أنا فتاة موظفة عزباء، أحمل شهادة عليا وعلى درجة من الجمال ومع ذلك فإنَّني أشعر بالوحدة والفراغ القاتل، وقد حاولت التخلص من هذا الشعور بالدراسة أحياناً وممارسة الهوايات أحياناً أخرى ولكن من دون فائدة، بل إنَّه وضعني في خيمة الاكتئاب وقفص اليأس، ولقد تعرفت من خلال برنامج "الماسنجر" على شابٍ كان غاية في الأدب والأخلاق، بدأت أتحدثُ إليه بين فترة وأخرى في موضوعات مختلفة اجتماعيَّة وثقافيَّة وعن الظروف التي نعيشها، وصرتُ أحدثه عن نفسي ووجدتني أفرغ له عما يختلجني من شعور الوحدة من دون أنْ أشعر، وكنت أكلمه بصدقٍ وصراحة من دون أنْ أشعرَ بالخوف منه؛ كوني لا أعرفه جيداً ولكنْ لا أعلم لِمَ فعلت ذلك، لا سيما أنني كنت أحسُّ بالراحة والهدوء بعد أنْ أفرغَ له عما يختلجني من شعورٍ بالحزن.
بقينا نتحدث ثمانية أشهر، وقبل أيامٍ أخبرني بأنه يحبني، لم أعرف بماذا أجيبه.. بقيت مترددة وخائفة في الوقت ذاته لأنني لم أكن متأكدة من مشاعري تجاهه. نعم، كنت أحترمه ومعجبة به ولكنْ لم أفكر بأنني أحبه، ظلَّ يلحُّ عليَّ بأنْ يعرف حقيقة مشاعري، بعدها طلب مني رقم هاتفي النقال فرفضت وظلَّ يلحُّ فأخبرته أني لا أريد إعطاءه رقم هاتفي خوفاً من تعلقي به ولأنَّ تقاليدنا لا تسمح بمثل هذه العلاقة.
ولسببٍ ما لا أعرفه ولكثرة إلحاحه تبادلنا الأرقام وكلمته عبر الهاتف، ولكنْ لمرات معدودة كان فيها غاية بالأدب والرقة، بعدها بدأت أشعر بأنني أتعلق به يوماً بعد آخر وصرتُ أحبه.
حضرة الدكتور قاسم. الذي أريد أنْ أعرفه هل فعلاً ما أحسَّه نحو هذا الشخص هو حبٌ حقيقيٌّ؟ وإنْ كان فعلاً كذلك، أرشدني كيف أستطيع أنْ أحافظَ عليه وأتأكد من صدق هذا الإنسان، علماً أنَّه طلب مني أنْ ألتقي به لكنني أشعرُ بالخوفِ من لقائه ومن فقدانه أيضاً.. نعم أشعرُ بالخوف من فقدانه.
آيات - بغداد
عزيزتنا آيات:
نشكر لك صراحتك وطلب المشورة التي نقدمها لكِ كما لو كنتِ ابنتنا.
لا شك أنَّ شبكة الانترنت وفرت وسيلة سايكولوجيَّة لطيفة وقامت أحياناً بدور الاستشاري النفسي، أعني أنَّ الإنسان يجد عبرها من يشكو له همومه ويبوح بأسراره وينفّس عن مكبوتاته فيشعر بشيء من الارتياح خاصة أولئك الذين يميلون الى العزلة وليس لديهم أصدقاءٌ حقيقيون وأحبة يستشيرونهم في مشكلاتهم، العاطفيَّة منها بشكلٍ خاص.
والذي يحصل بين الشاب والشابّة بشكلٍ خاصٍ، أنْ تتطور هذه الحاجة السايكولوجيَّة من حالة شكوى الهموم والمؤانسة الى الاستلطاف والارتياح، ثم التعلّق، فالوقوع في الحب بعد أنْ يكون كلا الطرفين قد رسم صورة جميلة للطرف الآخر تقارب أو تطابق تلك التي رسمها عن شريك
الحياة.
وثمة حقيقة هي أنَّ الفتاة تهدفُ من ذلك الى الزواج، بينما الشباب يتباينون في مقاصدهم. فمنهم من يتخذ منها وسيلة للصيد، واضعاً في تصوره أنَّ الفتاة من هذا النوع (التي تبحث عن علاقة عبر الانترنت) سهلة الوقوع في شباكه إذا ما أغراها بحلو الكلام ووعدها بتحقيق أحلامها، ومنهم من يهدف الحصول على صورتها ليبتزها بملايين وإلا فضحها. وهناك شباب آخرون يكونون صادقين فعلاً، وقد حصلت زيجات عبر الانترنت كانت ناجحة.
مشكلتكِ أنكِ تعيشين حالة صراعٍ بين ما يأمركِ به عقلكِ وضميركِ وأخلاقكِ وبين عواطفكِ التي تصور لكِ الموضوع أنَّه ربما يكون فرصة ناجحة للزواج، لا سيما أنكِ مقبلة على الثلاثين، ولدينا فهمٌ شعبيٌّ أنَّ الفتاة التي تعبر الثلاثين يكون القطار قد فاتها.. وهذا قلقٌ (مضخّمٌ) تعيشه كثيرٌ من الفتيات برغم أنَّه غير مبرر.
والذي يحيركِ الآن ويؤرقك هو هذا السؤال: هل ألتقي به أم أغلق الموضوع بالشمع الأحمر؟. والواقع أنني إذا أشرتُ عليكِ بغلق الموضوع فإنَّكِ لن تفعلي، وعليه أقترح أنْ تلتقي به على أنْ تعملي بالآتي:
- لا تراهني على هذا اللقاء بأنَّه سيحقق هدفكِ لأنكِ لو فعلتي ذلك وحصل عكس ما كنت تتمنينه فستحصل لك صدمة نفسيَّة قد تدفعين ثمنها غالياً من آلامٍ نفسيَّة وشعورٍ بالذنب وتأنيب الضمير. وهذا يعني عليكِ أنْ تضعي للفشل احتمالاً له حصَّة أكبر من حصة النجاح. وكوني قوية حين تلتقين به، وتذكّري أنَّكِ تحملين معكِ سمعة أهلك فحافظي عليها. ولا تخافي من اللقاء فأنتِ تلتقين زملاءً كثيرين يومياً فاعتبريه واحداً من هذه اللقاءات.
- إذا فعلتي ذلك فأنتِ أمام احتمالين، إما تحقيق هدفك، أعني أنكِ وجدتِ فيه شريك حياة مناسباً وأنه صادق، وإما فشل اللقاء وعندها سوف لا تكون لك مفاجأة لأنك كنت وضعت الفشل احتمالاً له الأرجحيَّة.. وفي الحالتين سوف ترتاحين نفسياً.. مع تمنياتنا لك بالموفقية.