لماذا أصرّتْ أوكرانيا على طلب دبابات «ليوبارد 2» الألمانيَّة ؟

بانوراما 2023/01/29
...

  بيتر بيوماونت وديفد برينان

  ترجمة: أنيس الصفار

دبابة «ليوبارد 2» دبابة قتال رئيسية ألمانيّة الصنع يصل مدى حركتها الى نحو 500 كيلو متر. دخلت الخدمة لأول مرة في العام 1979 وتصل سرعتها القصوى الى 68 كيلومتراً في الساعة وهي مجهزة بمدفع عيار 120 ملم ذي الماسورة الملساء كسلاح رئيس، فضلا عن مدفعين رشاشين خفيفين بمحور موحد.

يستخدم الجيش الألماني الدبابة «ليوبارد 2» كما تستخدمها على نطاق واسع القوات المسلحة لأكثر من 12 دولة اوروبية، فضلا عن عدد من الدول الأخرى من بينها كنداً. تمَّ نشر الدبابة في كوسوفو والبوسنة وافغانستان كما استخدمتها تركيا في سوريا، وقد فقد العديد منها بفعل القذائف المضادة للدبابات.

          

أعلنت اوكرانيا عن حاجتها العاجلة والملحة الى الدروع الثقيلة في حربها ضد الغزو الروسي نظراً لمحدوديَّة قدرات كييف في سلاح دباباتها التي يعود معظمها الى الحقبة السوفييتية أو ما بعدها.

تعتقد كييف وتشدد أن موسكو عاقدة العزم على شن هجوم جديد واسع خلال الاشهر المقبلة، ولكنها الى جانب ذلك تعتقد أن نهاية الحرب ستكون أسرع إذا ما منيت روسيا بالهزيمة في الميدان أمام الهجوم الأوكراني المقابل لاسترداد المناطق التي احتلها الروس، وهناك عدد من حلفاء كييف يؤيدون هذا الاعتقاد.

لئن تكن أوكرانيا قد حققت انتصارات مهمة، مثل معركة كييف في بداية الحرب ومن بعدها في إقليم خاركيف والمناطق المحيطة بخيرسون في الجنوب، فهي قد تعرضت للإعاقة بسبب النقص الذي تعانيه في سلاح الدبابات لدعم عملياتها بمواجهة القوات الروسيّة التي لا تفتأ تدفع الى الميدان بشكل متزايد بدبابات «تي - 90» الحديثة فائقة القدرات.

حضور دبابات ليوبارد الواسع، بما في ذلك عند بولندا المجاورة التي أبدت استعدادها لتزويد أوكرانيا بها، يجعلها خياراً ملائماً تماماً لكييف. 

تحدد أوكرانيا حاجتها إلى 300 دبابة ولكن المحللين الغربيين يعتقدون أنَّ 100 دبابة ربما ستكون كافية لقلب موازين الحرب.


فما المشكلة؟

 تكمن المشكلة في أنَّ البلدان التي ذكرناها قد زودت بالدبابات بموجب إجازات تصدير، وهذا يمنح ألمانيا الحق في أن تحظر إعادة تصديرها، لكن بولندا ألمحت مؤخراً بأنّها قد تتجاهل ألمانيا ببساطة وتصدر دباباتها من نوع «ليوبارد» بصرف النظر عن أي شيء.

موقف ألمانيا نفسه كان متضارباً، فهي تفضل أن يكون النهج مشتركاً متعدد الأطراف بخصوص امدادات الأسلحة إلى اوكرانيا، بدلاً من أن تبدو وكأنها تتحرك بمفردها.

رغم تزويد ألمانيا لأوكرانيا بكميات كبيرة من المعدات، بما في ذلك السيارات المصفحة، فإنّها كانت في حالة صراع مع تقليد «عدم العسكرة» الذي تبنته في مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية، لأنَّ تجهيز دبابات قتال رئيسية ينطوي على جانب إشكالي بسبب قدراتها وخصائصها الهجوميَّة التي لا تخفى.

لذا حاولت ألمانيا أن تربط تجهيزها دبابات ليوبارد بتحالف أوسع يسهم بإرسال دبابات من أنواع أخرى من بينها دبابة «آبرامز» الأميركية، وهي دبابة يصفها الخبراء بأنّها أقل ملاءمة للحرب في أوكرانيا نظراً لاستهلاكها العالي من الوقود. 

يعتقد الخصوم أنَّ تزويد أوكرانيا بالدبابات سوف يعد تصعيداً في الحرب من جانب الدول الأعضاء في حلف الناتو، وهذا بدوره سيصعد خطر انتشار الحرب وتوسعها. ترد اوكرانيا على ذلك بأنّها لن تستخدم الدبابات إلا ضمن رقعة حدودها المعترف بها دوليَّاً، في حين يقول المؤيدون إنّ موسكو هي التي تقوم بالتصعيد من خلال حشدها مزيداً من القوات واستهدافها البنى التحتيّة المدنيّة واطلاقها تهديدات مبطنة بالضربة النووية.

