دمشق: علي العقباني
ستة أشهر متواصلة هي عمر الإضراب الوطني الكبير، الذي أعلنه أهلنا في الجولان السوري المحتل في 14 /2 /1982 رفضاً لقرار الكنيست الإسرائيلي اعلان ضم الجولان إلى الكيان الإسرائيلي، وفرض الجنسية على السكان السوريين الذين يعيشون في تلك المنطقة وما رافقه من قرارات لإقامة مجالس محلية لإدارة شؤون الجولان تتبع لسلطات الاحتلال،
وهو القرار الذي لاقي رفضاً شعبياً ودولياً، واعتبر قرار مجلس الأمن 479 قانون ضم الجولان لدولة الاحتلال لاغياً وباطلاً. العمود الفقري لتكريس فشل المحتل حتى يومنا هذا هم ثمانية آلاف عربي سوري جولاني في 67، غدوا 13 ألفاً في 1982، حيث قرر الجولانيون ومنذ اللحظة الأولى لاحتلال «الجولان» السوري، عدم الرضوخ لإرادة الاحتلال وعدم استسلامهم لقراراته، وعدم الاعتراف بالاحتلال كسلطة حاكمة عليهم، متخذين شكل النضال اللاعنفي وعدم الاصطدام في وجه الاحتلال.
ورغم محاولات إسرائيل المتكررة وامعان الاحتلال في اتباع اشكال ممارسات العنف والوحشية، وما رافقها من عمليات تدمير القرى والبلدات والمزارع وتهجير الأهالي، ومحاولة طمس ومحو الهوية السورية التاريخية عن مناطق «الجولان» المحتل، إلا أن قرار السوريين هناك كان «المقاومة اللا عنفية»، فكان الإضراب الكبير الذي تصادف الآن ذكراه الـ 41، حيث بدأ الأهالي اعتباراً من يوم 14 شباط 1982 حين قرر أهالي الجولان التحرك رداً على قرار سلطات الاحتلال ضم «الجولان» إلى الكيان وفرض الجنسية الإسرائيلية على سكانه السوريين، وإقامة مجالس محلية لإدارة شؤون الجولان تتبع لسلطات الاحتلال، اضراباً عاماً استمر لمدة 6 أشهر، توقفت خلالها الحياة بجميع مجالاتها في الجولان، وأضرب الجميع للضغط على الاحتلال رفضاً لقرار الضم ولفرض الهوية الإسرائيلية على سكان المنطقة، الذين أعلنوا تمسّكهم بهويتهم السورية وامتنعوا عن تسلّم هوية الاحتلال.
في تموز من العام 1982 انتهى الإضراب، بعد معاناة وصبر وإرادة قوية، وفشل الاحتلال في فرض هويته على المواطنين السوريين في هضبة الجولان، لكن حالة وحركية الإضراب نفسها تحوّلت إلى آليات جديدة للنضال والعمل لحركة المقاومة ضد الاحتلال، فتأسست عام 1984 «حركة المقاومة السرية» في الجولان والتي كان من أبرز أعلامها «صدقي المقت»، الذي أصبح لاحقاً عميد الأسرى السوريين في سجون الاحتلال، وفي العام 1987 تجددت انتفاضة السوريين في «مجدل شمس» اكبر قرى الجولان المحتل رفضاً للهوية الإسرائيلية، فيما اعتبر امتداداً لانتفاضة 1982 والإضراب الوطني الشامل والكبير الذي تحوّلت ذكراه إلى مناسبة سنوية، يؤكد خلالها الجولانيون في الداخل والخارج تمسكهم بالوثيقة الوطنية لأبناء الجولان التي أعلنت منذ العام 1981 وأكّدت رفض الهوية الإسرائيلية ونبذ كل من يقبل بها.
ملحمة وطنية وإنسانية واجتماعية عبرت عن التماسك والتلاحم لـ 13 ألف نسمة هم تقريبا تعداد سكان هضبة الجولان رفضوا، عبر إضرابهم ونضالهم، تمرير مخططات الاحتلال رافعين شعار «الجوع ولا الركوع» و«المنيّة ولا الهوية».
أبناء الجولان يؤمنون بأن هزيمة الـ 67 لم تكن هزيمة الذهنية والعزيمة. وانما هزيمة حرب أو معركة، لا بدَّ أن يكون خلافها معارك تعيد الأرض، وبالرغم من أن الأهالي وقتها لم يطرحوا فكرة أن مواجهتهم حينذاك هدفها تحرير الأرض، وذلك لعددهم القليل مقارنة بالعدو الغاصب ولإمكاناتهم، لكن ايمانهم كان وما زال راسخاً في العودة ذات يوم، وحتى اليوم فإن غالبية سكان الجولان يحملون بطاقة تعريف للشخصية، ولم يقبلوا أخذ الجنسية الإسرائيلية.
وعبر سنوات الاحتلال التي تجاوزت الخمسين عاماً استمر نضال أهالي الجولان ضد الاحتلال والقمع والاعتقالات التعسفية ومصادرة الأراضي، وشهد الجولان منذ عامين إضراباً جديداً احتجاجاً على مصادرة قوات الاحتلال أراضٍ زراعية لإقامة مشروع «التوربينات الهوائية» رغم مخاطره البيئية على الأراضي من أجل تزويد المستوطنات بالكهرباء، إضافة إلى رفض القرار الأميركي الاعتراف بسيادة الاحتلال على الجولان السوري المحتل.