بغداد: حيدر فليح الربيعي
وسعت الحكومة بشكل لافت، حجم التدابير التي من شأنها كبح جماح الدولار، والتقليل من حجم التضخم الذي اجتاح الأسواق جراء ارتفاع سعر الصرف، وما نجم عنه من موجات غلاء أثرت بشكل واضح في محدودي الدخل، وأدت إلى "قضم" جزء كبير من مدخولات العاملين في القطاعين العام والخاص
فبينما "لوحت" الحكومة إلى إمكانية دخولها "كتاجر جملة" في السوق المحلية بهدف السيطرة على الأسعار، يرى مختصون، أن الدينار يمكن ان يواصل "نزيفه" ما لم تتخذ السلطة النقدية تدابير صارمة لتقويض عمليات ارتفاع الدولار.
كما اقترح المختصون، جملة حلول لمواجهة آثار التضخم المرتفعة في البلاد، وتوقعوا استمرار ارتفاعه في الفترات المقبلة نتيجة زيادة سعر صرف الدولار، الذي بلغ صباح أمس السبت "162 ألف دينار لكل 100 دولار"، مشددين على ضرورة التوسع في السياسة المالية من خلال الإنفاق على البنى التحتية الاستثمارية، والعمل على جذب الشركات العالمية وإجراء ثورة إصلاحية في المجالات الصناعية والزراعية والسياحية.
ونقلت "الصباح" في الأسبوع الماضي، مقترحاً للأكاديمي والخبير الاقتصادي، الدكتور ستار البياتي، دعا خلاله الى ضرورة، أن "تدخل الحكومة بقوة في النشاط الاقتصادي، وأن تتولى القيام بنسبة من الاستيرادات لخلق نوع من التنافس الذي سينعكس إيجابا على الاسعار والمواطن، وألا تترك ذلك الأمر كاملاً للقطاع الخاص" وهو المقترح الذي أيده أمس السبت المستشار المالي لرئيس الوزراء، الدكتور مظهر محمد صالح، حينما أشار بالقول: "نجد أن تدخل الدولة في حقل تجارة الاستيراد حلاً وطنياً شاملاً لتوفير الاستقرار السعري".
وأضاف صالح "طالما أن التجارة الحكومية هي ذات حوكمة عالية وخارج هذا القيد بكونها تعتمد آليات الاعتمادات المستندية وهي القاعدة التقليدية لتمويل التجارة، وحتى تستطيع السوق التجارية إعادة تنظيم نفسها وتعاقداتها ومشترياتها الخارجية، وبغية احتواء التقلبات في سعر الصرف في نطاق ضيق، نقترح أن تتوسع التجارة الخارجية الحكومية (كتاجر جملة) حالياً لرفد السوق بأهم السلع ذات المساس الواسع بحياة الناس والتي تتدفق على وفق سعر الصرف الرسمي الثابت 1460 ديناراً للدولار".
وتابع المستشار المالي لرئيس الوزراء "نجد في تدخل الدولة في حقل تجارة الاستيراد حلاً وطنياً شاملاً لتوفير الاستقرار السعري وتوفير أجواء من المنافسة المضادة (للكارتلات) المحتكرة للتجارة والتي تطلق إشارات سالبة صوب استقرار سعر صرف الدينار العراقي".
وعلى الرغم من التأثيرات السلبية العديدة التي خلفها انخفاض قيمة الدينار في الواقع الاقتصادي، بيد ان الباحث في الشأن الاقتصادي العراقي والدولي، الدكتور علي دعدوش، يرى خلال حديثه لـ"الصباح" أن الخطر الأكبر لاختلال سعر الصرف، يكمن في اتساع فجوة التضخم، وما يمكن ان تخلفه من آثار اقتصادية وخيمة على المجتمع، منتقداً في الوقت ذاته، إجراءات المركزي في السيطرة على أزمة ارتفاع الدولار، والتي يرى أنها لم تكن ذات تأثير في السوق الموازية بدليل استمرار تصاعد الأزمة الراهنة والارتفاعات المتوالية في سعر صرف الدولار.
وأوضح دعدوش، أن عدم "تحقيق (الاستقرار في سعر الصرف) يأتي نتيجة لجوء المركزي الى زيادة مبيعات دولار النقدي cash money، في حين ان الاشكالية هي في دولار الحوالات ( الاستيرادات ) ، وعملية التحول الى المنصة الالكترونية الجديدة وفقاً لشروطها المعلنة للمصارف الخاصة".
ويرجح الباحث دعدوش، استمرار ارتفاع معدلات التضخم خلال الفترات المقبلة، مبينا ان الفرق ما بين السعر الرسمي الذي يحدده البنك المركزي والسعر في السوق الموازية بلغ نحو (18-20) ألف دينار وهذا الأمر أثر بشكل مباشر في ارتفاع أسعار السلع والبضائع في الاسواق حيث أغلبها ان لم تكن جميعها مستوردة بالدولار، وبالتالي سينعكس هذا الأمر بصورة طبيعية على مرتبات الموظفين والتي "انخفضت باعتقادي بنحو 12% " على حد قول المتحدث.
وحث دعدوش، على ضرورة، أن يحفز البنك المركزي، المصارف الخاصة لدخول النافذة وشراء دولار الحوالات وفقاً لشروط وبنود المنصة الالكترونية الجديدة والتعامل بواقعية أكثر في عمليات الاستيراد من حيث المبلغ والكمية والنوعية وصولاً الى المصدر الأساسي للبضاعة أو السلعة، والجلوس والتفاهم مع مؤسسات الامتثال الخارجية.
وانسجاماً مع الحلول المقترحة لمواجهة أزمة سعر الصرف، شدد عضو جمعية الاقتصاديين العراقيين، الباحث مقدام الشيباني، خلال حديثه لـ"الصباح" على ضرورة أن "تحقق الحكومة أعلى درجات الفائدة من الفوائض المالية الناتجة عن ارتفاع أسعار النفط، وما نجم عنها من زيادة كبيرة في العائدات العراقية، مع التركيز على التوسع في السياسة المالية عبر الانفاق على البنى التحتية الاستثمارية من الطرق والجسور والكهرباء والتي هي العمود الفقري لعلمية التنمية الاقتصادية".
وشدد الباحث الشيباني، على ضرورة "تعزيز التنافسية العالمية لبيئة الاستثمار لجذب رأس المال الأجنبي وكذلك التركيز على معالجة المشكلات التي يعاني منها القطاع الزراعي مثل ملوحة الأراضي وتلوث المياه وشحها وتغيير المناخ ونفاد الأسمدة وإصلاح أكبر قدر ممكن من الأراضي الزراعية، داعياً في الوقت ذاته، الى التركيز على الصناعات النفطية من خلال إنشاء مصاف لسد حاجة السوق العراقية والتصدير إضافة لتصدير النفط الخام وإنشاء مصانع للبتروكيمياويات بالتعاون مع القطاع الخاص.