طالبان باكستان تهدد السلام في المنطقة

بانوراما 2023/01/21
...

  نيك روبرتسون وسليم محسود

  ترجمة: بهاء سلمان


عندما سحبت الولايات المتحدة قواتها من افغانستان بعد عشرين سنة من دخولها إلى البلاد، كانت قد فعلت ذلك بناء على وعد من أن حركة طالبان بمجرد عودتها لحكم البلاد لن توفر حاضنة للمجاميع الإرهابية مجددا.

لم يشمل تعهّد طالبان تنظيم القاعدة فقط، وهي المجموعة الإرهابية التي أدى حضورها داخل افغانستان إلى حملة الغزو الأميركي للبلاد سنة 2001، لكن أيضا التوأم الآيديولوجي لطالبان في الجوار، وهي حركة طالبان باكستان. غير إن الإنهيار الأخير لوقف إطلاق النار، الهش أساسا، الذي طال لسنة داخل باكستان بين طالبان باكستان وحكومة إسلام آباد يثير بعض الأسئلة المقلقة حول إن كان الوعد سينفذ.


علاقات متوترة

ولا يهدد إنهاء وقف إطلاق النار داخل باكستان فقط بإزدياد أعمال العنف، إنما يتعداه بتصعيد محتمل بتوترات عابرة للحدود بين الحكومتين الأفغانية والباكستانية؛ كما تضع مسبقا روابط بين حركة طالبان الأفغانية ونظيرتها الباكستانية تحت المجهر. في ربيع 2021، قال زعيم طالبان باكستان «نور والي محسود»، أنه مقابل المساعدة بإخراج الأميركان من كابول، تتوقع مجموعته دعما من طالبان افغانستان لصالح معركتها.

وشأنها شأن أشقائها السابقين في السلاح داخل افغانستان، تريد الحركة الباكستانية قلب حكومة بلادها وفرض أحكامها الدينية المتشددة. وخلال لقاء حصري معه، ألقى محسود باللائمة على اسلام آباد لانهيار وقف إطلاق النار، مشيرا إلى «خرقها لإطلاق النار وقتلها لعشرات من رفاقه واعتقال عشرات غيرهم».

لكن محسود كان أكثر حذرا حينما سئل عن تقديم طالبان الأفغانية مساعدة حاليا لمجموعته كما كان يأمل سابقا، ورد قائلا: «نحن نشن حرب باكستان داخل أراضي بلادنا، ونستخدم تربة باكستان؛ ولدينا القدرة على القتال لعقود كثيرة من الزمن بأسلحة وروح التحرير الموجودة داخل أرض باكستان.» 

ولا يجب أن تثير هذه الكلمات قلق إسلام آباد فقط، بل واشنطن أيضا. ويتعقّب مكتب التحقيقات الفيدرالي طالبان الباكستانية منذ عقد ونصف، قبل فترة طويلة من تنفيذ المتطرّف المدرّب «فيصل شاهزاد» هجومه الوقح وإضرامه النار في سيارة وسط منطقة تايم سكوير في نيويورك سنة 2010. وبعد هذا الهجوم، صنّفت طالبان باكستان كمنظمة إرهابية، ولا تزال تعتبر تهديدا للمصالح الأميركية. وبينما تحرص إسلام آباد على التقليل من أهمية تهديدات المجموعة الإرهابية، حيث يقول وزير الداخلية الباكستانية «رنا صناله» بإمكانية حكومته السيطرة «كاملا» على النزاع مع طالبان باكستان، واصفا المحادثات معها خلال فترة وقف إطلاق النار كمفاوضات «تم إجراؤها في حالة حرب»، تبقى سيطرتها على محاور الوضع حول طالبان باكستان ضمن الحدود الباكستانية.


حاضنة خلفيَّة

هناك أسئلة متزايدة حول قدرات طالبان باكستان، كما أن إدراك الحكومة الباكستانية لا يتوافق مع منظور محسود. في نيسان الماضي، ضرب الجيش الباكستاني أهدافا داخل افغانستان، محذرا من أن «الإرهابيين يستخدمون الأراضي الأفغانية بدون التعرّض للعقاب لتنفيذ نشاطاتهم داخل باكستان.» وخلال أواخر تشرين الثاني الماضي، وبعد يوم من إنهيار وقف إطلاق النار، إدّعت الحكومة الباكستانية مجددا باستخدام الحركة للأراضي الأفغانية كحاضنة آمنة، مرسلة وزيرة الشؤون الخارجية «حنا رباني خار» إلى كابول للتعبير عن قلقها.

