روائيون يتخفون خلف أقنعة شخوص رواياتهم

ثقافة 2019/04/09
...

عبد الجبار العتابي 
كثيراً ما يتبادر الى الاذهان ما يكتنفه الكاتب الروائي حينما يكتب رواياته ،فنسمع من البعض انه يكتب اسرار حياته ويسرد ذكرياته ويشرح التفاصيل متخفياً وراء شخوص الروايات حيث يمنحهم اسماء لا تشبه اسمه وربما هيئات واشكالاً لا تشبهه، لكنه يعترف للآخرين انه كتب روايته من الخيال، او ان وقائعها لا تخصه ،ومن هنا نستحضر مقولة للاديب العربي سهيل ادريس يؤكد فيها ان “كل روائي حين يكتب ، انما يكتب متخفياً..”  وهو ما دعانا الى ان نناقش ذلك مع اربعة من الروائيين العراقيين الذين تباينت طروحاتهم .
كان الجواب الاول للروائي علي بدر الذي قال : انا اكتب لنزع القناع ، انا اكتب جزءاً من سيرتي الذاتية ، جزءاً من حياتي ولابد ان اكتب اشياء لم اعشها ، انا الكتابة بالنسبة لي نوع من تصفية الحساب مع الضمير ، وبالتالي هي تنطوي على الكشف وليس على الاخفاء.
واضاف : ان لم اكن انا موجوداً بشخصي فأنا موجود بافكاري على الاقل .
وتابع : انا موجود في كل رواياتي ، ان بحثت عني ستجدني .
وأوضح : الاخفاء هو محاولة ان ينسب افكاره الى آخرين ، انا بالنسبة لي واضح ، وليس عندي اي شيء اتستر عليه، بالعكس انا بالنسبة لي الحياة الاجتماعية العادية هي عبارة عن قناع ، والكتابة هي عبارة عن فضح لهذا القناع.
وختم بالقول : هي افكاري وليست سيرتي الذاتية ، موقفي من العالم هذه الاشياء هي التي اطرحها بوضوح شديد.
اما الروائي صادق الجمل ، فكان جوابه : هذا فيه اكثر من رأي ، هنالك من يحاول ان يختفي خلف حروفه ، ولكن بلا شك ان بعض الانطباعات والآراء التي يحملها الروائي يترجمها بشكل او بآخر في رواياته ، او يكون هناك بعض اللمسات من حياته الشخصية من تجاربه  التي عاشها  ، ربما لا اتفق مع من يقول ، الا انني ارى اننا كلنا بلا استثناء حتى في الرواية العلمية ، انا كتبت (سفينة نوح الفضائية) كنت اختفي احياناً بين حروفي .
واضاف : انا احاول وربما هذا ما أُلام عليه حقيقة من قبل بعض النقاد احياناً ، انا أكتب من ثقب الباب وليس من خلف الباب ، احاول ان ارفع كل شيء لكي تظهر الحقيقة ولكي يظهر ما تختلج به نفس الشخصيات او البطل الذي اكتب عنه .
الى ذلك قال الروائي خضير الزيدي :ربما لا اتفق مع مقولة (كل روائي حين يكتب ، انما يكتب متخفياً ..)،لكن العملية الروائية عملية شاقة ليست مثل بناء القصة او الشعر ، فهي تحتاج الى مخيلة واسعة ، مثل بدوي يسير في الصحراء ويستحضر في مخيلته الطرق ، هذا جانب ، اما الجانب الآخر فهو ان الرواية الحديثة اليوم تحتاج الى امكانية عالية والى دراية في التقنيات
 الحديثة .
واضاف : الروائي الحاذق يحتاج الى ان يصنع شخوصاً وهو يعيش بحياد تام عن كل الشخوص السلبية والايجابية، وان لا يمثل الروائي سلطة السارد الضمني في الرواية وانما يمثل السلطة العليا التي تتحكم بحركة الاحداث فقط،و كل شخصية مرسومة ربما كانت السلبية تؤدي الى عمل اجرامي ولكن هذا يتنافى مع كون الروائي هو شخصية سوية وطبيعية ، هذا لا يعني ان الروائي يمتلك روحاً شريرة ولكن الشخصية داخل الرواية تستوجب مساراً بعيداً عن طبيعة واخلاق الروائي .
وتابع : التخفي ربما يظهر في الشعر اكثر من الرواية مثل القصائد الملحمية وفي القصص ولكن الرواية الحديثة لا تحتاج الى هذا التخفي العالي ، انت تخلق سارداً خارجياً وهو سلطة اخرى غير سلطة الروائي الذي يمارس هذه التصرفات على الشخصيات ، فالشخصيات لها مساحة من الحرية هي اكبر من المساحة التي تعطى للسارد الخارجي او ما يسمى السارد العلني .
اما الروائي شوقي كريم حسن فكان له الجواب الرابع ،فقال :شخصياً اجزم ان الاخيلة والتخيل اكاذيب تشبه الاحلام، لانها صناعة الواقع الاطماري اصلاً.
واضاف: الانسان كم من المطمورات التي يمكنه استدعاؤها ساعة يشاء وتوظيفها واللعب بها وعليها كيفما يرغب ولهذا لايمكن للسارد مهما اوتي من قوة التخلص من الواقع وليس ثمة كتابة سردية تأتي من خارج هذا الواقع لهذا يقال ان الرواية الاولى هي الاصل والباقيات لواحق لهذه
 الرواية.
وتابع : يقول تشيخوف.. ان الواقع هو المنتج الاعظم والاهم الذي يرفدنا بهذا الكم الهائل من الحكايات وما علينا الا ترتيبها بمستويات فنية حسب تكوين وبراعة الكاتب.. من اين يجيء الخيال وماهو توصيفه بالضبط؟
واستطرد : اعتقد ان ليس هناك من رواية لاتجد فيها شيئاً من حياة الكاتب وتجاربه،فالكتابة تجربة.. وتفحص وتأمل ثم تدوين.. خذ ايما كاتب وتأمل ستجد ان ديستوفسكي.. كان ماهراً في صناعة واقعه حتى اصبح اعظم كاتب في العالم ،كل مافعله انه فلسف هذا الواقع وغاص عميقاً في النفس الانسانية.