بغداد: حيدر فليح الربيعي
اتسع بشكل لافت، حجم المخاوف التي أبداها خبراء الاقتصاد، بشأن نتائج وانعكاسات أزمة سعر الصرف، التي أكدوا إمكانية تسببها بمضاعفة نسب الفقر و”قضم” جزء كبير من مدخولات العاملين في القطاعين العام والخاص وخفض قدراتهم الشرائية، فضلا عن بلوغ معدلات التضخم نسبا مخيفة يمكن أن تؤثر في مجمل العملية الاقتصادية، وفي حين شددوا على ضرورة أن يلجأ البنك المركزي إلى استخدام أدواته النقدية في “استقرار” سعر الدينار، اقترحوا إمكانية أن تدخل الحكومة بقوة في النشاط الاقتصادي، وأن تتولى القيام بنسبة من الاستيرادات لخلق التنافس السعري في الأسواق.
ولم تحقق الإجراءات التي اتخذتها السلطة النقدية “لغاية الآن” هدفها في كبح جماح الدولار، الذي تجاوز سعر صرفه “في بعض الأوقات” حاجز الـ1600 دينار لكل 100 دولار، وهو الرقم الذي وصفه خبراء اقتصاد بـ”الخطير” والذي يمكن أن يقوض نسب التنمية المستدامة، ويؤدي إلى أضرار اقتصادية جسيمة جراء ارتفاع أسعار مجمل السلع والخدمات وبالتالي ارتفاع المؤشر البياني للتضخم.
وسط ذلك، أكد البنك المركزي، في وقت سابق، استمراره بالعمل على تبسيط إجراءات التحويل الخارجي عبر القنوات الرسمية وبسعر الصرف الرسمي للتجار في ظل انطلاق عمل المنصة الإلكترونية للتحويل الخارجي مع بداية هذا العام، في حين قال مستشار البنك إحسان شمران الياسري، لوكالة الأنباء العراقية (واع): إن “اضطراب أسعار الدولار هو حالة مؤقتة، وإن موارد البنك المركزي الآن في أعلى مستوياتها منذ عقود، والوضع المالي للدولة مريح جداً”، مشيراً إلى أن “الضوابط التي وضعت لبيع الدولار على المنصة، جاءت لكي يذهب الدولار إلى المستفيد الحقيقي وهي عملية تنظيمية».
وبرغم حزم الإجراءات التي يمكن أن يتخذها المركزي لمواجهة ارتفاع سعر صرف الدولار، إلا أن الأكاديمي والخبير الاقتصادي، الدكتور ستار البياتي، يرى أن “مزاد العملة ليس من ضمن تلك الإجراءات التي يمكن أن تمثل جزءا من السياسة النقدية، مبينا أن أدوات تلك السياسة متعارفة لدى المتخصصين بالشأن الاقتصادي، وهي أربعة أركان تتمثل في “سعر الفائدة وسعر إعادة الخصم والسوق المفتوحة والاحتياطي القانوني” وهنالك أدوات أخرى قد لا تستعمل لكن ليس من بينها نافذة بيع العملة” بحسب المتحدث.
ولفت البياتي خلال حديثه لـ”الصباح” إلى أن “تلك النافذة يمكن أن تكون قد أدت غرضها في فترة معينة عبر تمويل الاستيرادات، غير أنها بمرور الوقت أصبحت عبئا على الاقتصاد، وهذا العبء يترجم من خلال عمليات التزوير الكثيرة التي شهدتها شهادات منشأ السلع المستوردة، لذا أصبحت نافذة بيع العملة، تسبب عملية استنزاف حقيقي للموارد المالية العراقية لاسيما العملة الصعبة».
ويرى البياتي، أن “تثبيت سعر الصرف يمثل خطأ كبيرا، إذ إن أغلب أنواع أسعار الصرف، هي أسعار الصرف المرنة أو المعومة أو المدارة، والهدف الأساس هو استقرار سعر الصرف، وإن واحدة من أبرز مهام البنك المركزي هي العمل على استقرار سعر صرف الدينار العراقي، وليس تثبيته” موضحا أن بقاء أسعار الصرف مرتفعة، له نتائج سلبية خطيرة تتمثل في ارتفاع نسب التضخم، وتآكل الأجور الحقيقية للمواطن، ففي السابق كان كل مليون دينار يساوي قرابة 800 دولار، والآن تساوي 600 دولار، وهذا يؤكد انخفاض الدخل الحقيقي للفرد وسيؤدي ذلك إلى عدم الحصول على متطلباته من السوق التي بدأت الأسعار فيها ترتفع بشكل لافت” مؤكدا إن “استمر الوضع على ما هو عليه، فستزيد أعداد الذين هم دون خط الفقر».
وعن الحلول التي يمكن أن تؤدي إلى تخفيف حدة ارتفاع الدولار، لفت الخبير البياتي إلى وجود جملة إجراءات تؤدي ذلك الغرض، بضمنها “إمكانية أن تدخل الحكومة بقوة في النشاط الاقتصادي، وأن تتولى القيام بنسبة من الاستيرادات لخلق نوع من التنافس الذي سينعكس إيجابا على الأسعار والمواطن، وألا تترك ذلك الأمر كاملا للقطاع الخاص” مؤكدا ضرورة أن “تتدخل الحكومة لإعادة الأمور إلى نصابها الحقيقي بشأن سعر الصرف وإعادته إلى ما كان عليه سابقا، وألا تتحجج وزارة المالية بوجود عجز في الموازنة، إذ إن العراق يمتلك موارد كبيرة، والاحتياطي بلغ أرقاما جيدة جدا، وعلينا ألا ننسى أن “موازنات البلد طالما تبدأ بعجز وتنتهي بفائض».
بدوره، بين الخبير المصرفي، عبد الرحمن الشيخلي، أن أول الأسباب التي تقف وراء ارتفاع سعر الصرف هو “ التهاون في تطبيق معايير العناية الواجبة للـ AML الخاصة بمنع تسرب الأموال، وما سببه ذلك من قرارات دولية أدت إلى إيقاف مشاركة العديد من المصارف في مزاد العملة”.
واقترح الشيخلي خلال حديثه لـ”الصباح” جملة حلول يمكن أن تعالج أزمة ارتفاع سعر الصرف، بضمنها “الالتزام بالمعايير الدولية، لاسيما في موضوع التحويلات الخارجبة، وكذلك الالتزام بالاعتمادات المستندية في التحويلات وبحسب تعليمات البنك المركزي وتدقيق كل المعاملات، واشتراط بمعرفة مصادر الأموال التي يشارك فيها العميل في نافذة بيع العملة ومن هو مالكها الحقيقي، وما هي الجهات المستفيدة منها وحجم ونوع البضائع المستوردة وأن يتم استيفاء الضرائب والجمارك عنها بما يتناسب مع القوانين المرعية».