مجالس المحافظات..بين الرفض والقبول

ريبورتاج 2023/02/21
...

  محمد عجيل

  تصوير: كرم الأعسم

مضت قرابة عامين على غياب مجالس المحافظات، بعد قرار المحكمة الاتحادية بعدم شرعية استمرارعملها نتيجة انتهاء دورتها، التي تشكلت على ضوء آخر انتخابات شهدتها البلاد عام 2013 وجاء قرار القضاء منسجماً تماماً، مع قرار مجلس النواب الذي صدر في شهر تشرين الأول من عام 2019 بعد الاحتجاجات الشعبية، التي عمت المدن العراقية وطالبت بإلغائها، وأثار قرار مجلس النواب، جدلا قانونياً ودستورياً واسعاً، دفع العديد من أعضاء مجالس المحافظات إلى الطعن به لكن دون جدوى .

ورغم أن قانون مجالس المحافظات الذي أقره الدستور العراقي المشكل، بعد التغيرات السياسية التي شهدها العراق، يعد تأكيداً للحكم اللامركزي الذي تتمتع به الكثير من النظم الديمقراطية إلا أن انتقادات عمل مجالس المحافظات، كانت قد طالت جميع فئات الشعب وطبقاته، لكونه كرس للأساليب البيروقراطية، ورسخ قيم الفساد وثقافته وأصبح سداً منيعاً عن تحقيق مطاليب الشعب في الحصول على الخدمات.

يقول الناشط المدني الدكتور كاظم حسين عباس: "إن الدستور الذي كفل تطبيق النظام الديمقراطي في العراق، كان حرياً به أن يأخذ بعين الاعتبار الثقافة السياسية للشعب وسلوكيات المرحلة الماضية التي مر بها العراق، إذ لا يمكن أن تنتقل البلاد بين ليلة وضحاها من حكم دكتاتوري قمعي مجرم إلى حكم ديمقراطي راسخ، وكان من المفترض على المشرع أن ينتقل بالمرحلة رويداً رويدا حتى يدرك الشعب واجباته، وحقوقه ويرى عباس أن قانون مجالس المحافظات جاء كي يرضي تطلعات الطبقة السياسية، من دون أن يحقق طموحات المواطن في العيش الكريم، وأكد أن مجالس المحافظات في شكلها وإطارها الخارجي تجربة ديمقراطية عصامية، لكنها في الحقيقة كانت مرة، إذ رسخت قيم الفساد بالشكل الذي جعل الفرد يعيش مرارة المرحلة ومتغيراتها، إذ وصل الأمر بها إلى بيع المناصب وتقسيمها، وإعاقة المشاريع لمطامع سياسية وأوضح أنه من الضروري جداً أن يعاد النظر في قانون المجالس، والأقضية بالشكل الذي يحميه من هيمنة النظام السياسي وأحزابه من خلال سن قانون الأحزاب وتطبيق مشروعيته .


مجالس تعسفيَّة 

من جهته انتقد الأكاديمي الدكتور كاظم عجيل محمد، عمل مجالس المحافظات وقال إنها حلقة فارغة أقدمت عليها الأحزاب كي ترضي جمهورها في توزيع المناصب، والحصول على الوظائف وتنفيذ المشاريع التي تدر عليها أرباحاً عالية على حساب النوعية، وهذا ما حدث فعلاً في الكثير من المحافظات، إذ توقفت الكثير من المشاريع الخدمية، أو لم يتم تنفيذها لأسباب تتعلق بتقاسم الكعكة بين الأحزاب المكونة للمجالس، وأشار إلى أن مشكلات تلك الأحزاب وصلت إلى مناصب الحكومات التنفيذية من محافظين ونوابهم، ومدراء عامين وتسبب ذلك في تعثر القرارات التي ترتبط بقوت المواطن البسيط، ومستقبل أسرته وعلى سبيل المثال فإن توزيع قطع الأراضي لم يتم بعدالة وانسيابية بين مستحقيها، من موظفين وشهداء وجرحى، بل ذهبت إلى أصحاب الدرجات العليا والمتنفذين أو لمن يدفع أكثر.

وأبدى الناطق الرسمي لمنظمة القرار وهي إحدى منظمات المجتمع المدني عبد الجبار الشمري اعتراضه على عودة عمل مجالس المحافظات، بصيغته السابقة لأنه يضر بمصلحة العراق في بناء نظام مؤسساتي ديمقراطي، وقال الشمري:"لا بد من تشريع يفصل السلطات التنفيذية عن التشريعية في الحكم اللامركزي، ونعني بذلك أن يكون انتخاب المحافظ ونائبيه ذا استقلالية وعن طريق الاقتراع المباشر، دون الحاجة إلى التصويت داخل مجالس المحافظات، إضافة إلى ضرورة تقليص عدد أعضاء المجلس بالشكل الذي ينسجم مع توزيع المهام والقيام بالواجبات العامة، وأكد ليس من الإنصاف، أن يكون عدد أعضاء المجلس يفوق الثلاثين عضواً في الوقت الذي تحتاج به المحافظة إلى عشرين فقط، لأن النتائج ليست بالكثرة وإنما بالعمل والإخلاص والنزاهة"، ورفض الشمري رفضاً قاطعاً عودتها، إلا إذا كان عملها يجري وفقاً لمعايير خدمة المواطنين بعيداً عن الهيمنة الحزبية، فإننا جميعاً نؤيد ذلك بالتأكيد. 


