المدرسة الفكريَّة للسيد الصدر في أفق الدراسات المقارنة

العراق 2019/04/08
...

جواد علي كسّار
أشرنا غير مرة إلى ضرورة أن يتوفّر الفكر الإسلامي على ممارسة دراسات مقارنة بين الأفكار والرموز والتيارات التي تتعايش في داخل مساحته، ومع الذكرى السنويَّة لاستشهاد الفقيه والمفكّر الإسلامي السيد محمد باقر الصدر (نيسان 1980م) تكون الحاجة ماسَّة لممارسة هذا اللون من الدراسة الفكريّة؛ لما فيها من فوائد جمّة تعود بالنفع على المحصلة الأخيرة لمسار هذا الفكر.
بديهي أنَّ الدراسة المقارنة لو أُنجزت بجديَّة ستقودنا خطوة إلى الأمام نحو ممارسة النقد الذي يعدُّ اليوم حاجة ماسَّة لواقع الفكر الإسلامي، وإذا أخذنا الدراسة المقارنة من جهة كونها ضرب الرأي بالرأي، فإنّها ستولد لنا الصواب أو تقرّبنا منه، وتحقّق لنا وضوحاً أشدّ، ورؤية أوفر نقاءً وأشدّ تماسكاً من غيرها.
من معطيات الدراسات المقارنة داخل المدرسة الإسلامية، هو ما توفره لنا من حوافز لمعاينة الواقع الإسلامي على نحو أفضل، إذ تجعلنا نتحسّس ولو بقدر، حاجات هذا الواقع ونقاط الفراغ فيه، وهي ما زالت كثيرة، تستدعي الملء دون تأخير. ثمَّ هناك التفاعل والخصوبة، وقدرتهما على إمداد مسارنا الفكري بثراء يسوق إلى التكامل، عبر الرؤى المقارنة وما تستبطنه من نقدٍ إيجابي.
مع السيد الصدر الذي يمثّل عنواناً عريضاً وكبيراً، قد يغلب على مرحلة كاملة وربما يتجاوزها، تأتي نتائج الدراسات المقارنة أوفر عطاءً. ما نراه أن الفكر الإسلامي سجّل تخلّفاً كبيراً في هذا الحقل من الممارسة الفكرية، رغم أنَّ العطاء الفكري للسيد الصدر يُهيّئ أرضية ممتازة لممارسة هذا الضرب من ضروب الفكر، إذ لم نلمس خلال أربعة عقود مرّت على استشهاده، سوى لمحات خاطفة ومحاولات محدودة، تمثّلت في دراسات قليلة أطلت على الساحة الفكرية في مدد زمنية متفاوتة.
 
معطيات المقارنة
بديهي أنّ الدخول في لجّة الدراسات المقارنة يحتاج إلى مقتضيات وشروط، وإذا أردنا أن نجعل المدرسة الفكرية للشهيد الصدر مداراً ومنطلقاً، فإنّ تنشيط هذا المدار، يحتاج بين أبرز ما يحتاج إليه إلى:
أولاً:  إحاطة كافية بالمدرسة الفكريَّة للصدر، واستيعاب عطاءاته في مختلف ضروب المعرفة الإسلامية.
ثانياً:  استيعاب الزمن الثقافي الذي مارس فيه الصدر نشاطه الفكري، والتوفّر على متابعة دقيقة لرموز تلك المرحلة وتياراتها، فالعقدان اللذان قدّم خلالهما الشهيد الصدر أوجّ عطاءاته الفكرية، شهدا أيضاً بروز أسماء لامعة في الساحة الفكرية، منها في الساحة الإيرانية كمثال السيد محمد حسين الطباطبائي (ت :((1981 والشيخ مرتضى مطهري(ت  1979م):، وثمّ الكثير من الأسماء والتيارات التي أسهمت في إغناء حركة الفكر الإسلامي خلال هذين العقدين، بحيث لا يزال زخم ذلك العطاء لم يُستنفد في بعض عناصره حتى اللحظة، وما هو مطلوب استيعاب كلّ ذلك تفصيلاً.
ثالثاً:  دراية بالواقع الحاضر، ذلك أن من يأخذ على عاتقه ممارسة الدراسة المقارنة إنما ينطلق من حاجات واقعه الحاضر، هادفاً إلى تفحّص حاجاته وإغناء مساحات الفراغ فيه، وسدّها عبر تفاعل الآراء وتكامل العطاء الفكري. وبطبيعة الحال يُعيننا البحث المقارن، لنصل إلى تقدير أدقّ لما ينبغي أن يستأنف العمل به، وما ينبغي أن نواصله، وما يجب أن نؤسّس له من جديد، لأن من طبيعة المقارنة أنّها تضع أيدينا على ما نملك من أرصدة، فلا نبذل جهوداً جديدة في مجال طرقته أقلام كفوءة في ما سبق، إنما نتجه لملء مساحات الفراغ وسدّ الثغرات وإكمال النواقص. أخيراً، توفر الدراسات المقارنة زخماً فاعلاً لدفع مسار الفكر الإسلامي قدماً، بحيث لا يقف عند اسم معين، مهما كان تأثيره عميقاً ونافذاً، بل يندفع المسار من خلال الديمومة والاستمرار.
 
