الصينيُّون يقضونَ أوقاتاً حلوةً ومُرَّة

بانوراما 2023/02/01
...

 فان وانغ

 ترجمة: فجر محمد


مضت ثلاثة أعوام منذ أن انتقلت “ساندي باي” الشابة المحترفة في التواصل المهني الى هونغ كونغ، إذ كانت تعيش في شانغهاي. وكان آخر لقاء مع أسرتها في عام 2020 أثناء احتفالات ما يعرف بالسنة القمريّة، أو مهرجان الربيع كما يعرف في الصين. لقد تمت هذه الزيارة قبل الإعلان عن الوباء كوفيد 19 مباشرة، وسياسة الصين الهادفة لإخلاء البلاد منه، ففرضت على المسافرين الحجر الصحي لأسابيع، مما أبعد “باي” عن منزلها.

والآن مع إزالة معظم قيود الجائحة، يسافر ملايين الصينيين الى منازلهم في هذه الفترة للاحتفال ببداية عام الأرنب.

لكن الانعكاس المفاجئ لتصفير كوفيد تسبب بزيادة عدد الحالات خلال الأسابيع الأخيرة، متسببا بتقليل زخم أكبر عطلة في العام للصينيين.  إذ أنها فرصة للأسر للتجمع والاحتفال بنجاحات بعضهم البعض، وإعادة التجمع من أجل بداية جديدة. لكنها ستكون حلوة ومرة هذا العام. فحتى مع تحول مساحات شاسعة من الصين إلى اللون الأحمر الاحتفالي وهو لون عيد الربيع لكن من الصعب أن يفوتك رؤية اللون الأبيض، العلامة الدالة على وجود أسرة في حالة حداد.

تتوق بعض الأسر إلى التجمع حول المائدة، كما هو الحال دائما، بينما لا يحتفل البعض الآخر لأنّهم حزينون على فقدان أحد أفراد أسرتهم، أو لرعاية قريب مريض. ثم هناك من يحتفل، لكن بقلب مثقل، لإدراكه معنى وجود المقاعد الفارغة.

ميلودي ليو التي تعيش في بكين، فقدت جدها قبل أسابيع معدودة من مهرجان الربيع.

تقول ليو لقد كان وقتا مليئا بالفوضى. لم تتمكن الأسرة من العثور على سرير للعناية المركزة لجدها لعدة أيام. ومع امتلاء محارق الجثث والمنازل بالجنازات، كان عليهم تجميع قواهم للعثور على مكان أخير ليرقد بسلام.


سمك “أو يو”

ميلودي وأسرتها ليسوا بمزاج يسمح لهم بالاحتفال بالعطلة هذا العام. لكنهم سيجتمعون من أجل جدتهم التسعينية التي لا تعرف شيئا عن رحيل الجد لغاية الآن. فقد أخبروها أنّه ما زال تحت العناية المركزة، لأنّهم لا يستطيعون قول الحقيقة الآن، وهم يشعرون الى اليوم بأنّه موجود بينهم ويهتمُّ بهم ويرعاهم.

لقد أرسل رئيس المؤسسة الحكوميَّة، التي كان الجد يعمل فيها، هدية معينة كما هو معتاد عليه نهاية كل عام. وتوضح ميلودي أنّها وأسرتها سيستمرون أيضا بمواصلة تقليدهم السنوي، اذ ستشتري ملابس جديدة لجدتها وسيرتدون هم ايضا ثيابهم المبهجة والمفعمة بالألوان ويلتقطون الصور، أملا بعام مقبل أفضل. 

وتبين ميلودي أنّه لن يكون كل شيء كما في السابق، فهي لن تتطلع للعام الجديد بعد الآن، لأنَّها كانت سنة سيئة بالنسبة لهم. لكن ساندي كانت أكثر حظاً وهي تستمع الى قصص أصدقائها الذين فقدوا أسرهم بسبب الجائحة. فجدتها البالغة من العمر 87 عاما قد تعافت من العدوى توّاً. وهي تتطلع قدما للقاء الأسرة الذي يحدث مرة واحدة في السنة. اذ يحتفل الأجداد والأبوان والاشقاء والأقرباء باجتماعهم على مائدة سمك يمتاز بطعمه الحلو والحامض يطلق عليه سمك “أو يو” ويرمز الى الوفرة باللغة بالصينيَّة. ومن الثوابت الأخرى في هذا التجمع وجود قالب كيك الارز العسلي، أو ما يسمى “نيان جاو” وهو مرادف لمصطلح (تنمو الى الأعلى).

