التجربة السياسيَّة التونسيَّة تهدد باِنهيار اقتصادي

بانوراما 2023/02/01
...

 بربارة سورك 

 ترجمة: مي اسماعيل

يبدو الرئيس التونسي “قيس سعيّد” (المتجه نحو السلطوية بشكل متزايد) عازما على قلب النظام السياسي للبلاد. لا تهدد ستراتيجيته ديمقراطية كانت تعد أنموذجية في العالم العربي فحسب؛ بل يرى الخبراء أنها تدفع الاقتصاد التونسي نحو منحدر.

فقد جمّد صندوق النقد الدولي اتفاقا كان يهدف لمساعدة الحكومة للحصول على قروض لدفع رواتب القطاع العام وسد فجوات الميزانية التي تفاقمت بسبب جائحة كورونا وتداعيات حرب أوكرانيا. بدأ المستثمرون الأجانب بالانسحاب من تونس، وباتت وكالات التصنيف في حالة تأهب.. ترتفع معدلات التضخم والبطالة، وأصبح العديد من التونسيين؛ الذين كانوا يوما فخورين بالازدهار النسبي لبلدهم؛ يكافحون الآن لتغطية نفقاتهم. وزادت انتكاسة الانتخابات الأخيرة الطين بلة؛ إذ لم يشارك في كلا الدورين الأول والثاني سوى نحو 11 بالمئة من الناخبين لاختيار برلمان جديد بدلا من الهيئة التشريعيَّة التي حلّها الرئيس قيس سعيّد سابقا. بينما طالبت شخصيات معارضة؛ بمن فيهم أعضاء من حركة النهضة الإسلاميَّة الشعبيَّة والنقابات الرئيس بالتنحي؛ مهددين بالإضراب العام. 

صمم الرئيس سعيّد بنفسه الانتخابات لاستبدال البرلمان وإعادة تشكيله؛ وكان ذلك جزءاً من إصلاحات واسعة تعزز سلطاته، والتي يقول إنها ستحل الأزمات المتعددة في تونس. لكن خيبة أمل الناخبين من الطبقة الحاكمة وسط مشكلات اقتصادية حادة أسهمت في شبه مقاطعة للانتخابات. عبّر حلفاء تونس الغربيون؛ كالولايات المتحدة وفرنسا، عن القلق، وحثوا الرئيس على إقامة حوار سياسي شامل لكي يفيد الاقتصاد الراكد.. كانت تونس مهد انتفاضات الربيع العربي الديمقراطية قبل 12 عاما. رفض الرئيس سعيّد الانتقادات تجاه نسبة التصويت المنخفضة؛ قائلاً إن ما يهم حقا هو أن اصلاحاته مطلوبة لتخليص البلد من الطبقة السياسية الفاسدة وأعداء تونس الأجانب. كما هاجم الرئيس خصومه السياسيين في حزب النهضة؛ الذين كان لهم العدد الأكبر من مُشرعي البرلمان السابق؛ وأمر باعتقال نائب رئيسهم ورئيس الوزراء السابق علي العريض” بتهم تتعلق بالإرهاب. تقول “مونيكا ماركس” الخبيرة بالشؤون التونسية وأستاذة سياسات الشرق الأوسط بجامعة نيويورك في أبو ظبي: “ يبدو أن الرئيس سعيّد متجاهل للانتقادات وعازم على شق طريقه إلى نظام سياسي جديد؛ بغض النظر عن قلة التونسيين المنخرطين في هذه العملية. لم يطلب أي تونسي من الرئيس سعيّد إعادة اختراع عجلة السياسة التونسية، أو كتابة دستور جديد أو تجديد قانون الانتخاب.. ما يطلبه التونسيون هو حكومة أكثر احتراما تلبي احتياجاتهم من الخبز والزبد وتمنحهم الكرامة الاقتصادية”. 

أسهمت وعود سعيّد بتحقيق الاستقرار الاقتصادي على ضمان فوزه الساحق في الانتخابات الرئاسية لعام 2019. لكنه لم يُقدم حتى الآن خطة للتعافي الاقتصادي أو ستراتيجية لحكومته المثقلة بالديون لتأمين الأموال اللازمة لدفع إعانات الغذاء والطاقة. لقد قام الرئيس بتهميش الاقتصاديين في مؤسسات الدولة؛ مما أدى إلى تعطيل ميزانية الدولة وإفساد بيئة المستثمرين الأجانب. يعاني التونسيون من ارتفاع حاد في أسعار المواد الغذائية ونقص في الوقود والمواد الأساسية، مثل السكر والزيت النباتي والأرز في الأشهر الأخيرة.


