منشورات {المستوى الهابط} تختفي فجأة

ريبورتاج 2023/02/22
...

   الديوانية: عباس رضا الموسوي 


حتى وقت قريب، كان لمنشورات المستوى الهابط في جميع شبكات التواصل الاجتماعي صداها الرنان، ولطالما تسببت هذه التجارة الدنيئة بمشكلات أسرية واجتماعية ونفسية كبيرة، خصوصاً أن المتاجرين بها أوغلوا في إيذاء الناس، كونهم لم يجدوا ما يردعهم بالشكل المناسب للجرائم التي ارتكبوها بحق الآخرين، غير أن الإجراءات القانونية التي اتخذت مؤخراً بحقهم كشفت لنا عن وهنهم وضعف قدرتهم، وانعدام مصداقيتهم في ما كانوا يروجون له على أنه الحقيقة لا سيما بعد أن سارعوا إلى حذف منشوراتهم السابقة، وقام البعض منهم بإغلاق صفحته أو قناة النشر التي كان يديرها. 


غياب الوعي

من المتعارف عليه أن نشوء أي ظاهرة سلبية في المجتمع، تكون له أسباب، لذا يتوجب معرفة السبب الحقيقي، الذي قاد لنشوء ظاهرة استغلال شبكات التواصل الاجتماعي بهذه الطريقة المخالفة للآداب والقيم الاجتماعية، ويقول مدير مركز الذاكرة الموسوعية في محافظة الديوانية علي نوري السقا : 

"إن الأسباب التي قادت إلى نشوء ظاهرة المستوى الهابط، في شبكات التواصل الاجتماعي تتمثل بغياب وعي الناشر وعدم اكتراثه بالقيم الأخلاقية، وحبه للظهور حتى وإن كان هذا على حساب الآخرين، فضلاً عن غياب أو ضعف عنصر الردع، لسنوات طويلة وهو ما شجع هؤلاء الأشخاص الذين يعانون من أمراض نفسية على المضي قدماً، في استهداف كل من يخالفهم أو لا يذعن لهم، مشيراً إلى وجود أسباب أخرى تتمثل بالتجارة الدنيئة التي يراد منها كسب المال عبر نشر الأمور الأكثر استفزازًا وجرأة وانحطاطاً أخلاقياً لم يعتد عليه المجتمع العراقي. 


أشخاص أبرياء

ولأن الظواهر السلبية أو الثقافات المتدنية، تخلف وراءها ضحايا في المجتمع المحافظ، فإن للمنشورات السيئة في شبكات التواصل الاجتماعي، ضحاياها الكثر ومن مختلف الأجناس والأعمار والمراتب، ويقول غانم ضايف الثويني : "طالت الفضائح أشخاصاً أبرياء بسبب عدد من المنشورات، او مقاطع فيديو مسيئة للذوق العام، خصوصاً أن بعض المقاطع تضمنت الإغراء الفاضح، وحركات التحرش ما أثر بصورة  مباشرة في أبنائنا المراهقين، وجعل البعض منهم يتجه عكس الطريق الأخلاقي الذي تسير عليه أسرته، كما أن كثيراً من الآباء والأمهات عانوا من الانقلاب المفاجئ في مزاجيات أبنائهم الأبرياء"، مضيفاً "لقد شاهدت هذه الحالات المؤسفة التي حدثت مع العديد من أسر الأقارب والأصدقاء ولطالما حدثت مشكلات منها إعلان الأب براءته من ابنه، او طرده من المنزل وغيرها من أحداث ما كان لها وجود في مجتمعنا المعروف بقيمه الأخلاقية السامية والتزامه الديني الكبير".


مآرب أخرى

لقد استغل البعض من ضعفاء النفوس وجود شبكات التواصل الاجتماعي، لتحقيق مآرب أخرى تتمثل بالضغط على الآخرين بعد التعرف على نقاط ضعفهم، او حصولهم على صور خاصة لبعض الفتيات، ويقول عبد الأمير الحاج محمد الجابري : "للأسف الشديد كان بعض هؤلاء المستغلين يضغطون على الآخرين من أجل تحقيق الكسب غير المشروع من خلال تهديدهم بنشر محتويات غير أخلاقية، إن لم يدفعوا لهم المال"، مشيراً إلى أن بعضهم بات يمتلك ثروة من المال، وبعضهم يحصل على امتيازات أخرى، خصوصاً عندما يكون المستهدف غنياً، ولديه أخطاء في حياته الخاصة لذلك فإنه يبذل ما لديه لمنع حدوث فضيحة قد تعرض سمعته إلى الخطر، ما يشجع الفاعل على البحث عن ضحايا آخرين لتحقيق مآربه الخبيثة، وقد لاحظنا أن الكثير من هذه الحوادث المؤسفة كان ضحاياها من الرجال والنساء على حد سواء.


