهو سيطوى أيضاً. 

ليصبح مرحلة تاريخية معرفية نفهم من خلالها زمن الكاتب وما عاشه، وهو انعكاس تاريخي مختلف في ثوب روائي يشتمل على البعد الجمالي بمزيج من واقع وخيال يطرحه بلباقة تؤسس لالتزام اخلاقي لفترات محددة روائيا من زمن مختلف، وبهذا المعنى تدخل الرواية من ابواب التاريخ، بغض النظر إن كانت رومانسية أو واقعية أو حتى 

سوريالية. 

فهل يتناسب العمل الروائي مع الموطن الأصلي للكاتب كما هي الحال مع نجيب محفوظ أو مع جون شتاينبك؟ أم أن الضمير الروائي يتشكل أدبيا في أعمال دخلت من أبواب التاريخ رغم أن كاتبها لم يعش في زمانها، وإنما اختبأ خلف الشخصيات المتخيلة فيها، وباتت مرجعا لزمن ولدت فيه وأصبحت وثيقة تاريخية يمكن الاعتماد عليها، كما في رواية تم وصف كنيسة أحدب نوتردام فيها؟ أم أن كل مرحلة من مراحل ولادة رواية ما هي مرحلة تاريخية بحد ذاتها قد يختفي فيها الكاتب وراء شخصياته ونتفاعل مع امكنة اكتشفها وتركها لنا عبر رواية تظهر لنا قوة العلاقة بين الماضي والحاضر في مستقبل نعيش فيه تاريخ الزمن الروائي لكاتب استطاع خلق وثيقة معرفية نحتاجها في مختلف 

العصور.