مجالات مقترحة
قد يتساءل البعض عن المجالات التي يمكن أن يطرحها البحث المقارن، وطبيعة نقاط الاشتراك بين المدرسة الفكرية للسيد الصدر والاتجاهات والمدارس والرموز الأخرى. ما نراه أن بمقدور الباحثين أن يقترحوا مجالات عمل واسعة على هذا الصعيد.  وما نقدمه في هذا المقال هي مدارات وجيزة مقترحة، قابلة للبحث والنقاش، بما يعزّز متانتها ويقود إلى نضجها، مشيرين في الوقت نفسه إلى بعض الدراسات التي أنجزت حول بعضها، مما قدر لنا الوقوف عليه.
وفي هذا المجال يمكن ملاحظة العناوين الآتية:
 
نظرية الثابت والمتغيّر
يمكن للبحث المقارن أن يتقصّى هذه النظرية بين استعمال الصدر لها في المجال الفقهي، واستعمال الآخرين لها في المجال نفسه. وقد تكون أغنى دراسة في هذا السياق هي تلك التي تتوفر على الإحاطة بين رؤيتي محمد باقر الصدر 
ومحمد حسين الطباطبائي والمقارنة بينهما، لأنّ الطباطبائي صاحب “تفسير الميزان” يُعدُّ أقدم من طرق الموضوع خلال العقود الأخيرة، وقد تناوله في أكثر من بحث وكتاب باللغتين العربية والفارسية.
وكامتداد لمدرسة السيد الطباطبائي يمكن أن نتحدّث عن رؤية الشيخ مرتضى مطهّري عن الفكرة ذاتها.  ثمّ يمكن إغناء البحث بعد ذلك بإدخال رؤية السيد الخميني (ت 1989 م) :إلى حيّز الدراسة، وجملة الآراء الجديدة التي دخلت حيّز الفكر الإسلامي، بعد أن مارس الإسلاميون تجربة التطبيق في مدار الدولة، وانطلق الحديث مكثفاً عن رعاية عنصري الزمان والمكان في عملية الاستنباط.  وما لاحظته من خلال دراسة تمهيدية عن الفكرة، التقاء كبير بين الصدر والطباطبائي في المحاور الأساسية لفكرة الثابت والمتغيّر في دائرة الأحكام الشرعية، فكلاهما يذهب إجمالاً إلى أن الأحكام الشرعية الثابتة والناجزة، هي أحكام الشريعة وحدها.  وحين نقول إن الإسلام جاء بأحكام كاملة وثابتة، فالمقصود من ذلك أحكام الشريعة، لكن إلى جوار ذلك ثمّة أحكام متغيرة يختلف الصدر والطباطبائي جزئياً في التنظير لها، على مستوى الملاك والممارسة وحدود الممارسة، بخاصة في نطاق فرضية “منطقة الفراغ” التي اشتهرت في تنظيرات الصدر.
لا أظنّ أن هناك من يختلف معنا على أهمية هذا الموضوع في مثل الظرف الحاضر الذي تمرّ به التجربة الإسلامية، وأوضاع المسلمين في العالم.  فلو شئنا أن ننظر إلى المسألة من جهة معينة، لوجدنا أن التيار العلماني دفع الكثير من شبهاته وصاغ الواسع من أفكاره خلال القرن الماضي، عبر مسألة الثابت والمتغير وتوالداتها، حتى حوّلها إلى إشكالية نظرية سجاليّة لا يكاد ينتهي الحديث عنها.
ولو أردنا أن نعطي لمحات سريعة لتاريخية طرح التيار العلماني لها خلال العقود الأخيرة، لوجدنا أن أفضل من قدمها في صياغة نظرية متماسكة هو د.محمد النويهي ( 1917 ـ  1980م) في سلسلة مقالات نشرها مطلع السبعينيات في مجلة الآداب، جمعت بعدئذ وصدرت بكتاب مرجع يحمل عنوان”نحو ثورة في الفكر الديني”. والملاحظ أن محمد النويهي ألهمَ الكثير من بعده، وتحوّل كتابه إلى مرجعية يستمدُّ منها الرموز الآخرون في التيار العلماني العربي، مرافعاتهم في هذه الإشكالية.
أما إذا أردنا أن ننظر إلى المسألة من زاوية تطبيقية ترتبط بالتجربة العملية الحاضرة في الجمهورية الإسلامية، فسنجد أن الدراسة المقارنة في هذا المجال تحمل فوائد كثيرة، بخاصة إذا أخذ الدارس آراء السيد الخميني ورؤاه عن الأحكام الأولية والأحكام الثانوية، صلاحيات الفقيه الولي، مجلس تشخيص المصلحة، والآراء الأخرى التي أفرزتها الممارسة على هذا الصعيد، ولاسيما إقحام المكان والزمان وملاحظة دورهما في الاستنباط الفقهي.
 