في اليوم التالي، أعلنت طالبان باكستان مسؤوليتها عن هجوم ضمن محافظة كويتا الحدودية، حيث استهدف انتحاري سيارة شرطة تساعد فريق تلقيح شلل الأطفال، أسفر عن مقتل ثلاثة أفراد وإصابة 23 آخرين. وحينما سئل محسود حول مزاعم السلطات الباكستانية بدعم الأفغان له، وإذا ما كان الدعم يبقى طي الكتمان، رفض الزعيم هذا الإدّعاء، قائلا: «حينما لا نحتاج إلى أية مساعدة من طالبان الأفغانية، فما معنى إخفائها؟»

برغم ذلك، تتصاعد التوترات عبر الحدود بين البلدين، ووصلت إلى مواجهة مميتة قبل عدة أسابيع، حينما تبادل جيشي البلدين إطلاق النار بالقرب من نقطة تشامان– سبن بولداك الحدودية، وهي رابط تجاري حيوي بين البلدين؛ قتل فيها ستة أشخاص وأصيب 17 آخرون. وبينما لا يوجد دليل على تورط طالبان باكستان بتلك الحادثة، أو على أقل تقدير لحد الآن، رفع انتهاء وقف إطلاق النار من سخونة الموقف بشكل واضح. ويتّجه الوضع للاشتعال، فقد أعلنت الحركة الإرهابية الباكستانية مؤخرا إنضمام ثلاث مجاميع جهادية لصفوفها، جميعها من مناطق غير مستقرة على طول الحدود بين البلدين.


تحرّك أميركي

وتتهم الولايات المتحدة طالبان باكستان أيضا باستخدام الأراضي الأفغانية، مشيرة في بيان لوزارة خارجيتها بعد ثلاثة أيام من انتهاء وقف إطلاق النار إلى أن مسؤول الدفاع لدى الحركة «قاري أمجد» كونه «مصنّف إرهابي عالمي بشكل خاص». هذا الأمر يثير إمكانية استهداف الولايات المتحدة لقادة طالبان باكستان الناشطين داخل الأراضي الأفغانية، كما فعلت بقتلها لزعيم القاعدة أيمن الظواهري بطائرة مسيّرة في كابول شهر أيلول الماضي.

«تلتزم الولايات المتحدة باستخدام كامل قدراتها من أدوات مكافحة الإرهاب لمواجهة التهديدات المفروضة من قبل الجماعات الإرهابية الناشطة داخل أفغانستان، وبضمنها تنظيم القاعدة في شبه القارة الهندية وطالبان باكستان، كجزء من جهودنا اللامتناهية لضمان عدم استخدام الإرهابيين لأفغانستان كمنصّة انطلاق للإرهاب الدولي،» هكذا قالت وزارة الخارجية في بيانها.

وعلى نحو مثير للاهتمام، تعد طالبان باكستان المجموعة الإرهابية الوحيدة في المنطقة التي أقرّت بمقتل الظواهري. ومع ذلك، أظهر محسود جرأته، قائلا بأنه «لا نتوقع إقدام أميركا على فعل مثل هذا الشيء ضد حركتنا. على أميركا التوقف عن مضايقتنا بتدخلها في شؤوننا بأعمال تحريضية غير ضرورية في باكستان. يظهر هذا القرار الجائر إخفاق السياسة الأميركية».

غير أنه أبدى رد فعل يحمل تهديدا، وأنه «إذا اتخذت أميركا مثل هذه الخطوة، فستجد نفسها مسؤولة عن خسارتها. لم تفهم لحد الآن الولايات المتحدة ازدواج السياسة الباكستانية؛ والتاريخ الباكستاني يشهد بمواصلة الحكومة الباكستانية تغيير مواقفها طبقا لمصالحها».

وكالة سي أن أن الإخبارية الأميركية