الطعام هو محور الاحتفالات. وهذا ما افتقدته “زواي لي” التي ترعرعت في ووهان، إذ حرمت من إعداده في المنزل طيلة الأعوام الثلاثة الماضية بسبب الجائحة.

لطالما كانت “زواي لي” تتذكر جدتها التي تعد قائمة الطعام وتطهوه ايضا. ومن الاطباق المهمة الزلابيا، ولفائف الربيع، والنقانق، وكلها مصنوعة منزليا. أما نجم المائدة فهو جذر لوتس مقرمش وهو مشهور جدا في ووهان اذ يعد تخصصا محليا، محشوا 

باللحم.  

بالرغم من أن “زواي لي” لم تكن في المنزل خلال السنوات الثلاث الماضية، لكنها أعادت ابتكار أطباقها المفضلة لمغالبة الحنين للماضي، وتقول: “لقد أصبحت تقاليد أسرتي في العام الجديد جزءا من حياتي بلا وعي 

مني”.

ضعف التجمعات

لكنها هذا العام، لم تتوقع وليمة معينة لأنّ أجدادها لم يعودوا بطاقتهم المعهودة نفسها، منذ ان تعافوا من كوفيد. فمثل هذه التجمعات الصغيرة التي تخلو من الحيوية ستكون أمرا معتادا لوجود عدد كبير من المصابين بالفايروس، أو كانوا على اتصال مؤخرا بشخص مصاب.

كان جد “كيلي لو” البالغ من العمر 93 عاما في المستشفى لأنه مصاب بالفايروس منذ أواخر كانون الأول. وارادت هي فقط العودة الى المنزل ورؤيته مرة اخرى، وقد عادت بالفعل الى منزلها بمدينة تشنغدو الجنوبية قادمة من هونغ كونغ، حيث تعيش الآن. لكنها اول سنة قمرية جديدة تخلو من اجتماع كبير لأسرتها، كما كان في الاعوام الثلاثة الاخيرة.  

هذا العام والدة كيلي هي المصابة. كما ان بقية أقربائها يزورون المرضى، لهذا بقيت وحيدة برفقة والدها وجدتها التي تعافت مؤخرا. لكنها ممتنة لقضائها وقتا برفقة جدتها، “فقد لا تكون سوى فرص قليلة لمثل تلك اللقاءات في المستقبل”، بحسب لو.  وسط فرحة اللقاءات، يخشى الناس من الفايروس مع استمراره باجتياح البلاد. أصبح سؤال بعضهم لبعض عما إذا كان لديهم تحية شائعة خاصة بالفايروس خلال هذا الموسم.

تقول صوفي (عمرها 31 سنة وتعيش في شينزين؛ مركز التكنولوجيا الجنوبي): “يمكنك أن تسأل أقاربك قبل وضع خطة لزيارتهم لقضاء العطلة، أو حتى قبل موعد تجميل الأظافر”، إذ إن تجميل الأظافر والشعر والرموش يعد تقليدا جديدا لعطلة العيد بين فتيات المناطق الحضرية. فتقول: “سيخبرك معظم أصحاب المتاجر أن جميع الموظفين في العمل قد تعافوا، وعندها فقط ستتمكن من حجز موعد معهم”. لكن السلطات كانت تتجمع لإعلان “نصر كامل” ضد كوفيد. ونشرت صحيفة الشعب اليوميّة تعليقاً قالت فيه إنَّ الحزب الشيوعي دفع الحد الأدنى من الثمن وحقق أقصى تأثير.  ميلودي، مثل الكثيرين غيرها، غير متأثرة، إذ تقول: “لقد أجرينا اختبارات كوفيد مجاناً ولقاحات مجانية على مدار السنوات الثلاث الماضية. لماذا لا يمكننا الحصول على أدوية كوفيد مجانية؟ كان لدينا ثلاث سنوات لتحضير الدواء، لكن ما زال الحال كما هو.. إنه شيء مخيب للآمال”.  بعكس السنوات القمريَّة الماضية، لا ترغب ميلودي في الثروة أو آفاق وظيفية أفضل. فهي تتمنى فقط أن تكون أسرتها آمنة وسليمة. ومن وجهة نظرها يمكنك الحصول على وظيفة وأشياء أخرى إذا كنت تعمل بجد بما فيه الكفاية، ولكن يجب أن تكون محظوظا لأنَّ لديك أسرتك”.

عن موقع بي بي سي نيوز