بين «ليوبارد 2» الألمانية و»آبرامز أم 1» الأميركية 

تمثل الدبابة «ليوبارد 2» على رأس قائمة طلبات أوكرانيا في خضم بذل كييف أقصى ما في يدها من ضغوط على الشركاء الغربيين لتوسيع مدى المساعدات العسكرية المرسلة اليها. هذه الدبابة، التي يستخدم نحو 2000 منها في عدد من دول حلف الناتو، تعد من اكثر الدبابات رهبة في العالم.

تأمل كييف أن ينتهي اجتماع مجموعة الاتصال الدفاعي الأوكرانية في القاعدة الجوية الأميركية في رامشتاين بألمانيا بتوقيع برلين على صفقة «ليوبارد 2»، سواء من ألمانيا مباشرة، أو من عند الحلفاء في الناتو، لتخرج بعدها الدبابات متوجهة شرقاً الى ميادين المعارك الاوكرانية.

سبق أن رفض المستشار الألماني «أولاف شولتز» إعطاء الموافقة على انتقال دبابات «ليوبارد 2» الى اوكرانيا، وصرح ناطق باسمه أنَّ برلين لن ترسل دباباتها إلا اذا فعلت الولايات المتحدة مثل ذلك. (في وقت لاحق تراجعت ألمانيا عن الموقف المذكور وأعلنت موافقتها على تزويد أوكرانيا بالدبابة ليوبارد 2، وانسجاما مع ذلك عدلت الولايات المتحدة موقفها أيضا وأعلنت عن استعدادها لإرسال دبابات آبرامز أم 1 إلى أوكرانيا)  

كان البنتاغون من جانبه قد رفض هذا المقترح بذريعة أن استخدام دبابات «آبرامز أم 1» الأميركية في اوكرانيا سوف يثير تحديات لوجستية مهمة، والسبب الأول في ذلك هو ان هذه الدبابات بوجه عام تعمل بوقود الطائرات بدلاً من الديزل، وأن دبابات «ليوبارد 2»، التي تعمل بالديزل، أنسب من ناحية منطقيَّة.

فيما يأتي مقارنة لأهم الخصائص الفنية بين الدبابتين القتاليتين الرئيستين «ليوبارد 2» الألمانية و»آبرامز أم 1» الأميركية اللتين يتركز عليهما الجدل في رامشتاين.


من الناحية التاريخية

ظهرت الدبابة الألمانية «ليوبارد 2» لأول مرة في العام 1979، أي قبل الدبابة «آبرامز أم 1» بعام واحد. منذ ذلك التاريخ تم صنع ما يقرب من 3600 دبابة من هذا الطراز بأنواعه المختلفة وقد شاركت في العمليات الحربية في افغانستان وسوريا. تصنع دبابة «ليوبارد 2» بموجب ترخيص في ثلاث دول أخرى كما تعمل بشكل أو آخر في 21 دولة. النوع الأكثر شيوعاً من هذه الدبابة هو «ليوبارد 2 أي 4» والنسخة الأحدث منها هي «ليوبارد 2 أي 7 بلاس».

أما «آبرامز أم 1» فقد صنع منها، بأنواعها المختلفة، نحو 10700 دبابة، وقد شاركت في عمليات حرب الخليج والحرب الافغانية وحرب العراق وفي الحرب الأهلية اليمنية ومسارح عمليات أخرى. هناك تسع دول تستخدم الدبابة «آبرامز أي1» في الوقت الحاضر وأكثر نسخها تطوراً هي «أم 1 أي 2 أس إي بي» التي تستخدمها القوات الأميركية.

وضعت تصميم الدبابة «ليوبارد 2» شركة «كراوس - مافّي» وانتجتها شركة «راينميتال» وصنعت محركها شركة «أم تي يو فرايدريخشافن». أما الدبابة «آبرامز أم 1» فقد انتجت لأول مرة من قبل «كرايسلر دفينس» التي اصبحت فيما بعد تابعة لشركة «جنرال داينامكس لاند سستمز».


القدرات الحركيَّة

الدبابة «ليوبارد 2 أي 4»، التي يرجح ان تكون النوع الذي سيرسل الى اوكرانيا، لها سرعة أماميَّة قصوى تقارب 68 كيلومتراً في الساعة، وسرعة خلفية تقارب 31 كيلومتراً في الساعة وهي تزن نحو 52 طناً حين تكون فارغة و55 طناً بكامل معدات المعركة.

تبلغ قدرة محرك الدبابة «ليوبارد 2 أي 4» 1500 حصان وهو محرك ديزل ذو 12 اسطوانة تعمل بنظام «توربو تشارج» المزدوج سعته 1,160 لتر، وهذا يوفر للدبابة متوسط مدى مقداره 280 كيلومتراً قبل الحاجة الى إعادة التعبئة (نحو 338 كيلومتراً على الطرق المعبدة و220 كيلومتراً في البراري المفتوحة).

