أوكرانيا تسقط الطائرات المسيّرة الروسيَّة

بانوراما 2023/01/31
...

 ماثيو مبوكي بغ 

 ترجمة: أنيس الصفار                        

الطائرات المسيرة المتفجّرة آلات ثقيلة الحركة ذات ضوضاء؛ لذا من السهل نسبياً إسقاطها من الجو، وخلال عطلة رأس السنة أعلنت اوكرانيا أن قواتها العسكرية قد أسقطت الطائرات الثمانين جميعاً التي أرسلتها روسيا صوبها. قال المتحدث باسم القوة الجوية الأوكرانية: “لم يسبق تحقيق مثل هذه النتائج من قبل”. بيد أن بعض الخبراء العسكريين يتساءلون إن كان بالإمكان المحافظة على هذا المستوى من النجاح.

اختلال ميزان التكاليف

لقد ازدادت أوكرانيا براعة في اسقاط الطائرات المسيرة، ولكن ثمة خللا متزايدا في التوازن لأنَّ كثيراً من الأسلحة الدفاعيّة، مثل صواريخ أرض – جو، تفوق أثمانها كثيراً أثمان الطائرات المسيرة، وهذا الفرق قد يجعل الأمر في صالح موسكو على المدى البعيد، كما يعتقد بعض الخبراء العسكريين.يقدر “آرتيم ستاروسايك” رئيس مؤسسة “مولفار” الاستشارية الأوكرانية المؤيدة للجهد الحربي الأوكراني أن الصاروخ الذي يطلق لإسقاط طائرة مسيرة يمكن ان تصل كلفته الى نحو سبعة اضعاف كلفة اطلاق الطائرة، ويقول بعض المحللين إن هذه المعادلة قد تكون هي العامل الذي يعول عليه الكرملين. وقد حذر الرئيس الأوكراني “فلوديمير زيلنسكي” في خطاب له من ان روسيا “تراهن على انهاك شعبنا ودفاعنا الجوي وقطاع طاقتنا”. على حد تعبيره.

تقول مؤسسة “مولفار” إنها تقدر ما أطلقته روسيا على أوكرانيا منذ شهر أيلول بنحو 600 طائرة مسيرة من دون طيار. هذه الحملة، التي استهدفت البنى التحتية مصحوبة بضربات صاروخية عديدة، أدت الى انقطاع التيار الكهربائي وتوقف التدفئة وامدادات المياه في عموم اوكرانيا مع حلول فصل شتاء المنطقة القاسي الذي بدأ ينشب انيابه، ما ادى الى مضاعفة الشقاء الذي أوقعه الغزو الروسي مع اقتراب الذكرى السنوية الأولى له.

طائرات “شاهد – 136” المسيرة إيرانية الصنع التي تزايد اعتماد موسكو عليها بشكل متصاعد منذ شهر تشرين الأول الماضي آلات قليلة التعقيد نسبياً وهي زهيدة الثمن جداً، في حين ان تشكيلة الاسلحة المصطفة بمواجهتها لاسقاطها يمكن ان تكون أعلى كلفة بكثير، كما يقول الخبراء. كلفة انتاج هذه الطائرات المسيرة ذاتية التدمير يمكن ان تكون واطئة الى حد انها لن تتجاوز 20 ألف دولار للطائرة، بينما تتراوح كلفة اطلاق صاروخ ارض – جو واحد ما بين 140 ألف دولار (لمنظومةS-300  من الحقبة السوفييتية) و500 ألف دولار (لمنظومة NASAMS أميركية الصنع). 

منذ انطلاق الحرب الأوكرانية في شهر شباط استخدم الجانبان المتحاربان الطائرات المسيرة من دون طيار، لا لأغراض الاستطلاع فقط بل لغايات هجومية ايضاً، وهي المرة الأولى التي تستخدم فيها تلك الوسائل بهذه السعة في اية حرب أوروبية. يرى بعض الخبراء العسكريين ان اوكرانيا اليوم تستخدم كساحة اختبار لأرفع ما بلغته الاسلحة وانظمة المعلومات التي يمكن ان تلقي بظلالها على شكل الحروب واساليبها لأجيال مقبلة.