نقد منهج الفقه الفردي
اهتمّت مدرسة الصدر بنقد منهج الفقه الفردي، ودعت إلى إنشاء ممارسة فقهيّة تندكُّ بالواقع وتتماسّ مع قضايا المسلمين ومشكلاتهم الحاضرة. وقد ألهمت مدرسة الصدر الكثير من الباحثين المهتمين بالموضوع، بحيث تحوّلت أفكار الصدر النقدية إلى رقم له حضوره الثابت، في دراسات هذا الحقل.  وقد كان شيئاً لافتاً للنظر أن يتوفر ناقد إيراني أصدر للتوِّ كتاباً نقدياً للفكر الديني، على أن يجعل فكر الصدر أساساً لنقده لمنهج الفقه الفردي، من بين مناهج نقديّة أخرى، رغم أن هذا الناقد يصنّف في خانة الاتجاه العلماني داخل بلده.
أما حيّز الدراسة المقارنة فيمكن أن يتمّ بين السيد الصدر والشيخ مطهري والسيد الخميني.  كذلك يمكن أن تدخل في حيّز الدراسة بعض اللمحات والرؤى النقدية للشيخ محمد جواد مغنية المتوفى سنة   1979م. لكن بمقدور الباحث أن يعطي دراسته خصوبة نظرية كبيرة، إذا أخذ بنظر الاعتبار الرؤى النقدية التي أفرزتها الساحة الإيرانية لمنهج الفقه الفردي، إذ حفلت هذه الساحة بدراسات واسعة على هذا الصعيد، بعد انتصار الثورة الإسلامية وعلى أثرها.  من الطبيعي أن تعود نتائج هذه الدراسة بفوائد نظرية ومعطيات عملية مهمة، تُسهم في حلِّ بعض إشكالات الواقع الإسلامي الحاضر، وهو يواجه مسألة تفقيه الحياة بكلّ سعتها وشمولها، ومع كلّ التعقيد الذي تنطوي عليه، من منظور منهجيات الإسلام السياسي ودعاة الدولة الإسلامية.
 