أما الدبابة «آبرامز أم 1 أي 2 أس إي بي»  فلها سرعة أمامية قصوى تبلغ 67 كيلومتراً في الساعة تقريباً وسرعة خلفية تصل الى 40 كيلومتراً في الساعة. وتتراوح أوزان الانواع المختلفة من هذه الدبابة بين 69,5  و 73,6 طناً. 

تستخدم دبابة «آبرامز أم 1 أي 2 أس إي بي» محرك بنزين توربيني متعدد الوقود قدرته 1500 حصان ومن المعتاد أن تعبئه القوات الأميركية باستخدام وقود الطائرات. يبلغ المدى الاقصى للدبابة تقديرياً نحو 424 كيلومتراً. وبالنسبة للركاب، فلكلتا الدبابتين طاقم من اربعة افراد هم آمر الدبابة والرامي وملقّم المدفع والسائق. 


الحماية

يوفر الحماية للدبابة «ليوبارد 2 أي 4» خليط من معدني الفولاذ والتنغستن ودرع معياري مركب (الدرع المعياري المركب هو درع من الجيل الرابع يستخدم تقنيات النانو سيراميك وسبائك الفولاذ الحديثة، ومن الممكن دمج وحداته لإنشاء حماية شاملة- المترجم). أما الأنواع الأحدث من هذه الدبابة فلها درعٌ واقٍ آخر مصنوع من التيتانيوم والتنغستن يضاف الى منطقة البرج الى جانب حماية مضافة للبطن السفلي. بالإمكان أيضاً اتخاذ إجراءات حماية بوسائل تفاعلية أخرى.

أما الدبابة «آبرامز أم 1 أي 2 أس إي بي» فتزود باليورانيوم المنضب محشوراً في منطقتي البدن والبرج إلى جانب درع من نوع «شوبام» المحسن (درع شوبام يتألف من السيراميك المغطى بسبيكة معدنية من الفولاذ والتيتانيوم وهو يوفر حماية أكبر للدبابات ازاء القذائف الخارقة للدروع – المترجم) مع رفع سمك تدريع البرج. من الممكن أيضاً تركيب درع «سلات» الشرائحي أو درع انفجاري تفاعلي وغير ذلك من انظمة الحماية الفعالة.

يعد السمك الدقيق لدرع الدبابة من بين الأسرار المتحفظ عليها نظراً لقيمة هذه المعلومات بالنسبة لقوات العدو.

أثبتت كلتا الدبابتين متانتهما وقدرتهما على الثبات في أرض المعركة. فدبابة «ليوبارد 2» كانت مثار إعجاب بقدرتها على النجاة من الهجمات بالقذائف المضادة للدبابات والعبوات الناسفة محلية الصنع في افغانستان، ولو أن القوات المسلحة التركية فقدت عدداً منها بفعل الأسلحة المضادة للدروع والقنابل المزروعة على جوانب الطرقات اثناء العمليات في سوريا.

لم يحدث ان وقعت خسائر بنيران معادية في دبابات آبرامز التي تستعملها القوات الأميركية، ولكن البعض منها كان يذهب ضحية نيران صديقة أو يدمر على ايدي قوات صديقة لمنع وقوعها في يد العدو. بعض النسخ الاقل تعقيداً من هذه الدبابة تعرضت للتدمير اثناء استخدامها من قبل الجيشين العراقي والسعودي.


القدرات الناريَّة

دبابة «ليوبارد 2 أي 4» مسلحة بمدفع «راينميتال» من عيار 120 ملم ذي الماسورة الملساء الى جانب مدفعين رشاشين من عيار 7,62 ملم أحدهما مثبت بالقرب من كوّة السائق والثاني الى يسار المدفع الرئيسي. المدى الفعال لمدفع الدبابة يصل الى نحو خمسة كيلومترات، وبالامكان زيادة هذا المدى الى اكثر من 10 كيلومترات باستخدام انظمة السيطرة النارية الحديثة وذخائر متخصصة. تحمل الدبابة 42 قذيفة من عيار 120 ملم و 4750 اطلاقة من عيار 7,62 ملم حين تكون بحمولة كاملة.

اما دبابة «آبرامز أم 1 أي 2 أس إي بي» فهي مسلحة بمدفع «أم 256 أي 1» عيار 120 ملم ذو الماسورة الملساء مع ثلاثة مدافع رشاشة، الأول مدفع رشاش ثقيل من عيار 12,7 ملم مزود بـ 900 اطلاقة ومدفعين رشاشين من عيار 7,62 ملم مع 10400 اطلاقة. تستوعب الدبابة بحمولتها الكاملة 40 قذيفة من عيار 120 ملم، والمدى الفعال لمدفعها عيار 120 ملم يزيد على أربعة كيلومترات.