من المعلوم أن القوات الأوكرانية قد تمكنت من تحقيق بعض النجاح في التصدي للطائرات المسيرة باستخدام المدافع المضادة للطائرات أو نيران الأسلحة الصغيرة، ولكن الموقف تغير عندما أخذ الروس يشنون هجماتهم ليلاً. فكييف الان تعتمد بشكل مكثف على الصواريخ التي تطلق بواسطة الطائرات الحربية او من منصات ارضية. يقول المسؤولون إن اوكرانيا قد اعتمدت خلال نهاية الأسبوع الماضي عدة مرات على صواريخ أرض - جو التي تطلقها منظومة NASAMS في صد الطائرات المسيرة.

يقول “مايكل كوفمان” الخبير في الشؤون العسكرية الروسية من معهد “سي أن أي” للأبحاث، إن الأوكرانيين يستعملون أنظمة دفاع جوي من الانواع كافة لمجابهة الخطر، ومن هذه أنظمة صواريخ من الحقبة السوفييتية وأخرى تابعة لحلف الناتو، ولكل من هذه الانظمة لائحة كلفته الخاصة 

به.

بعض المدافع الاوكرانية المضادة للطائرات، مثل نظام “غيربارد 2” المتنقل والموجه بالرادار، ليست مرتفعة الكلفة مقارنة بغيرها من انظمة الدفاع السوفييتية والاوروبية التي يتم نشرها. ولكن بعض الصواريخ الاعتراضية أميركية الصنع غالية جداً مقارنة بقيمة الطائرات المسيرة نفسها.

مع هذا لا يمكن تقييم حكمة اسقاط الطائرات المسيرة بالصواريخ دائماً وفق حساب بسيط مباشر.

هدف مخفي

يقول “جورج باروز” المحلل في معهد دراسات الحرب، ان لديه احساساً بأن اوكرانيا انما تنشر انظمة دفاع جوي متطورة باهظة التكاليف لأجل حماية بنى تحتية حساسة مهمة. فكلفة اسقاط طائرة مسيرة لا يداني تكاليف اصلاح محطة كهرباء مدمرة، كما يقول السيد ستاروسايك ويضيف أن علينا اخذ العامل البشري ايضاً بالحسبان، لأننا هكذا نمكّن الناس من البقاء احياء.

يقول “ماثيو بوليغو” الزميل الاستشاري في برنامج روسيا وأوراسيا بمعهد “جاثام هاوس” ان لدى اوكرانيا حالياً من الاسلحة وذخائر الدفاع الجوي ما يفي بحاجتها لمنازلة خطر الطائرات المسيرة الروسية. 

يضيف بوليغو: “التكاليف لن تعني كثيراً ما دام الغرب مستمراً في تأمين المساعدات العسكرية لأوكرانيا، لكن مشكلة كييف ستبدأ لحظة حدوث عجز في مخزوناتها من الذخائر في سلسلة دفاعاتها الجوية التي تعينها على اسقاط تلك المسيرات”.

عزيمة الحلفاء الغربيين قد ينالها الكلل جراء تكاليف دعمهم للدفاعات الجوية الأوكرانية. وتحت وطأة قلق المسؤولين الأوكرانيين من وقوع هذا المحذور، الذي فاقمه انتقال زعامة مجلس النواب الأميركي الى الجمهوريين، بدأ هؤلاء يطلقون التحذيرات من تغير التكتيكات الروسية.

أعلن البيت الأبيض أن لديه تقارير تفيد بأنَّ الكرملين وطهران يسعيان لإقامة خط مشترك لانتاج الطائرات المسيرة في روسيا، وهذا سيمكن موسكو على المدى البعيد، كما يقول بوليغو، من نشر مزيد من الطائرات المسيرة في هجماتها، الأمر الذي سيلقي جهداً اضافياً على كاهل نظام الدفاع الجوي الأوكراني.

لقد عمدت موسكو الى تغيير أسلوب استخدامها ما في جعبتها من الطائرات المسيرة، اذ صارت القوات الروسية ترسل طائراتها المسيرة المتفجرة ليلاً في طيران منخفض على طول نهر “دنيبرو” وهذا يجعل من الصعب على الأوكرانيين اكتشافها كما صرح “يوري إهنات” المتحدث باسم القوة الجوية الأوكرانية في حديث عبر الاذاعة الأوكرانية.

قال إهنات: “هوائي الرادار المكلف بالتقاط الأهداف لن يتمكن من رؤية الهدف اذا كان يطير دون مستوى الهوائي”. 

عن صحيفة “نيويورك تايمز”