جراحات تطويل القامة.. معاناة من أجل بضعة سنتمترات

بانوراما 2023/01/26
...

 سيمون أوزبورن

 ترجمة: ليندا أدور                    

عندما كان مراهقا، بلغ طول لويس 165 سنتمترا وتوقف بعدها عن النمو، فأصبح أقصر من متوسط طول الرجل البريطاني العادي بنحو عشرة سنتمترات، أي أن تسعة من كل 10 رجال سيكونون أطول منه. مضطرا للتحلي بالشجاعة كلما أراد الخروج، مرتديا أحذية بكعوب متراصة، بدأ لويس، في مرحلة ما، بتناول مضادات الإكتئاب، لشعوره بالإستياء بعد أن قالت له إحدى السيدات: {إنك شخص رائع، لكنك تستحق أن تكون أطول قليلا}. 


يقول لويس، وهو بريطاني فضل عدم الكشف عن هويته: “من المثير أن يركز الناس اهتمامهم على قضايا ليس بالإمكان تغييرها، أو، على الأقل، كنت أظن ذلك”، لكنه، قبل بضع سنوات، دفع لأحد الجراحين عشرات الآلاف من الجنيهات ليخضع لعملية كسر ساقيه وتطويلها، رغم علمه بأنها ستكون عملية مؤلمة ومحفوفة بالمخاطر، لكنه، كان على علم بأن العملية، التي لم يكشف عن تفاصيلها أو تكلفتها، ستؤدي لزيادة طوله لأكثر من سبعة سنتمترات، اذا جرت الأمور على ما يرام. 


المال هو المحرك

الطلبات على عمليات إطالة الساق التجميلية، أو ما يعرف بـ”تطويل القامة”، آخذة بالتزايد، بين الشباب على نحو خاص، بفضل التطور التكنولوجي وتغير المواقف تجاه عمليات التجميل، وتنامي روح المغامرة والريادة بين جراحي العظام، حيث تشتد المنافسة على المرضى بين العيادات المتخصصة بها بعموم أنحاء العالم. بالرغم من ذلك، هناك قلق يشوب هذه الصناعة النامية، ماذا يمكن أن يقال عن مجتمع يصطف فيه أشخاص يحتمل تعرضهم للخطر لإجراء عمليات جراحية كبرى؟ وما الذي يحفز الجراحين لأجرائها؟

يقول الدكتور درور بالي، من رواد جراحة العظام بولاية فلوريدا الأميركية، وواحد من أشهر المتخصصين بتطويل الأطراف في العالم، بأنه صار يتلقى نحو ستة طلبات من مرضى جدد كل يوم، بعد أن كان يتلقى طلبا واحدا منذ خمس سنوات فقط: “للأسف الشديد، ما يحركها هو المال”. تعد العملية بمثابة مفخرة للهندسة الطبية، فالتقنيات والأجهزة المستخدمة تختلف من حالة الى أخرى، اذ يستخدم بالي مسامير أو قضبان شبيهة بتلك المستخدمة، منذ عهد بعيد، بتثبيت الكسور الشديدة، لكنه، ما أن يبدأ بحفر تجويف النخاع ليدفع المسمار داخله، فإنه يلجأ لكسر العظم عن عمد الى نصفين. 

لكن، الجزء الذكي في الموضوع يأتي بعد العملية ذاتها، ففي المنزل، يتم تثبيت جهاز محمول على الساق، وظيفته إحداث مجال مغناطيسي يعمل على تحفيز آلية لولبية مغناطيسية داخل المسمار المنظاري، وبمعدل نموذجي هو مليميتر واحد يوميا، يقوم بإرسال ثلاث أو أربع عمليات تحفيز لبضع دقائق، ليبدأ المسمار بسحب نصفي العظم عن بعضهما البعض، ما يحفز الجسم لصنع نسيج عظمي جديد لسد الفجوة المتزايدة.


مضاعفات مميتة

تستغرق عملية الإطالة هذه عدة أسابيع تشمل فترة من عدم الحركة نسبيا، وأحيانا، استخدام كرسي متحرك، وشهور من العلاج الطبيعي لمساعدة العضلات على التكيف، بعدها يتم إزالة المسمار بعد إكتمال الإطالة. يصل مقدار ما يمد من عظام الفخذين الى نحو ثمنية سنتمترات، فيما يمكن مد عظم قصبة الساق (الظنوب)  حتى خمسة سنتمترات، ويعاني خلالها المرضى من ألم ليس بسبب التنشيط المغناطيسي، بل من تأثيرات العملية الجراحية بشكل عام والكسر المزدوج في الساق.

يقول بالي، الذي يجري، سنويا، نحو 12 عملية لمرضى من المملكة المتحدة، مقابل نحو 96 ألف دولار لتطويل الفخذين، أو 275 ألف دولار مقابل صفقة لتطويل العظام الأربعة على مدى سنتين لزيادة في الطول تصل  إلى 16 سنتمترا. يقوم بعض الجراحين بإجراء ذات العملية لكن بأسعار تصل الى نصف المذكور أعلاه، إعتمادا على الأجهزة المستخدمة، وغالبا ما تكون في مناطق السياحة التجميلية الساخنة في كل من تركيا والهند. يقول شاب أميركي يبلغ من العمر 32 عاما، فضل عدم الإفصاح عن هويته، في حديثه بأنه أراد تطويل عظامه الأربعة ليصبح طوله 182 سنتمترا بدلا من 176، فأضطر لدفع 50 ألف دولار لإحدى العيادات في اسطنبول، وهو ربع المبلغ المطلوب في الولايات المتحدة، مشيرا الى أنه عمل لثمانين ساعة في الأسبوع وأخذ قروضا ليتمكن من تحمل تكاليفها.