  هدر المال العام 

أشار المحلل السياسي جبار الحربي، إلى جانب مهم في قانون المحافظات غير المنتظمة باقليم وهو تشكيل مجالس محلية في الأقضية، لا تمتلك حق إصدار قرارات تشريعية أو تنفيذية وإن وجودها مثل عدمه، وتثقل كاهل الموازنة العامة بالرواتب والامتيازات والسيارات والبنايات والأثاث، ويعتقد حربي أن صرف تلك الأموال على قطاع خدمي مثل التعليم أو الصحة أفضل بكثير من صرفها على جوانب غير ضرورية، حتى مسمى النظام الديمقراطي، موضحاً أن السنوات الأولى في تشكيل هذه المجالس، شهدت هدراً بالمال العام، إذ قدمت المنح المالية والسلف المصرفية وقطع الأراضي، في حين كانت هناك طبقات وشرائح في المجتمع تترنح تحت خط الفقر .

وفي الوقت الذي اعتبر البعض أن مجالس المحافظات، ماهي إلا حلقة زائدة، قال البعض الآخر إن غياب مجالس المحافظات يعد تكريساً للدكتاتورية، لأنه تسبب في هيمنة المحافظين على القرار داخل المحافظة، إذ لا يجد المحافظ من يتابع عمله أو يستجوبه ويؤشر أخطاءه.

ويبين رئيس مؤسسة النور الجامعة وهي منظمة مجتمع مدني احمد حسام في تصريحات صحفية، أن إلغاء مجالس المحافظات، يجعل المحافظين يهيمنون على القرار ولا يجدون من يحاسبهم وبالتالي الهيمنة على حقوق المحافظة، كما ويتسبب ذلك الغياب في انتشار الفساد، داعياً إلى إيجاد رؤى وخارطة طريق محكمة من أجل تطوير وتقويم عمل مجالس المحافظات. 


 ضغط الشارع 

لقد كان من أهم الأهداف التي تحققت نتيجة الحراك الشعبي الذي برز في عام 2019 هو إلغاء استمرار عمل مجالس المحافظات، وفي هذا الجانب  يقول المتظاهر السلمي غسان سعيد: "إن من نتائج حراكنا إلغاء مجالس المحافظات إلى الأبد، ورغم أننا حصلنا على قرار من مجلس النواب العراقي في عدم شرعية استمرار عمل مجالس المحافظات، إلا أن ذلك لا يعني قبولنا باجراء انتخابات مجالس المحافظات، إذ سنقف بقوة لغرض الاطاحة بجهود استعادة عملها مرة أخرى، لقد عملت تلك المجالس ضد التوجهات الديمقراطية التي أقرها الدستور في حماية حقوق الشعب في العيش الكريم، وأصبحت أداة طيعة لتنفيذ أهداف ضيقة لا تخدم أهداف القانون الذي سنها، ومن الضروري جداً أن يضغط الشارع من أجل تفويت الفرصة على استعادة المجالس مرة أخرى".

ومن وجهة نظر مدير مركز  الدراسات الحضارية والتاريخية في جامعة بابل الدكتور بدر ناصر، فإنه "لا يمكننا إلا المضي في إجراء انتخابات مجالس المحافظات، لأنها مادة دستورية وتحتاج إلى تشريع جديد في حال عملت الحكومة استطلاعاً جماهيرياً، خاضعاً لرقابة مجتمعية دولية"، مضيفاً "أنا شخصياً مع إلغاء مجالس المحافظات لأنها فشلت تماماً في خدمة الناس، لأن القوى الاجتماعية العشائرية متحالفة مع القوى السياسية في الحصول على المناصب التنفيذية والتشريعية، والآن في الظروف الحالية لا سبيل سوى الاستمرار باجراء انتخابات مجالس المحافظات، لكن ذلك يحتاج إلى تثقيف من أجل اختيار فريق عمل بعيد عن الاصطفافات والتحالفات، إذ يمكن أن تنجح إذا  نجح هذا السياق ومن ثم يتم تغيير الصورة السلبية، التي لازمت سمعة هذه المجالس على مدار سنوات". 


عرقلة مشاريع

ورفض مدير إعلام هيئة استثمار بابل أحمد الخفاجي، عودة المجالس وأكد أنها أصبحت سبباً أساسياً للروتين في مختلف الدوائر، إضافة إلى كونها تعرقل إقامة المشاريع العمرانية من خلال تدخلها السلبي حفاظاً على مصالحها الضيقة، حزبية أو فئوية، مطالباً بتعديل دستوري يرضي طموحات الشارع، لأن الفترة التي أقر بها الدستور كانت فترة قلقة وذات ارهاصات أمنية وسياسية، إضافة إلى آراء خارجية هدفها الحفاظ على مصالحها .

وأوضح الناشط المدني هشام الشديدي أن مجالس المحافظات أصبحت واجهة للأحزاب السياسية وأن انتخابات مجالس المحافظات في ظاهرها، استحقاق انتخابي وأن إلغاءها مخالفة دستورية، ولكنها كجهة رقابية خضعت إلى مزاجيات القوى السياسية التي وقفت عائقاً أمام تقدم الكثير من المحافظات، وخاصة الجنوبية وهي تعد هدراً للمال العام وترهق الموازنة، واقترح الشديدي إعطاء صلاحية لرئيس مجلس الوزراء في تعيين المحافظين، ويصبح المحافظ مسؤولاً عمن يعمل معه وهو من يتحمل قانونياً التقصير ولا ننسى مطاليب  الشعب في احتجاجات 2019، بالغاء مجالس المحافظات وعدم إعادة هذه التجربة المريرة مرة 

أخرى.