 بطالة وتضخم متصاعدان

وصلت نسبة التضخم الى نحو أكثر من تسعة بالمئة؛ وهي الأعلى منذ ثلاثة عقود، وفقا لبيانات المعهد الوطني للإحصاء. ووصل معدل البطالة الى 18 بالمئة؛ وفقا لبيانات البنك الدولي. يقول “جيف بورتر” محلل تقييم المخاطر في شمال أفريقيا (ومقره مدينة نيويورك): “يبدو أن الرئيس سعيّد يعتقد أنه إذا تمكن فقط من استكمال خريطة الطريق السياسية التي رسمها هو؛ فإنَّ الاقتصاد سيصلح نفسه”. 

توصلت تونس الى اتفاق أولي مع صندوق النقد الدولي في تشرين الأول الماضي للحصول على قرض ملياري دولار تقريبا؛ وهذا سيُتيح للحكومة التونسية المثقلة بالديون الحصول على قروض من مانحين آخرين لأربع سنوات مقابل إصلاحات اقتصادية شاملة؛ تشمل تقليص قطاع الإدارة العامة (وهو واحد من أكبر تلك القطاعات في العالم) ورفع الدعم بشكل تدريجي. كان الاتفاق خاضعا لموافقة المجلس التنفيذي لصندوق النقد الدولي، وقد أجّل الصندوق منح موافقته على الاتفاق. ذكرت وكالة الأنباء التونسيَّة الرسميَّة أنَّ.. “الحكومة وصندوق النقد الدولي اتفقا على تأجيل” القرار النهائي بشأن القرض؛ لمنح المسؤولين التونسيين “مزيدا من الوقت لتقديم خطة إصلاح جديدة للاقتصاد الراكد في البلاد”. مضى بورتر قائلا إنَّ تونس بحاجة ماسة للحصول على حقوق السحب الخاصة لتجنب التخلّف عن سداد الديون الخارجية وتحقيق الاستقرار في الاقتصاد؛ مُضيفا: “بدون تمويل صندوق النقد الدولي، سيتسارع التراجع الاقتصادي في تونس”. 

يشعر المستثمرون الاجانب في تونس بالقلق؛ إذ يسعى مصنعو الأدوية “نوفارتيس” و”باير” و”جلاكسو سميث كلاين” لمغادرة البلاد؛ لأنهم لا يحصلون على مستحقاتهم من الموزع الدوائي الحكومي غير الممول بشكل كافٍ. كما أعلنت شركة “رويال داتش شل”، التي تُشغّل حقلي غاز يشكلان نحو أربعين بالمئة من الإنتاج المحلي التونسي، أنها ستخرج من تونس نهائيا. وقال بورتر إنه رغم الضجيج حول قطاع الهيدروجين في البلاد؛ لكن لم يتم عمل أي شيء لجذب المستثمرين، لأن المؤسسات التنظيمية في البلاد مشلولة بسبب تحركات سعيّد السياسية. كذلك فقد الرئيس دعم اتحاد العمال القوي؛ “الاتحاد العام التونسي للشغل”؛ لتسهيل خطة الإصلاح التي وضعها صندوق النقد الدولي مقابل خطة الإنقاذ. 

وأفادت وكالة الأنباء التونسية بأن زعيم الاتحاد العام التونسي للشغل “نور الدين الطبوبي” اتفق مع الحكومة في آب الماضي على مناقشة “عقد اجتماعي” جديد لمساعدة التونسيين الذين يعانون من ضائقة مالية. لكن الطبوبي؛ الذي تمثل نقابته المؤثرة نحو 67 بالمئة من القوة العاملة التونسية، وهم غالبا العاملون في القطاع العام؛ فتراجع مؤخرا عن التزامه. وجدد الطبوبي معارضته لمطالب صندوق النقد الدولي الأساسية للحصول على برنامج قروض؛ والتي تتلخص بتجميد أجور القطاع العام وإعادة هيكلة الشركات المملوكة للدولة. 

أسوشييتد بريس