ارتداء «الأحذية» حاجة وليس ترفاً

بانوراما 2023/01/28
...

   فريد هارتر

  ترجمة: ليندا أدور


بدأ الأمر مع دامنش دانغارو، عندما كانت طفلة، بحكة وحرقة في أصابع القدمين، من ثم بدأت قدماها بالانتفاخ، وفي غضون أسابيع تضاعف حجمها الى ثلاثة أضعاف الحجم الطبيعي، وسرعان ما بدأت عُقيدات صلبة بالظهور على أصابع قدميها. 

تركت نوبات الصداع والحمى، التي عانت منها دانغارو في ما بعد، طريحة الفراش لبضع سنوات، وعندما تجرأت على الخروج، أحست بألم شديد جدا في ساقيها المشوهتين الى الحد الذي دفعها الى الزحف لتغادر منزل أقاربها الذي يقع في قرية تلالية جنوب غربي إثيوبيا. 


بسبب تفاقم وتطور الالتهابات الفطرية في قدميها، اشتكى أقاربها، الذين تشاركهم دانغارو السكن بمنزل خشبي صغير، من الرائحة الكريهة التي تنبعث منها، فقاموا بطردها خارجا، فاضطرت الى المبيت مع الماشية والماعز، وبعد أن نبذها الجيران واجتنبها الجميع، لم يكن أمام دانغارو الا أن تترك المدرسة وتتجنب حضور أي تجمع أسري أو قروي كحفلات الزفاف أو المآتم، فتجلس وحيدة تبكي وهي تستمع لأهالي القرية يغنون ويرقصون في الأفراح أو يتلون الصلوات أثناء قداس الكنيسة، الذي لا تتمكن من حضوره رغم بعدها عنها بامتار قليلة. تقول دنغارو (26 عاما): «لم أكن أعرف ما يحدث معي عندما بدأت الأعراض بالظهور لأول مرة»، مضيفة «لم أطلب المساعدة من أي كان لأني لم أستطع تحمل تكاليفها، فافترضت بأنني سأموت».


استعداد جيني

تعد دانغارو واحدة من بين أربعة ملايين شخص موزعين بين قارات افريقيا وأميركا اللاتينية وآسيا يعانون من داء «سحار الأقدام Podoconiosis « (أو ما يسمى بداء الفيل غير الفيلاري- القدم الطحلبية)، وهو أحد أشكال الوذمة اللمفية غير المعدية، ويتسبب بتورم يصيب القدمين والساقين. ترتبط حالات الإصابة بسحار الأقدام بالزراعة حفاة القدمين في تربة طينية حمراء بمناطق كالمرتفعات الوسطى بإثيوبيا، حيث يخرج 11 مليون مزارع الى حقولهم حفاة بلا أحذية. ويبدو أن هذا النوع من التربة غني بالمعادن التي تلقيها ملايين السنين من النشاط البركاني، وتشكل خطرا على العاملين بحراثتها وزراعتها، اذ يعتقد أن جزيئات التربة تدخل الجسم عن طريق تشققات الجلد الجاف والمتصلب وتمتصها الأوعية اللمفاوية، لتتفاعل مع أنسجة الجسم كيميائيا وتعمل على تدمير الجهاز اللمفاوي ببطء. وبمرور الوقت، تصبح الأوعية اللمفاوية غير قادرة على تصريفها من الأطراف السفلى للمريض، مؤدية الى تورم كبير ومؤلم يتسبب بالمزيد من الضرر للجلد ويسهل دخول التربة الى الجسم، كما أن هناك أشخاصاً لديهم جينات تجعلهم أكثر عرضة للإصابة بالمرض من غيرهم.


