أعمال العنف تضرب بنين

بانوراما 2023/02/23
...

 سام ميدنيك وفيرجل اهيسو

 ترجمة: بهاء سلمان

مرَّ أكثر من عام على شن الجماعات الدينية المتشددة لأول موجة أعمال عنف لبلدة الراهب "ايغور كاساه" الواقعة شمالي دولة بنين، لكن الرجل ما زال يعيش حالة من الخوف. فحياته التي كانت سابقا تنعم بالسلام، تتميّز حاليا بمكالمات هاتفية ملؤها التهديد، كما أن المتطرفين استمروا بتشويه أبواب الكنائس، مطالبين الناس بالرحيل. وتطارد مخيّلة الراهب مشاهد جثث القتلى الذين سقطوا في الاعتداءات.
يقول كاساه، البالغ من العمر 41 سنة، عبر رسالة نصية: "حياتنا لم تعد طبيعية، فمن الصعب تماما الحديث والتصرّف بشكل موثوق، لأنك لم تعد تثق بمن هو أمامك". واجتاحت أعمال عنف أجزاء كثيرة من منطقة الساحل في غرب أفريقيا، غير المطلة على الشواطئ، شنّها متطرّفون يتبعون تنظيم القاعدة الإرهابي وعصابات "داعش" الإجرامية، لفترة زادت عن سبع سنوات، مع موجة من العنف نحو دول شاطئية، لتتلقى بنين الضربة الأقسى، بحسب الخبراء.

ارتفعت هجمات الإرهابيين لأكثر من عشرة أضعاف النصف الثاني من العام 2022، مقارنة بالسنة السابقة، من هجومين إلى 25 هجوما، وفقا لبيانات صادرة عن منظمة "مشروع بيانات مواقع وحوادث النزاعات المسلحة". عدد هذه الهجمات أكثر من أية دولة ساحلية أخرى في غرب أفريقيا؛ وهناك مخاوف من انتقال حالة العنف الإرهابي إلى مديات بعيدة.

ويقول "كارس دي بروجن"، الباحث لدى منظمة كلنجندايل الهولندية للبحوث: "عندما نتحدّث عن منطقة الساحل، ستكون المصالح الجيوسياسية محدودة، لكن الأمر مختلف بالنسبة للدول الساحلية، التي تعتبر أقوى بكثير اقتصاديا، وتمثل أهمية أكبر بالنسبة للإتحاد الافريقي والعالم الغربي." وربما ترى هذه القوى الغربية مصالحها كحصة ثابتة، وهذا يمثل سببا مهما يفسر قلق هذه الدول حيال امتداد العنف المتطرّف نحو بنين، وكلما فتح المتطرفون جبهات أكثر، أصبح الرد الفاعل أكثر صعوبة، بحسب بروجن.


حدودٌ ملتهبة

ويعد العنف في بنين، البالغ عدد سكانها 12 مليون نسمة، نتيجة طبيعية لما يحصل في بوركينا فاسو المجاورة، حيث قتلت اعتداءات الإرهابيين المئات وشردت مليوني شخص. حيث كانت الهجمات مقتصرة على مناطق محددة داخل حدود شرق بوركينا فاسو وبنين، لكنها إستمرت بالتوسع، وزادت منذ حزيران من العام الماضي في المناطق المأهولة والمحيطة بمتنزه بندجاري الوطني، حيث شن فرع تابع لتنظيم القاعدة الهجومات ليطرد جيش بنين من الحدود، محدثا فراغا أمنيا، ومسيطرا على جزء من البلاد، بحسب تقرير لمنظمة كلنجندايل.

ويبدو أن الإرهابيين يعملون على خلق منطقة كبيرة لنفوذهم، تمتد من دولة النيجر إلى توغو، لأجل إبقاء خطوط الإمداد مفتوحة، وتجنيد الأفراد واستحصال الموارد والتمويل. ومن الممكن أن يكون هناك هدف آخر، وهو مقاومة الضغوط الناتجة عن برنامج اكرا العسكري، الذي يشمل بوركينا فاسو والدول الساحلية لمنع تقدم الإرهاب.

هبت حكومة بنين للرد على العنف، منفقة نحو 130 مليون دولار لتعزيز قواعدها العملياتية، وإنشاء قواعد جديدة وتجنيد أربعة آلاف عنصر أمني منذ سنة 2021، بحسب خطاب سابق للرئيس البنيني "باتريس تالون". إلا أن التصعيد الأمني الحكومي يجلب معه إساءات لحقوق الإنسان، مثل الاعتقالات العشوائية للمشتبه بهم، وخصوصا بحق أفراد إثنية "فولاني"، الذين يشتبه بتبعيتهم للمتطرفين، وفقا لمحليين ومنظمات حقوقية.


مخاوفٌ مستقبليَّة

"هناك خطر من أن تصبح انتهاكات حقوق الإنسان أمرا سائدا ومتعسفا، كما في الدول المجاورة التي تواصل قتال المجاميع المسلحة نفسها لعدة سنين،" بحسب "سميرة داود"، المدير الإقليمي لفرع منظمة العفو الدولية في غرب أفريقيا. ولم يستفد المجتمع الدولي من خبرة التعامل مع حالة انعدام الأمن في المنطقة، وفقا للخبراء.

تقول "لورا ساندرز"، مسؤولة شركة "سيتوس غلوبال" المهتمة بمنع الصراعات في منطقة غرب أفريقيا: "إن مسرح الأحداث في بنين مشهد مكرر، ونخشى من اتباع الستراتيجيات الفاشلة السابقة في منطقة الساحل. هناك فرصة لاختيار مسار مختلف للتعامل مع الأزمة، مركزين على ما يدفع الناس بإتجاه هذه المجاميع المسلحة، مثل المظالم التي لم يتم حلها، والتهميش الاجتماعي، وسوء التحكم بالموارد الطبيعية". وتحتاج المنطقة لزيادة الإنفاق على التعليم والتغذية والصحة في المناطق المحاذية لدول منطقة الساحل، بحسب وكالات الإغاثة لأجل تخفيف المعاناة الإنسانية مقابل تزايد العنف. ويقول بعض السكان إنهم يتم إرغامهم على القبول بحياة لم يتخيّلوا مطلقا أنهم قادرون على تحمّلها. يقول "ارنود هاوينو"، الخبير بالأمن الوطني والأستاذ لدى جامعة بنين: "اعتقدنا للحظة، وربما بسبب سذاجة معيّنة بأننا يمكن أن نهرب من التهديدات، ومن الهجمات شبه اليومية تقريبا، التي تعاني منها بنين حاليا التي كانت بمنأى عن إرهاب منطقة الساحل، رغم قربها الشديد من نيجيريا وبوركينا فاسو، لكن الحقيقة فرضت نفسها". 

صحيفة لوس انجلس تايمز الأميركية