خدش الحياء 

أحياناً نجد أنفسنا في حيرة من الأمر ونحن نشاهد "فيديو"، لإحدى الفتيات وهي تتحدث بكلمات نابية وتقوم بحركات خادشة للحياء، ونتساءل عن دور الأسرة والجهات الحكومية تجاه مثل هذه الفيديوهات المشينة، وبهذا الخصوص يقول الشاعر عباس القره غولي: "قبل هذه الإجراءات التي اتخذت بحق الذين يستخدمون شبكات التواصل الاجتماعي، بمستوى هابط كنا نعاني من كثرة الفيديوهات التافهة، التي تخالف الأعراف والتقاليد والقيم الاجتماعية والدينية، خصوصاً عندما تطل عليك إحداهن بحركاتها الجريئة وكلماتها الخادشة للحياء دون أن تراعي المبادئ، التي نشأ عليها الآخرون وإن ما تنشره من مادة إعلانية جريئة يصبح مصدراً للترويج إلى الفجور، مضيفاً أن بعض هؤلاء اتجهوا إلى نشر قصائد ذات مفردات وصور شعرية (ماجنة)، كدليل واضح على تماديهم لغياب الردع بعد أن خسروا أخلاقهم بهدف تحقيق الشهرة".


هروب جماعي 

كان للإجراء القانوني الذي اتخذ قبل أيام بحق أصحاب المستوى الهابط، أثره الإيجابي البالغ في نفوس المواطنين، خصوصاً أنه تسبب بهروب جماعي من شبكات التواصل الاجتماعي لهؤلاء الذين هيمنوا على المشهد لسنوات طويلة، ويقول المواطن علي ناجي : 

"لقد فوجئنا باختفاء صفحات وقنوات من شبكات التواصل الاجتماعي، كانت تبث سمومها لسنوات دون أدنى مراعاة للذوق العام، لذلك ثبت لدينا أن فرض القانون ضرورة ملحة لتحقيق الحماية الكافية للقيم والمبادئ والأعراف، والأخلاق التي يتمتع بها المجتمع لافتاً إلى أنه قد سأل أحدهم عن سر حذفه لمنشوراته السابقة، التي بالإمكان وصفها بالهابطة ولكنه بدا بجوابه خائفاً من تعرضه للمحاسبة، وإنه إذا سلمت (الجرة هذه المرة) على حد وصفه فلن يعود إلى ما كان عليه في السابق، مشيراً إلى أن العديد من هؤلاء هربوا من أماكن سكناهم إلى مناطق أخرى، وبعضهم قدم اعتذاره للذين أساء لهم لضمان عدم تقدمهم بشكوى ضده".


  جرائم إلكترونيَّة 

وعن الرأي القانوني بشأن ظاهرة استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، بمستوى هابط من قبل بعض الأشخاص تقول المحامية مريم كريم الخالدي : "على الرغم من الدور الإيجابي الذي تمارسه الوسائل التقنية، فإنها لا تخلو من السلبيات ولعل أبرزها ظهور مجموعة من الجرائم التي تختلف باختلاف المجال، الذي ترتكب فيه ومنها استخدام الانترنت في ارتكاب الجرائم المخلة بالآداب، والأخلاق العامة وإشاعة الفاحشة عن طريق إنشاء مواقع ونشر معلومات مخلة بالآداب"، منوهة بأن الإخلال بالآداب العامة عند القيام بفعل يمس أسس الكرامة الأدبية للجماعة، ويهدم أركان حسن سلوكها ويدك دعائم سموها المعنوي ويعتبر انتهاكاً لحرمة وقداسة تلك الكرامة، واستهانة بالمبادئ والقيم والأخلاق له تبعات متعددة، وأن القانون العراقي يعاقب على جريمة نشر المحتوى المسيء وفقاً لأحكام المادة 111لسنة 1969المعدل، بالحبس لمدة لا تزيد على سنتين وبغرامة أو بإحدى هاتين العقوبتين.


  يد من حديد 

ولأن هذه المنشورات أثرت سلباً في حياة الأسرة، وباتت هاجسًا مخيفاً لدى الأمهات والآباء الذين بذلوا جهداً لتربية أبنائهم وفقاً للعادات والتقاليد والقيم الاجتماعية، فإن أكثر الذين ابتهجوا باجراءات مكافحة منشورات المستوى الهابط، هم أولياء الأمور، ويقول الفنان مهند عزيز : "لقد أتت الإجراءات القانونية بحق مروجي وأصحاب المنشورات السيئة في صالح الآباء والأمهات بعد عناء طويل تمثل بمراقبة أبنائهم، وإرشادهم وتعريفهم بخطورة هذه المنشورات التي سحرت العديد من المراهقين، نتيجة الاغراءات المختلفة منها البدنية واللفظية"، مشيراً إلى ضرورة التمسك بهذا القانون، والضرب بيد من حديد للقضاء على هذه الظاهرة الغريبة على المجتمع العراقي التي أخذت بالاتساع، خلال الأعوام الماضية حتى صار عدد ضحاياها بازدياد، خصوصاً بين شريحة الشباب، داعياً المواطنين إلى مواجهة هؤلاء النفر والابلاغ عن منشوراتهم وعدم التستر على مثل هذه الجرائم، التي نهشت النسيج الاجتماعي وخرقت قيمه بشكل كبير.