بغداد: حيدر فليح الربيعي
رجح المستشار المالي لرئيس الوزراء، الدكتور مظهر محمد صالح، اتخاذ السلطة النقدية في البلاد، مزيدا من الإجراءات الهادفة إلى السيطرة على سعر الصرف في السوق الموازية، والتي بضمنها إذابة عراقيل التحويل الخارجي، لاسيما بعد الارتفاعات السعرية للسلع والمواد في السوق المحلية، وعلى الرغم من التوجهات الرسمية العديدة الهادفة إلى «ترويض الدولار» بيد أن العملة الأجنبية ما زالت تقاوم القرارات الحكومية، مسجلة سعر بيع بلغ 146000 دينار لكل 100 دولار يوم أمس الجمعة.
ويأمل مراقبون، أن يحقق الاجتماع الأول للوفد التفاوضي العراقي ووزارة الخزانة الأميركية، الذي انتهت أعماله أمس الأول، نتائج إيجابية تعزز النتائج التي خرج بها العراق في مفاوضات تركيا مطلع الشهر الجاري، في حين يرى معنيون بالشأن الاقتصادي، ضرورة أن تضاعف الجهات الرسمية جهودها لـ»ضبط فوضى العمل الصيرفي» الذي يمثل واحدا من الأسباب التي أدت إلى استمرار تذبذب سعر الدولار في السوق الموازية.
ووافق مجلس الوزراء الأسبوع الماضي، على الدراسة التي قدمها البنك المركزي بخفض أسعار الدولار الأميركي أمام الدينار، إذ حدد المركزي سعر 1300 دينار عراقي لشراء الدولار من وزارة المالية، و1310 دنانير لبيعه للمصارف عبر «المنصة الإلكترونية» و 1320 ديناراً لبيعه للمستفيد النهائي، وعلى إثرها شهدت السوق الموازية تراجعا كبيرا في سعر الصرف ليصل إلى 145 ألف دينار مقابل 100 دولار، وذلك بعد أن بلغ أكثر من 170 ألف دينار في وقت سابق.
وقال صالح لـ»الصباح» على هامش الندوة الاقتصادية التي أقامها قسم الدراسات الاقتصادية في بيت الحكمة بالتعاون مع قسم التدريب المالي والمحاسبي في وزارة المالية: إن «الجولة الأولى من مفاوضات البنك المركزي ووزارة الخزانة الأميركة في تركيا، أعطت مرونة واضحة لعملية بيع الدولار وسعر الصرف، واعتقد بأن اجتماع اسطنبول ناجح، وسينعكس ذلك النجاح إيجابا على لقاءات واشنطن التي انتهت أمس الأول والتي ستنعقد مستقبلا، مشيدا في الوقت ذاته، بحزمة الإصلاحات الأخيرة التي طرحها المركزي بهدف مواجهة ارتفاع سعر صرف الدولار أمام الدينار، والتي بضمنها إذابة عراقيل التحويل الخارجي، وشراء عقارات وتحويل أرباح وغيرها، مبينا أن تحرير الحساب الجاري لميزان المدفوعات يعد خطوة إيجابية وتنسجم مع علاقتنا مع البنك الدولي».
المستشار المالي لرئيس الوزراء، توقع أن «يتجه البنك المركزي إلى اتخاذ المزيد من الخطوات الهادفة إلى ضبط سعر الصرف، لاسيما مع تحسن معايير الإفصاح للبنوك والمصارف التي تطلب عملة أجنبية لغرض تمويل التجارة، إذ سيتم تسهيل تلك الإجراءات بشكل كبير، لتؤدي بعد ذلك إلى التطابق السعري».
وبين صالح أن سعر الصرف في الموازنة العامة، يمثل «سعرا تعاقديا» بين وزارة المالية والبنك المركزي، لذا ينبغي أن تكون هنالك تفاهمات كبيرة بين الجهتين لتحديد سعر الصرف لأغراض حساب عوائد النفط في الموازنة، إذ يمكن أن ينعكس ذلك الأمر بشكل مباشر أو غير مباشر على سعر الصرف.
وكان صالح قد أفصح لوكالة الأنباء العراقية (واع) عن أن «موازنة 2023 ستعتمد سعر الصرف الذي صادق عليه مجلس الوزراء، مؤكدا أن القرار يتناسب مع الارتفاع في الحساب الجاري لميزان المدفوعات وكذلك يؤازر ارتفاع الاحتياطات الأجنبية التي لامست 115 مليار دولار».
بدوره، أوضح المشرف على قسم الدراسات الاقتصادية في بيت الحكمة، ومدير الجلسة، الدكتور فلاح حسن ثويني، أن «الندوة سلطت الضوء على المشاكل والحلول التي تتعلق بسعر الصرف، وتم التطرق إلى مسيرة ما وصل إليه ذلك السعر وما يواجه عملية السيطرة عليه من معوقات ومشاكل اقتصادية، وقد طرح المشاركون جملة حلول».
وأشار ثويني خلال حديثه لـ»الصباح» إلى أن «الندوة خرجت بجملة توصيات بضمنها، ضرورة التركيز على النشاط الاقتصادي السلعي الحقيقي، مثل المصانع والتجارة والزراعة وغيرها، إذ إن بقاء تلك القطاعات من دون تفعيل كبير بات يستنزف أموالا طائلة تسببت بارتفاع سعر الصرف في البلاد».
وبهدف السيطرة على سعر الصرف، يرى الدكتور ثويني ضرورة «السيطرة أولا على عمل مكاتب الصيرفة والمصارف، مبينا أن الاقتصاد العراقي لا يستوعب هذا الكم الهائل من المصارف، ولا يحتاج لها بشكل كبير، وقد تكون جزءا من المشكلة، لذا ينبغي ضبط نشاط المصارف ومكاتب الصيرفة» مشيرا في الوقت ذاته، إلى أن «التلاعب أو التغيير المستمر بسعر الصرف، يمثل عامل قلق للوحدات الاقتصادية، لذا ينبغي العمل بشكل تدريجي على مثل تلك التوجهات الاقتصادية»، مبينا أن خطوة رفعه آنذاك كانت خاطئة في ظل عدم توفر الشروط، مؤكدا تأييده لوضع سعر صرف يتلاءم ويتقارب مع حركة التبادل التجاري والسلعي في الداخل».
وتطابقت رؤية ثويني، مع ما ذهب إليه الباحث الاقتصادي نبيل جبار التميمي، الذي أفاد في تصريح صحفي، بأن «مشكلات منظومة الصرافة والتجارة ظهرت في العراق حينما فرض الاحتياطي الفيدرالي الأميركي شروطه التي توجب الالتزام بالمعايير الدولية لإجراء الحوالات المنتقلة من العراق إلى مدن مختلفة حول العالم».
وقال التميمي: «تعتمد أغلب التجارة في العراق أساليب بدائية، يستخدم فيها التجار الصغار الذين يمثلون السواد الأعظم من التجار أساليب تقليدية في عمليات إجراء حوالاتهم، ومثل هذه المسارات في النظام التجاري والصيرفي القائم في العراق تؤدي إلى وجود حلقات إضافية تتسبب في انتفاع جهات مصرفية وغير مصرفية من تعدد تلك الحلقات واحتكارها، وبالتالي ارتفاع كلفة الحوالات التي تنعكس على كلفة السلع والخدمات المستوردة، كما أنها تقيد أي إجراء حكومي للسيطرة
على الميزان التجاري للعراق».