التجديد في النبوّة
من البحوث النظرية التي بلورها الفكر الإسلامي في العقود السابقة وكان للصدر فيها مساهمة؛ تقديم صياغات تنظيرية لتفسير ظاهرة التغيّر والتجديد في النبوّة. في دراسة تمهيدية مقارنة عن الموضوع، لاحظت أن أربعة من كبار رموز الفكر الإسلامي الحديث والمعاصر، تناولوا الفكرة، إذ توفر عليها العلامة اللاهوري محمد إقبال (ت 1938 م) في بحث من بحوث كتابه “تجديد الفكر الديني”، وكذلك مرّ عليها علّامة إيران محمد حسين الطباطبائي في بحث مستقلّ، ثمّ فصّل بها الشيخ مرتضى مطهري في كتاب مستقل أيضاً، أما علّامة العراق محمد باقر الصدر فقد كان تناولها في بحث قائم بذاته.
الدراسة المقارنة بين إقبال والطباطبائي والصدر ومطهري، تبعث على خصوبة عالية، وتكشف للباحث نتائج مهمة على صعيد تطوّر الفكر الإسلامي وتداوم أشواطه وتكاملها، ومدى تأثر حلقات هذا الفكر بعضها ببعض.
 
منهج التفسير الموضوعي
من المعطيات التي يقف عليها الدارس لمدرسة الصدر الفكرية، هي ارتباط اسمه بمنهج التفسير الموضوعي.  صحيح أن فكرة هذا المنهج موجودة قبل هذا التاريخ بكثير، إذ خبرتها الدراسات الأوربية الحديثة ونظّرت لها منهجياً، كما عرفتها الدراسات الإسلامية العامة أيضاً.  بيد أن المهمّ هي الصياغة التي قدمها السيد الصدر والأمثلة التطبيقية التي ساقها على هذا الصعيد.
ففي مجال الدراسات القرآنية تحديداً، سبق للشيخ جعفر سبحاني من إيران، الدعوة إلى اعتماد هذا المنهج وممارسته في تفسير القرآن، ثمّ أصدر كتباً عديدة تحت هذا العنوان. أما الشيخ ناصر مكارم شيرازي فقد تجاوز الدعوة إلى المنهج، ومارسه بالفعل عبر تفسيره الموضوعي، وكذلك فعل شيخ جوادي آملي، والشيخ عاطف سميح الزين من لبنان، وغيرهم كثير.  ما هو مطلوب أن يتوفر الدارس على بحث تحليلي مقارن بين منهج الصدر 
والمناهج الأخرى، لكي تنضج أكثر الممارسة القرآنية في هذا الحقل، وحتى يتمّ الانصراف إلى المنهج الأجدى الذي يتصل بواقع المسلمين أكثر من سواه.  وإلّا فالدعوة إلى المنهج الموضوعي لتفسير كتاب الله، ليست ضرباً من الترف النظري أو المنهجي، بل تمليها حاجة ماسَّة، المطلوب أن تنكشف من بين المناهج المطروحة أكثرها نفعاً وجدوى.
كإشارة لا بدَّ منها، فقد حظي منهج الصدر في التفسير الموضوعي، بعناية دارسين بارزين في العالم العربي، اهتموا بالمنهج الموضوعي، إذ لم تشذ عن الإشارة إليه والتبجيل به سوى كُتب قليلة، أما الأغلبية فقد تناولته بالثناء والتبجيل والتحليل، وكمثال كان من بين من سجل إشارات مهمة إلى الصدر، كتاب سامر عبد الرحمن رشواني، المعنون: “منهج التفسير الموضوعي للقرآن الكريم”.
 
