الأدبُ النسوي بين القبول والرفض

منصة 2023/02/04
...

 هويدا محمد مصطفى


يثير أدب المرأة إلى عددٍ من الإشكاليات اللغوية والأخلاقية والتاريخية والاجتماعية، وقد وافق بعض النقاد على وضع تصنيفات للحركات الأدبية، لتيسير تحليل النصوص الأدبية، مثل تصنيف الأدب النسوي في مقابل الأدب الذكوري، رغم أن كلا مبدعيه ذكرا أو أنثى ينتميان للكيان الإنساني، الذي ينبض بالانفعالات والتجارب والفيصل هو الموهبة، وليس هناك عيب في أن تبدع المرأة بنفس وحس وجداني أنثوي، لأن ذلك يمثل خصوصية تمتع فيها المرأة بخصوبة المشاعر وفقا لفطرتها، وقد تعددت الآراء والمصطلحات.

الأديب رياض طبرة يقول: ما زال مصطلح الأدب النسوي إشكاليا ويبعث على التساؤل، إذا كان دقيقا في تحديده، لكننا نهجنا على اعتبار ما تكتبه المرأة في مجال الشعر والقصة والرواية أدبا نسويا منفصلا عن أدب الرجال، وهذا فيه تعسف في المصطلح، فالأدب عندي هو الأدب بغض النظر عمن أبدع هذاالأدب الذي يتناول قضايا المرأة بشكل عام، سواء أكان المبدع كاتبا أم كاتبة، ويظل الحكم على الأدب مرتبطا بأنه أدب وفيه من التعريف بنفسه ما يمنع أي تصنيفات له، كأن نقول أدبا طفوليا أو رجاليا أونسائيا، إن الأدب في كل تجلياته حالة من الرقي والانتخاب، وحسن الاختيار للموضوع والشكل الأمثل لتقديم الأفكار والرؤى. لقد شهد تاريخ الأدب العربي وجود شاعرات أضفن جميلا وجديدا للشعر العربي، مع ذلك لم يفصل هذا التاريخ بين الخنساء وشعراء صدر الإسلام، بل تعامل مع شعرها مثلما تعامل مع شعرالنابغة وحسان بن ثابت وباقي أعمدة الشعرالعربي، ومثل ذلك ينسحب على كل الأديبات العربيات عامة.

الأديبة لينا حمدان تحدثت: من حيث المبدأ انا لا أميل لمثل هذا الفصل وهذه التسمية (الأدب الأنثوي) أوالنسائي، من وجهة نظري أرى أن الأدب إنساني أولا وأخيرا، ولا أستطيع أن أدعي بأن المرأة أكثر عناية بالتفاصيل وأكثر شفافية بالأسلوب، رغم الميل نوعا ما لهذه الملاحظة، لأن بعض الأدباء الرجال يفاجئوننا بعذوبة مفرداتهم ورهافة مشاعرهم كجبران خليل جبران على سبيل المثال لا الحصر، إنما يمكن أن تكون الملاحظة بالموضوعات التي تطرحها المرأة وأسلوب الطرح المتباين ما بين الرقة والعذوبة والشاعرية والخيال وبين الجرأة والواقعية والمباشرة أحيانا، فالجو الاجتماعي يدفع المرأة للبوح بالتلميح أكثر من التصريح، وهذا من وجهة نظري تميز وإبداع إضافي، فالشعر الأجمل ما أوحى بالفكرة والصورة وليس بعرضها الواقعي الواضح المباشر، وإلا صار النص أشبه بمقال أو خطبة تميز المرأة ربما بالدخول للتفاصيل النفسية والروحية والإشارة عن بعد، وهذا ما يضيف جمالا وسحرا طبعا أنا لا أعمم فليس كل ما تكتبه النساء أدبا أوفنا، لا سيما في أيامنا هذه حيث كثر المتسلقون وتبارى معظم العاطلين عن العمل في خوض غمار هذا العالم الشعري والفضاء الأدبي الواسع. الأدب النسائي موجود منذ القدم، فالخنساء كانت تباري الشعراء الرجال وتتفوق عليهم، وفي عصرنا الحديث قرأنا لفدوى طوقان ونازك الملائكة ثم سعاد الصباح، فغالبا ما تضيف المرأة ملامح الانتماء للأسرة، وحيث الاولاد وما تعانيه المرأة من قهر اجتماعي وضرورة التحرر من السلطة الذكورية أو الدعوة لاعتماد الفكر واحترام العقل وإنسانية المرأة قبل أنوثتها، ومن هنا أعود للرأي الذي أؤمن به أن الأدب إنساني أولا وأخيرا.

الأديبة ليندا إبراهيم تقول: أنا على يقين بأن الكتابة تجربة إنسانية من الطراز الرفيع، ومع اضطهاد المرأة تاريخيا وإلحاقها بالرجل اقتصاديا وسياسيا وبالتالي اجتماعيا، وانعكاس هذه النظرة وهذا الواقع على المعاملة ضمن الأسرة، انعكس هذا تأخرا في ظهور الكاتبات والروائيات والشاعرات والأديبات بشكل عام، وقد ظهر مصطلح الأدب النسوي في فرنسا سبعينات القرن التاسع عشر، آخذا مساحة كبيرة وهامشا واسعا في التداول والنقاش داخل الساحة الثقافية، هادفا في المقام الأول إلى تعرية الواقع الذكوري والمجتمع الأبوي وإماطة اللثام عن قضايا المرأة المسكوت عنها، وفي العقد الأخير شهدنا ارتفاع موجة الكتابة النسوية وازدياد عدد الكاتبات الإناث في شتى أنواع الكتابات، بل وتميز نوعي لدى نفر غير قليل منهن في الإفصاح عن مشاعر الأنثى وهمومها وقضاياها .

الأديب محمود الجمعات يقول: لست مع التفرقة، الأدب أدب، وهل كان هناك فرق في الجاهلية بين شعر الخنساء وشعر الرجال الذين عاصروها؟ لقد كانت ندا لهم حتى أن النابغة الذبياني كان حكما بينهما وبين حسان بن ثابت في سوق عكاظ، فحكم الخنساء أنها أشعر من حسان، فغضب حسان وقال له أنا أشعر منك ومن أبيك وأبيها.

ومن وجهة نظر الشاعر سمير حماد يقول: يوجد أدب نسوي نعم، ومن ينكر هذا يتجنى على المرأة، لا أحد أقدر منها على التعبير عن مشاعرها، وأغلب ما كتبته غادة السمان أدب نسوي، وماكتبته إيزابيل الليندي أيضا، وكذلك أحلام مستغانمي ومئات من الكاتبات العربيات والعالميات في الرواية، وفي الشعر يظهر هذا أكثر طبعا الكتاب الذكور قادرون على التعبيرعن المرأة أيضا، لكن تبقى هناك خصوصية لدى المرأة ليست الأمومة إلا واحدة من هذه الخصوصية، ناهيك عن مشاعر الحب والجنس وأمور كثيرة .

الكاتبة ليزا هولا تقول: الأدب إنساني وليس من المفترض تجزئته، وفقا لنوع الكاتب وجنسه، نعم هناك مواقف وقصص تكون الكاتبة أقدر على التعبير عن المرأة لما يكون المبدع الرجل أكثر قدرة على التعبير عن عالم الرجال، غير أن الكاتب يوسف أدريس برع في وصف عوالم النساء، كما برعت مي زيادة في إثبات قدراتها في تحدي هيمنة كتابات الرجال، لكن القضايا الإنسانية واحدة يتفاعل بها الجنسان.