آثار تل حرمل بلا أسوار

ريبورتاج 2023/01/26
...

  وليد خالد الزيدي
يقتضي على المرء أن يعتز بتاريخ أمته، ويحفظ رموزها التاريخية، ويتذكر عناوين نهضتها فالشعوب تتفاضل بعضها على الآخر، والأمم تتفاخر والمجتمعات تتمايز في ما بينها على قدر ما تحويه من إرث زاخر وتراث عريق، وحضارة متجذرة في عمق التاريخ وأرض العراق تزخر بكنوز ونفائس وإرث تاريخي مجيد، وآثار شاخصة تدلُّ على صور الحياة الأولى ومشاهد بدايات الحضارة، وهناك الكثير من المواقع الأثارية التي تكتشف بين فترة وأخرى، وفي مناطق مختلفة منها في العاصمة بغداد والبقية في عدد من المحافظات، ويخشى المهتمون بالآثار العراقية من تعرضها للهدم والتدمير من قبل الناس البسطاء، اذا ما جهلوا قيمتها الحضارية أو من أشخاص عابثين أو سراق، يتعمدون إخراج ما تحتويه من رقم أو لقى ثارية أو كنوز ثمينة لتهريبها، وبيعها خارج البلاد، ومن تلك المواقع مركز يعتقد أنه مكان حفظ الوثائق الخاص بمملكة أشنونا في موقع تل حرمل في بغداد الجديدة شرقي العاصمة.



 من أجل تسليط الضوء على هذا الإثر التاريخي أجرت (الصباح) تحقيقاً لمعرفة الأهمية التاريخية والقيمة الحضارية له وضرورة الاهتمام بمثل تلك الآثار، والمحافظة عليها من العبث والتخريب، من خلال آراء بعض المختصين ومواطنين قريبين من الموقع المذكور.


سومر

أحمد إسماعيل عناد(39)عاماً من سكنة بغداد الجديدة، يؤكد وجود المواقع الأثرية القديمة وذات الاهمية التاريخية، التي لم تحظ باهتمام يناسب قيمتها الحضارية في منطقة سكناه.

مبينا أن مناطق عدة في منطقة بغداد الجديدة، تحتوي على الكثير من المواقع الأثرية، التي تعود لعصور سحيقة في القدم، لكن العديد منها غير محدد بأسوار لتتم حمايتها من المؤثرات الخارجية، وقسم آخر محدد ومعروف، وأضاف أن موقع تل حرمل يعدُّ من بين أهم المواقع الأثرية في بغداد، ويحتوي على آثار مملكة اشنونا، التي تعود للحقبة السومرية، وهي مرحلة حضارية مشرقة في تاريخ العراق والعالم القديم، لذا نتمنى أن يجري الاهتمام بها وتحديدها وبيان اهميتها واعتبارها من مواقع التراث العالمي لكي يتم الحفاظ عليها. 


آثارنا والتراث العالمي

الدكتور جواد مطر الموسوي أستاذ التاريخ القديم وعضو المجمع العلمي العراقي سابقا يشير إلى ضرورة التعريف بالمواقع الاثارية، وحصرها من قبل الدوائر المتخصصة للعمل على حمايتها وحفظها من أيدي العابثين والسراق. وقال الموسوي في حديث خص به (الصباح):

إنَّ «آثار العراق لها قيمة تاريخية دولية لأنها جزء من التراث العالمي، لا سيما مراحل تطور البشرية في عهودها الأولى في جميع المناطق، وليس فقط في العاصمة بغداد، التي يمكن أن نذكر منها آثار مملكة أشنونا التي تعود الى فترة التاريخ القديم، خلال الحقبة السومرية، حينما كان العراقيون بناة أولى حضارات العالم وامتدت تلك المملكة من شمال البلاد الى جنوبه».

مضيفا أن مصادر تاريخ العراق القديم تشير إلى أن تلك الدولة جاورت حضارات أخرى، منها في بلاد عيلام شرقا وآشور شمالا، ومملكة ماري غربا، حيث توجد في منطقة ديالى بعض المواقع الاثارية، التي تمثلت فيها الحضارة السومرية بصورة جلية.


الهويَّة الحضاريَّة 

ويدعو كاظم الجزائري(45) عاما إلى ضرورة دعم قطاع الآثار في العراق، لأهميته في إبراز الوجه الحضاري للبلاد، مشيرا إلى أن الآثار هي الهوية الحقيقية، لحضارة هذه البلاد منذ القدم، لكونها جسدت تاريخاً عريقاً عبر آلاف السنين، وأثبتت أن هذه البلاد هي  رمزٌ شامخٌ وفخرٌا لأبنائها، وقد أذهلت الشعوب بمدى تطورها بمختلف مجالات الحياة، لا سيما الاستكشافات والنظريات العلمية، ومن خلال آثار انتشرت في أرض العراق من شماله إلى جنوبه ولا تزال محط أنظار الباحثين والمنقبين في مراحل الزمان المختلفة.

