حرب أوكرانيا تنعش {سياحة الولادة} في الأرجنتين

بانوراما 2023/02/02
...

 بيوتر سوير 

 ترجمة: ليندا أدور

بينما كانت بولينا تشيريبوفيتسكايا تقف في طابور بجناح الولادة بمشفى ساناتوريو فينوشيتو بالعاصمة الأرجنتينية بوينس آيرس، وردت إلى مسامعها فجأة أصوات تتحدث اللغة الروسية المألوفة لديها، فقالت، واصفة شعورها:

“كان هذا جنونياً، كانت هناك ثماني نساء روسيات، على الأقل، حوامل أيضاً، يقفن قبلي بالطابور ذاته بانتظار دورهن”.

تشيريبوفيتسكايا، التي أنجبت في شهر كانون الأول الفائت وتعمل مصممة مجوهرات كانت تسكن موسكو سابقاً، وتعد واحدة من بين مئات النساء الروسيات اللواتي سافرن إلى بوينس آيرس، خلال العام الماضي، لغرض الإنجاب هناك. فمنذ بدء الحرب يشهد هذا البلد الأميركي الجنوبي، طفرة غير مسبوقة بما يعرف “سياحة الولادة”، وهو السفر إلى دولة أخرى بهدف الولادة فيها وحصول الطفل المولود هناك على الجنسية.


مفهوم ليس بجديد

في الوقت الذي يبدو فيه مفهوم “سياحة الولادة” ليس بالجديد، إلا أن العزلة عن الغرب التي فُرضت على موسكو بسبب الحرب، جعلت من الأرجنتين، حيث لا يواجه الروس أي متطلبات للحصول على تأشيرة الدخول، الوجهة المفضلة للكثير من الأسر التي تتطلع لمنح أبنائها امتيازات الجنسية الثانية، وربما كان استدعاء مئات الآلاف من الجنود الاحتياط الروس سبباً في هذه الزيادة.

وفقاً لتقديرات جورجي بولين، رئيس إدارة الشؤون القنصلية لدى السفارة الروسية بالعاصمة بوينس آيرس، فإن ما بين (2000-2500) روسي انتقلوا إلى العيش في الأرجنتين العام 2022، وإن غالبيتهم نساء حوامل يخططن للإنجاب هناك، بقوله: “يمكن لهذا الرقم أن يزداد ليصل إلى 10 آلاف، في العام 2023”.

تستذكر تشيريبوفيتسكايا السبب الذي دفعها وزوجها للمغادرة إلى الأرجنتين قائلة: “اكتشفت بأنني حامل بعد وقت قصير من نشوب الحرب، ورأينا بأن الحدود من حولنا بدأت تغلق بسرعة، عندها أدركنا بأنه يجب علينا أن نجد وجهة يمكننا السفر إليها دون صعوبات، والجواز الأرجنتيني سيفتح لمولودي المقبل الكثير من الأبواب”، مشيرة إلى أنها وزوجها يخططان للبقاء في بوينس آيرس والتقدم للحصول على الجنسية الأرجنتينية لهما، التي ستكون سهلة لكونهما والدي “طفلة أرجنتينية”، إذ ربما سيستغرق الأمر أقل من عامين.


الجواز الثاني 

قبيل الحرب، كان يمكن للروس السفر إلى 80 دولة حول العالم دون الحاجة للحصول على تأشيرة، لكن بعد الحرب، أصبح هذا الأمر غير ممكن عملياً للروس بعد أن منع العديد من الدول الأوروبية ذلك، لتتشكل صفوف انتظار طويلة أمام القنصليات الغربية في موسكو، التي تعاني أصلاً، نقصاً في عدد موظفيها، للحصول على تأشيرة لمدة شهر واحد فقط.

تقول إيفا بيكوروفا، مديرة وكالة لتنظيم وثائق السفر والإقامة والإقامة في المشفى للروسيات الحوامل الراغبات بالولادة في الخارج، بأن شركتها كانت تقدم جولات قصيرة لمدينة ميامي بولاية فلوريدا، التي كانت نقطة جذب ساخنة لسياحة الولادة. لكن ومع تفشي فيروس كورونا، وإغلاق الولايات المتحدة لحدودها، زاد تراجع نموذج أعمالها، وأصبحت الأرجنتين هي الوجهة المناسبة لذلك، لما تتمتع به من جودة وتطور بمجال الرعاية والخدمات الصحية الخاصة والعامة، وقد عززت بيكوروفا التجربة عندما أنجبت بنفسها في بوينس آيرس بقولها: “عندما أمنح طفلي جوازاً أرجنتينياً، فإنني أمنحه الحرية”، مشيرة إلى أن إحدى مزايا الجواز الأرجنتيني الرئيسة لحامله من الروس بأنه يمكنه القيام بزيارات قصيرة لنحو 171 دولة دون تأشيرة دخول بضمنها الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة واليابان، كما أن الحصول على تأشيرة دخول الولايات المتحدة الأميركية “لن يكون صعباً”.


قوائم انتظار

أما في ما يخص التكاليف، فيتراوح المبلغ الذي تدفعه النساء الروسيات للولادة في الأرجنتين ما بين ألف إلى ثمانية آلاف جنيه استرليني، للوسطاء، مثل بيكوروفا، ويشمل تقديم خدمات تضم تهيئة المترجمين والمعاملات الورقية وحتى تنظيم جلسات تصوير للمولود الجديد.

مع ذلك، يصعب تحديد عدد النساء الروسيات اللواتي سافرن إلى الأرجنتين للولادة على وجه الدقة. إلا أن كيريل ماكوفيف، روسي، وانتقل للعيش في الأرجنتين العام 2014، وأسس وكالة مختصة بهذا الشأن العام 2018، يقول بأن شركته وحدها، قدمت التسهيلات لأكثر من مئة سيدة روسية خلال العام الماضي فقط، مشيراً إلى أن لديهم حجوزات مسبقة حتى أيار المقبل، إلى جانب قائمة انتظار طويلة، بقوله: “أكثر من 12 سيدة روسية حامل تصل بوينس آيرس يومياً”، مضيفاً “ازداد الإقبال على سياحة الولادة في الأرجنتين بعد الحرب، ووصل الأمر إلى حد أن المستشفيات باتت تضع إعلاناتها باللغة الروسية”.

للأرجنتين تاريخ مع الترحيب بالمهاجرين الروس، ففي نهاية القرن التاسع عشر، أبحر إليها، عبر الأطلسي، العديد من الروس، الفارين من الفقر والمجازر، لتعقبها وجبات مهاجرين أصغر بعد انهيار الاتحاد السوفيتي العام 1991. يقول ماكسيم ميرونوف، أستاذ المالية المشارك والذي يسكن بوينس آيرس منذ العام 2005، بأن الأرجنتين باتت لا تجتذب النساء بهدف سياحة الولادة فحسب، بل أعضاء لشركات تكنولوجية وناشئة روسية غادروا بلادهم بعد الحرب وتراجع مناخ العمل فيها. “بالنسبة للكثير من الروس، الأرجنتين لم تعد نقطة جذب لسياحة الولادة فحسب، بل وجهة لمن يريد بناء حياة جديدة ويفضل عدم العودة”، والحديث لماكوفيف.

*صحيفة 

الغارديان البريطانية