انتحار الجهاز اللمفاوي

يصف الدكتور بول ماتس، مؤسس هيئة متعلقة بسحار القدم ومنظمة التنمية المتكاملة (أبيدو)، وهي منظمة غير حكومية أسهمت بعلاج نحو 34 الف مصاب بالقدم الطحلبية في جنوب اثيوبيا، بأنها: «تشبه الانتحار البطيء للجهاز اللمفاوي» بينما يرى أبراهام آصيفة، منسق مشروع أبيدو بمقاطعة داورو الجنوبية بأن: «المسبب الرئيس لهذا الداء هو الفقر، اذ يصيب الأشخاص الذين لا يستطيعون تحمل تكاليف شراء الأحذية»، واصفا إياه بأنه من أكثر أمراض المناطق المدارية إهمالا في العالم. 

يصيب داء القدم الطحلبية نحو مليون و600 ألف انسان في إثيوبيا وسط ندرة بيانات عالمية كاملة، بسبب قلة الأبحاث والمعرفة الضيقة به داخل الوسط الطبي والحرج الاجتماعي والفقر الذي يعيق المصابين من طلب المساعدة. خلال سبعينيات القرن الماضي، تمكن إرنست برايس، وهو طبيب بريطاني كان يسكن إثيوبيا، من الربط بين المرض والتربة الحمراء البركانية، لكن القليل من الأبحاث تم إجراؤها بعد ذلك حتى مطلع الألفية. ويقول ويندماغين إنبيالي، استاذ الأمراض الجلدية لدى جامعة بحر دار بأنه: «لو سألت طبيبا في العاصمة، أديس أبابا، من المرجح أنه لا يعرف شيئا عن «سحار الأقدام» حتى أنه يجد صعوبة في نطقه»، مضيفا «وعندما أسأل المصابين لم يراجعوا مركزا صحيا، يقولون بأنه لا يوجد له علاج».


وصمة وعزلة

مع ذلك، فإن الوقاية وعلاج القدم الطحلبية يكمنان في ارتداء الأحذية، اذ تمنع تسرب التربة الى الجسم، والاهتمام بنظافة الأقدام بغسلها بالماء والصابون والنقع المنتظم بالماء والملح واستخدام المراهم المرطبة، فبمجرد ارتداء الأحذية وغسل القدمين، تنتهي عملية احتكاك الجلد بالتربة، وتختفي الأعراض التي يعاني منها حتى مرضى الحالات الحادة. أما الإهمال فيؤدي إلى مضاعفات كتعفن الدم وفشل العضو، وقد يكون مميتا، الى جانب التأثير السلبي للحالة النفسية على الجسدية، اذ يواجه المصابون الشعور بالوصمة والعزلة. وبحسب إنبيالي: «يتم بتر أرجل المصابين لأن الأطباء يعتقدون بأنه الحل الوحيد». 

اعتقد مانجور ماركنييه، مزارع من داورو ومصاب بالمرض، بأنه تعرض للدغة ثعبان عندما بدأت قدماه بالتورم، بينما تعتقد جامنيش دورامو، انها تعاني من القدم الطحلبية هي الأخرى، بأنه، ربما دخل بعض الرماد الى قدميها بعد «حفلة سحر»، عندما بدأ ظهور الأعراض عليها. ومثلها مثل دانغارو، تم نبذها من المجتمع وبات ينظر لهم على أنهم ملعونون، وعندما قام ماركنييه بزيارة معالجين محليين، حاول أحدهم بتر ساقيه وامتصاص السائل بواسطة قرن بقرة، اذ يقول: «كان إرتداء الحذاء يعد ترفا، فلا أحد يستطيع تحمل تكاليفها»، مضيفا «لم ندرك أن المشي حفاة القدمين يعد مخاطرة، لكن الآن الكثير يشترون الأحذية ويلبسونها».

اليوم، وبينما ترتدي دانغارو الزوج السابع من الأحذية، لا تزال ساقاها وقدماها مشوهتين بسبب المرض، رغم تراجع حجم الورم وشدة الألم بشكل كبير، وصار بإمكانها التجول ومشاركة الفعاليات الأسرية، حتى أنها أكملت دراستها الابتدائية، وتعلق بأن: «التغيير جوهري، يمكنني الآن أن أقوم بكل ما أريد؛ كالذهاب للكنيسة والى السوق».


صحيفة الغارديان البريطانية