وأردف أن آثار بلدنا تشير إلى مدى التقدم والرقي لأجدادنا العظماء، ومنها بقايا مملكة اشنونا، لذا من الضروري الحفاظ عليها كواجب وطني مقدس من كل العراقيين، بسبب وجود مشكلات تتعلق بالموقع الجغرافي، لتلك الآثار قرب المنازل والأحياء السكنية ما يفرض على الجميع حمايتها، لأن الحكومة ليست وحدها معنية بحماية الآثار، إنما المواطنون ايضا عليهم واجبات في الحفاظ عليها.


فرقٌ تنقيبيَّة

أكدت الهيئة العامة للآثار والتراث في بغداد اهتمامها الكبير بالمواقع الآثارية في جميع مناطق العاصمة بغداد، وقال مدير إعلام الهيئة حاكم الشمري في تصريح خص  بـه (الصباح):

 إنَّ «المواقع الاثارية لمملكة أشنونا في منطقة بغداد الجديدة، هي عبارة عن المركز الإداري للمملكة وتتوزع في ثلاثة مواقع هي تلال محمد وحرمل والضباعي، منوها بأن مملكة أشنونا مترامية الأطراف لذا لا يمكن أن يحدد امتدادها، ولا حصر حدودها بالضبط، لكنها تحظى باهتمام الهيئة العامة للآثار والتراث في بغداد، وهي مواقع مسيجة، وقبل أيام معدودة كانت هناك فرقة تنقيبية متخصصة بموقع تل محمد في بغداد الجديدة.


الأجداد حفظة الأمجاد

بينما يؤكد المواطن عماد علي (53) عاما من محافظة ديالى أن الآثارالعراقية تعدُّ دليلاً على تطور تاريخ أي بلد ومصدر وجوده، ويكمل حديثه قائلا:

إن أجدادنا حافظوا على آثار حضارتنا منذ وقت بعيد، سواء تلك الاسلامية أو القديمة التي تعود الى ما قبل الاسلام ومن جيل إلى آخر، وإن لم يكن كذلك، فكيف وصلت الينا على الرغم من أن بلدنا مر بظروف صعبة طيلة الأزمنة الماضية، وحتى وقت قريب، لكنهم ظلوا محافظين عليها لأنهم أدركوا أهميتها لكونها من الدلائل على حضارة البلد، ورقي الإنسان فيه، ولهذا لا بدَّ من إيلاء أقصى الاهتمام بتلك الآثار على قدمها. 

وأردف أن مسألة إهمال تلك الآثار أصبحت أمراً شائعاً، لأن هناك الكثير من المواقع الاثرية منها مجهولة وأخرى معروفة، لكنها تفتقر إلى العناية والاهتمام، وتكون غير محددة أو غير محصورة في بقعة أرضية، أو موقع معين فلا يمكن الاطمئنان عليها لأنها سوف تكون عرضة للتخريب أو التدمير. 


أقدم القوانين 

ويلفت الدكتور جواد مطر الموسوي إلى أن اشنونا كانت دويلة عاصمتها في موقع تل اسمر في المناطق الواقعة شرقي دجلة وسط العراق، فضلا عن  دويلة ماري تل الحريري الواقعة على الحدود العراقية السورية في الوقت الحاضر، ولم تتوحد البلاد، إلا بعد مجيء الملك حمورابي إلى حكم بابل، حيث استطاع أن يوحدها بعد سيطرته على دويلات، لارسا واشنونا وماري سنة 1763 ق.م.

مؤكدا إلى أنه من أهم المواقع قاطبة كان موقع تل حرمل (شادويوم)القديمة الواقع في ضواحي بغداد الآن، حيث كانت محاطة بسور منيع في وسطه معبد كبير، تحفّ به بيوت سكنية ومبانٍ كانت مراكز دراسية علمية مهمة، حيث كانت هذه المدينة عبارة عن معهد علمي كبير عثر فيه على أكثر من ثلاثة آلاف رقيم طيني مكتوب بالمسمارية، ورقم أخرى تحتوي على أسماء المدن والجبال والأشجار والحيوانات، ومعاجم باللغتين السومرية والاكدية، كما دونت قوانين مهمة جداً عرفت بـ(قوانين مملكة اشنونا)، التي سبقت تلك التي سنّها حمورابي بنحو قرن ونصف قرن من الزمن، ومع ذلك نرى بعض المواقع غير مسيجة ولا معروفة فتكون عرضة للتخريب، لذا ومن أجل المحافظة عليها هناك عدة مقترحات وإجراءات حثيثة. 


مقترحاتٌ وحلولٌ   

يضع الموسوي عدة مقترحات للنهوض بقطاع الآثار، ومنها اقامة الندوات الخاصة بالمواقع الأثارية، أي تكون في كل موقع ندوة، وبحوث خاصة للتعريف به وحصره وتنظيم مؤتمرات خاصة بالآثار ومواقعها وأهميتها التاريخية، فليس من المعقول أن تذهب الأعوام من دون إقامة ندوات للتعريف بتلك المواقع، وقيمتها الحضارية، وكذلك إشراك خريجي أو طلبة أقسام الآثار في الكليات والجامعات العراقية في حملات التنقيب، وإعلانها أمام الإعلام والراي العام لاشعار المواطنين بقيمتها الحضارية، ولكي تتم متابعتها والتدريب فيها، لا سيما أثناء مراحل تطبيقهم الدراسي قبل التخرج، كما يجب أن تكون حملات التنقيب واسعة لاكتشافات اخرى