بعد فيض من تقارير عن عمليات فاشلة وغير متقنة، عمدت الصين الى حظر عمليات إطالة القامة العام 2006، لا سيما وأن العديد من أطباء العظام يروجون لأنفسهم كمتخصصين بها، مع إفتقارهم للخبرة المناسبة أو البنية التحتية أو حتى الوعي بمضاعفاتها، التي تشمل التلوث والعدوى والجلطات الدموية وخلع المفصل وفي بعض الأحيان، حالات مميتة.


تقنية إليزاروف

يقول الدكتور هاميش سيمبسون،  جراح وأستاذ جراحة العظام والصدمات بجامعة إدنبرة، بأنه غالبا ما يلجأ الى إقناع من يتقدم له بطلب إجراء عملية إطالة قامة بالعدول عنها لأنه، وفقا لسيمبسون، فإن خطورة حصول مضاعفات، في أفضل الأحوال، هي ضعف مخاطر عملية استبدال مفصل الركبة.

لم يكن الغرض من إطالة الأطراف هو الإصلاح التجميلي، فقد ظهرت التقنيات الحديثة أوائل خمسينيات القرن الماضي عندما قام جراح عظام سوفيتي يدعى غافرييل إليزاروف، باختراع نظام تثبيت خارجي للجنود الجرحى، هو عبارة عن هياكل تشبه الهالة قابلة للتمديد مدعومة بدبابيس تثبت مباشرة عبر الساق. وقد حقق إليزاروف شهرة واسعة في العام 1967 بعد أن نجح بعلاج بطل القفز العالي السوفيتي فاليري بروميل، لكنه بقي معزولا حتى كشف طبيب إيطالي عنه. 

في العام 1983،  سمع بالي عن هذا الأسلوب في العلاج عندما كان طبيبا مسجلا وشابا طموحا في بلده الأم، كندا، فدرس هذه التقنية الجديدة في إيطاليا وروسيا، وبدأ ممارستها في كندا العام 1987، وانتقل من بعدها الى الولايات المتحدة. تم استخدام الجهاز لأول مرة في المملكة المتحدة العام 1989، لكنه كان معقد وبشع ومؤلم وثوري، في ذات الوقت، لأن العظام المتضررة جراء الحوادث أو العدوى يمكن أن تنمو كما لو كان بفعل السحر، لتُجنب الأطراف عملية البتر، حتى الأطفال الذين لديهم تشوه خلقي أو إختلاف في طول الساق، صار بإمكانهم الخلاص من حياة وصمة العار والألم.


عبادة الجسد الجميل

كان العام 2011، هو عام التغيير الكبير مع إطلاق مسمار بريسايس النخاعي المغناطيسي Precice nail,، الذي أسهم بالي بتطويره، وتملكه الآن إحدى الشركات الأميركية المتخصصة بالتكنولوجية الطبية. وفي العام 2018، أطلقت الشركة مسمار حديث بتقنية سترايد Precice Stryde nail يسمح للمرضى بتحميل وزن على الساق التي لا تزال قيد الإطالة بعد العملية بفترة قصيرة، ومع كل تطور، أصبحت عملية التطويل نوعا من “قرصنة الجسد المستقبلية” أكثر من كونها عملية تعذيب تعود للعصور الوسطى. 

يشير بالي الى أن طلبات تطويل القامة إزدادت من عملية واحدة في الشهر العام 2013 الى 40 عملية شهريا العام 2017، واليوم قفز المعدل إلى مئتي عملية، اذ يقوم بإجراء أكثر من 100 عملية في السنة، يشكل الرجال نسبة 84 بالمئة منها. 

ومع غياب إحصاءات دقيقة عن العدد الإجمالي لها، يقدّر فيكتور إيغونو، مدير مستوصف في بالتيمور، عدد العمليات التي تجرى بعموم أنحاء العالم سنويا بالآلاف، وهي في تصاعد سريع، معظمهم تقريبا من الشباب، مشيرا الى أن النساء اللواتي خضعن لها، هن في سن أصغر نسبيا، فقد تلقى طلبا من شابة في العشرينيات من عمرها بطول 140 سنتمترا وقد سئمت من معاملتها كطفلة. 

يلقي والد أحد الشباب المراهقين، رفض الكشف عن اسمه، باللائمة على وسائل التواصل الاجتماعي وعبادة الجسد الجميل، اذ يقول بأن ابنه بات مقتنعا تماما بأنه بحاجة لإجراء جراحة التطويل، بقوله: “يرغب معظم الشباب بذقن محفور، وبشرة خالية من البقع وشعر جميل، لكن الطول هو الأمر الذي يركز عليه الجميع، سواء شبان أم فتيات، والسؤال الذي يبدؤون به حديثهم عبر النت هو “كم طولك؟”. في الوقت الذي يسوّق فيه الجراحون أنفسهم عبر وسائل التواصل ومحركات البحث، فإن الأشخاص القصار القامة يكونون أمام إكتشاف لعالم جديد شجاع، لكنه حقل ألغام في الوقت ذاته.


*صحيفة الغارديان البريطانية