الفقه السياسي
في الواقع هناك لمحات من الفقه السياسي أنتجه الشهيد الصدر قبل رسائله الأخيرة، حول فقه الدولة الإسلامية التي طُبعت، بعنوان: “الإسلام يقود الحياة”. ما يبدو من بعض اللمحات والدراسات المقارنة كتلك التي أنجزها السيد محمد باقر الحكيم (ت : 2003م) في كتابه الأهم عن النظام السياسي، المعنون: “الحكم الإسلامي بين النظرية والتطبيق”، إن فكر الصدر شهد تحوّلاً أو تطوّراً في الفقه السياسي، حتى استقرّ أخيراً عند الآراء التي يمكن استخلاصها من رسائله الأخيرة التي سبقت استشهاده.
في كلّ الأحوال، فإنّ حيّز الدراسة المقارنة يمكن أن يشمل مقارنة بين أفكار الصدر والطباطبائي والخميني، ثمّ يتحوّل البحث المقارن إلى منعطف أعمق إذا قدّر له أن ينجز دراسته من جهة، على أرضية الاتجاهات الجديدة التي برزت ونمت في الساحة الإيرانية غداة انتصار الثورة الإسلامية، ومن جهة أخرى حين يأخذ بنظر الاعتبار الاتجاهات الواسعة التي برزت في العالم العربي، على صعيد الفقه السياسي والأطر الفكرية المترتبة عليه، كما هو الحال مثلاً في أطروحة الشيخ محمد مهدي شمس الدين (ت : 2001م) في الدعوة لولاية الأمة على نفسها، والأطروحة التي بشّر بها السيد محمد حسين فضل الله (ت : 2010م).
على صعيد هذا الحقل المقارن وفي أفقه، يمكن أن نشير إلى دراسة السيد محمد باقر الحكيم في كتابه: “الحكم الإسلامي بين النظرية والتطبيق”، كما لاحظت أن الشيخ عميد زنجاني (من إيران) يذكر آراء الصدر في موسوعته عن “الفقه السياسي” التي تقع في أربعة مجلدات ضخام، وثمّ دراسة صدرت عن فقه الدولة الإسلامية في الفكر الشيعي المعاصر، أخصّ منها دراسة الشيخ محسن كديور عن “نظريات الدولة في الفقه الشيعي المعاصر” (بالفارسية) اعتمد فيها الباحث آراء الصدر كأحد أركان دراسته.
 
المجتمع والتاريخ
هذا حقل ثريّ يقود في حال التوفر على إنجازه، إلى نتائج خصبة. فالفكر الإسلامي طرق موضوع المجتمع والتاريخ كثيراً، وحاول أن يقدّم صياغته لعناصر الرؤية الإسلامية على هذا الصعيد.
على سبيل المثال، للسيد الطباطبائي رؤية في الموضوع، وللشيخ مطهري دراسات منوّعة عنه امتدّت على أكثر من كتاب، كما صدرت دراسة واسعة للشيخ محمد تقي مصباح اليزدي، وكتاب للدكتور محمود بستاني، وسلسلة كتب للدكتور زهير الأعرجي، ومن ثمّ بمقدور البحث المقارن أن ينطلق من أرضية صلبة، تُهيّئ له الوصول إلى نتائج مكثّفة على هذا الصعيد.
شيء جميل أن نجد في القريب العاجل مبادرة تتحرّك بمنهج البحث المقارن لدراسة رؤية الفكر الإسلامي للمجتمع والتاريخ من خلال الأسماء المشار إليها، وأسماء أُخر أيضاً أسهمت في إثراء الفكر الإسلامي منها الباحث العراقي عماد الدين خليل، الذي قدّم باكراً رؤيته عن فلسفة التاريخ عبر كتابه المعروف “التفسير الإسلامي للتاريخ”، والأسبق والأهم من هؤلاء جميعاً عبد الحميد صديقي في كتابه الرائد الذي صدر بالانكليزية سنة  1955م، تحت عنوان: “تفسير التأريخ”.
بديهي أن المنهج السُّنّني الذي تحدّث عنه الصدر وصاغ قواعده، يدخل هو الآخر في مجال هذه الدراسة، بل يمكن مدَّ حقل المقارنة كي تشمل على مساهمات ثريّة أخرى شاركت بجد في إثراء المنهج السنني، خاصة وإن حقل الدراسات الإسلامية يبدو أنّه حقّق تقدّماً ملموساً على هذا الصعيد.
 
