الحرب الأهلية الإسبانيَّة.. هل هي داخليَّة حقاً؟

بانوراما 2023/01/21
...

  خوان غارثيا دوران

  ترجمة: عمار ابراهيم الامارة *

لا تقتصر الحروب على أن تكون بين دولة واخرى أو تحالف وآخر فحسب، وإنما من الممكن أن تكون بين أبناء بلد واحد. والحرب الأهلية هي أسوأ انواع الحروب، لما تخلفه من دمار وكراهية بين أبناء اللسان الواحد، فكيف لو كان المشاركون هم أبناء أحد اكثر الدول قوة وتطورا، وكيف ستكون نتيجة هذه الخسارات؟

بدأت الحرب الأهلية الإسبانية في العام 1936 بتمرد عسكري ضخم ضد الحكومة الجمهورية الإسبانية، وقد كان هذا التمرد العسكري مدعوما من الاحزاب المحافظة في البلاد، لكن فشل هذا الانقلاب في السيطرة على جميع أنحاء البلاد. 

فقد اندلعت حرب أهلية دموية تقاتل فيها الطرفان بوحشية شديدة، وكان المتمردون يتلقون الدعم من الخارج، حيث إن الفاشية الايطالية والنازية الألمانية كانتا تقدمان المساعدات لهم وكان اغلبهم من الروم والكاثوليك وقادة الجيش وأكثر مالكي الاراضي ورجال الأعمال. أما عن الجمهوريين فكانوا من العمال والمزارعين وأبناء الطبقة المتوسطة المتعلمة. وقد وقف الى جانبهم الاتحاد الذي يتألف من مجموعات متطوعة من أوروبا والولايات المتحدة ليؤدي ذلك الى تغيير كبير ومؤذي للمستقبل الاسباني، الذي أثر على التطور السياسي للدولة بشكل كبير. غالبا ما وجدت الخلافات الحزبية تعبيرات متطرفة وشديدة العنف لإيصال رسائلها، مثل الكتائب المدعومة من الفاشية والمسلحين الاناركيين (اليسار المتطرف والرافض لهيمنة الدولة على المجتمع- المترجم). أما بين الملكيين والمحافظين، فقد شمل الطيف السياسي مجموعات اخرى مثل الليبرالية والاشتراكية اضافة الى الشيوعيين الذين انقسموا بين اتباع ستالين وتروتسكي.

قبل ذلك، وتحديدا في العام 1934، قام عمال المناجم في استورياس (شمال غرب اسبانيا) بانتفاضة عمالية عُدّت بداية او شرارة ما عرف لاحقا بـالحرب الاهلية الاسبانية، وسرعان ما تحولت هذه الانتفاضة الى عملية وحشية بشكل كبير، وقد بلغت هذه الحركة الشعبية والانتفاضة ذروتها. ففي الانتخابات، وصلت الى السلطة حكومة الجبهة الشعبية المدعومة من اغلب احزاب اليسار المعادية للأحزاب اليمينية وسائر الاوساط السياسية. ولم يتوقف هذا الامر عند هذا الحد. ففي السابع عشر من تموز 1936 تم التخطيط لانقلاب عسكري داخل الحاميات العسكرية في جميع انحاء اسبانيا، وبعد اربعة ايام؛ أي في 21 تموز سيطر المتمردون على القسم الاسباني من المغرب وجزر الكناري وجزر الباليار وجزء من اسبانيا شمال جبال كواداراما ونهر ايبرو باستثناء استورياس وسانتاندير ومقاطعات الباسك على طول الساحل الشمالي وكاتالونيا في الشمال الشرقي، لكن القوات الجمهورية لم تكن تسمح للانقلاب أن يسيطر على اجزاء واسعة من البلاد، فبدأت باخماد الانقلاب في المناطق الاخرى باستثناء بعض المدن الاندلسية الكبيرة مثل اشبيلية وغرناطة وقرطبة.

نتج عن ذلك أن اسبانيا بات يقتسمها طرفان، كأنهما أغراب وليسوا ابناء بلد واحد، حيث بدأ كل من القوميين والجمهوريين بتنظيم مناطق سيطرتهم وقمعهم للمعارضة والمشتبه بهم. 

 وقع عنف الجمهوريين في المقام الأول أثناء المراحل الاولى من الحرب، قبل استعادة سيطرة القانون؛ لكن عنف القوميين كان جزءا من سياسة حربية مقصودة، وبذلك عكس انتشار عمليات الإعدام والقتل والاغتيالات السياسية من كلا الطرفين قدرا من التوتر الهائل الذي اطلقته الحرب الاهلية والذي تسبب باذى نفسي على الشعب الاسباني لا تزال آثاره حتى يومنا هذا.

 في تشرين الأول 1936 تم تعيين الجنرال فرانكو رئيسا للبلاد، وقام بتشكل حكومته في بوركوس وكان ذلك بعد ان تولى قيادة القوميين، وقاد قواته التي جلبها من المغرب.

وصل القوميون إلى مدريد وتحديدا إلى ضواحيها، وقاموا بفرض حصار عليها، إلا أنهم لم يتمكنوا من تجاوز المدينة الجامعية، لكنهم كانوا قد استولوا على مقاطعات الباسك الشمالية. 

وبحلول خريف العام 1937، وتحديدا في تشرين الأول، فرضوا سيطرتهم على الساحل الشمالي بالكامل، ومن ثم بدأت حرب الاستنزاف وبدأ القوميون بالانطلاق نحو الشرق عبر مدينة ترول ووصلوا إلى البحر المتوسط وقاموا بتقسيم الجمهورية إلى قسمين.  

وفي نيسان 1938 اتجه القوميون صوب كتلونيا الواقعة في الشمال الشرقي، وأجبر ذلك جيوش الجمهوريين على التراجع نحو الشمال الشرقي باتجاه فرنسا. وفي شباط 1939 هرب 250 الف جندي مع عدد مماثل من المدنيين إلى فرنسا عبر الحدود. وفي آذار رحلت الحكومة الجمهورية إلى المنفى في فرنسا لتبدأ بذلك حرب أهلية جديدة في مدريد بين الفصائل الشيوعية والفصائل المعادية لها. بعد ذلك بدأت جميع الجيوش الجمهورية بالتفكك والاستسلام.

وفي 28 آذار دخلت القوات القومية إلى مدريد وبدأت صفحة اخرى من الصراعات. وحسب تحليل السياسيين، لم تكن الحرب الاهلية الإسبانية بين أبناء اسبانيا فحسب، وإنما كانت عبارة عن صراع دولي حقيقي بين الاستبداد والديمقراطية أو بين الفاشية والحرية.

وكان لهذه الحرب تأثير مباشر على الدول التي شاركت في الحرب العالمية الثانية، مثل ألمانيا وإيطاليا، إذ كانت اسبانيا ساحة اختبار للاسلحة الحديثة، مثل الدبابات والطائرات الحربية التي امتلكها هتلر، كتدريب للحرب العالمية الثانية التي كانت على الأبواب.


عن كتاب «الحرب الاهلية الاسبانية.. افتتاحية نقدية» 

*استاذ في جامعة بغداد/ 

قسم اللغة الاسبانية