الحقل الفلسفي
لا يمكن أن ننجرَّ إلى نظرة ساذجة تُصادر بعض جوانب الفكر الإسلامي بهذه الحجة أو تلك، كما يفعل البعض مع الفلسفة. فالفلسفة والبحث العقلي إجمالاً يبقى في نهاية المطاف، أحد معطيات الحياة الإسلامية حاضراً وعلى مرّ التاريخ أيضاً، إذ لم تستطيع جميع الهجمات المضادّة أن تقضي على العطاء الفلسفي والبحث العقلي عموماً في المجال الإسلامي.
المدرسة الفكريَّة للسيد الصدر لها مساهماتها على هذا الصعيد، بحيث يمكن إنجاز دراسات مقارنة مكثفة بين الصدر والطباطبائي ومطهري، كما بينه وبين آخرين، لاسيما على صعيد نظرية المعرفة وفلسفة الوجود.
الباحث الإيراني د.عبد الكريم سروش أنجز دراسة نقدية لكتاب السيد الصدر”الأسس المنطقيّة للاستقراء” وأثار في الساحة سجالاً، لم يتطوّر رغم تدخل السيد عمار أبو رغيف وردّه على سروش بكتاب مستقل.
هناك أيضاً بحث توفّر على دراسة مقارنة لنظرية المعرفة بين الصدر ومطهري أنجزه السيد عمار أبو رغيف.
وبالإمكان تنشيط الدراسة المقارنة على هذا الصعيد كي تشمل دائرة أوسع من معطيات البحث العقلي فلسفياً وكلامياً وأصولياً في مدرسة الصدر، من زاوية انتمائه منهجياً إلى المشائية الأرسطية، مع خيوطٍ مائلة إلى مدرسة الحكمة المتعالية في بعض مواقفها الفلسفية، كما في تفسيرها لحاجة المعلول إلى العلّة، وأيضاً من زاوية انتمائه مكانياً إلى حاضرة النجف الأشرف، وما تحمله من خصائص التميّز المعرفي، على غيرها من حواضر العلم الديني.
 
البحث العقائدي
يمثل الموضوع العقائدي الآن شاغلاً مباشراً للساحة الإسلامية على أكثر من صعيد، انطلاقاً من زوايا متعدّدة، لا مجال لتعدادها والخوض بها الآن.  لكن علينا أن ننتبه بل نعترف أن الموضوع العقدي يمثّل اليوم وفي السابق أيضاً، فرصة لنفوذ بعض الأفكار المنحرفة والمناهج الخاطئة، والمطلوب تحصين المسلمين ببيان العقيدة السليمة، وقبل ذلك صياغة المنهج المعرفي الصحيح. للسيد الصدر مساهمة على صعيد منهج البحث العقائدي، وعلى صعيد ممارسة هذا المنهج من خلال بعض بحوثه العقيدية القصيرة.  وهذا المنهج يمكن أن يدخل في دراسة مقارنة لشخصيات لها موقع في الإنتاج العقدي، مثل السيد الطباطبائي والشيخ مطهري، كما يمكن أن يعود البحث التحليلي المقارن إلى طبيعة نظرة كلّ واحد من هؤلاء، والقيمة المعرفية التي يمنحها للمنهج الفلسفي والكلامي والنصوصي والاستقرائي، وربما استطعنا أن ندخل المنهج الاجتماعي الذي نجد له لمحات في فكر الصدر. هذه الدراسة لها مدخلية أيضاً بمقولة الكلام القديم والجديد، وما تذهب إليه اتجاهات فكرية معاصرة من ضرورة إنشاء علم كلام جديد، بل ثمّ من ذهب من الباحثين، إلى أن الكلام الجديد أُنشئ فعلاً، ولو لم يُنظّر له تحت هذا العنوان، مع انبثاق الأعمال الفكرية للطباطبائي والصدر ومطهري، كما يسجّل ذلك الباحث الإيراني بهاء الدين خرمشاهي. في كلّ الأحوال، يمكن للبحث المقارن أن يصل إلى جهات اختلاف واتفاق، 
تعود جميعاً بالنفع، على حاجاتنا الحاضرة لصياغة منهج سليم في البحث 
العقائدي، وكتابة عقيدة واضحة تبعث على حصانة الإنسان المسلم فكرياً ونفسياً، وتلهم الأمة العمل الفاعل المثابر بأحكام الإسلام.
أخيراً، هناك مجال الدراسة المقارنة في الجانب الفقهي والأصولي، الذي يمكن أن يسهم في إغناء الفكر الإسلامي على صعيد ممارسته داخل هذا الحقل من حقول المعرفة.