ترجمة: شيماء ميران
لعبت بلدة "المودوفار ديل ريو" الواقعة في مقاطعة قرطبة دورا مهما للغاية في الدفاع عن المدينة، نظرا لموقعها الستراتيجي على تلة يبلغ ارتفاعها 252 مترا قرب نهر الوادي الكبير، وكانت حينها صالحة لملاحة المراكب الصغيرة.
وقد تكون آثار الثقافات المتعددة مثل الاسلامية والمسيحية واضحة في الطراز المعماري لهذا المبنى الفريد من نوعه. أصبحت القلعة العام 756 ملكا للامير المغربي مالك بن قطان، وانتقلت ملكيته منذ عام 758 صعودا الى إمارة قرطبة في ظل حكم عبد الرحمن الاول.
اشتهرت المدينة في القرن التاسع عشر باسم "المدور العدنة"، بينما كانت القلعة تسمى "كاستيلو دي المدور". وخلال القرن العاشر ارتبطت تماما بالخلافة في قرطبة، واستمرت ملكيتها حتى القرن الثاني عشر لطائفة قرمونة ثم طائفة اشبيلية، وفي النهاية لإمبراطورية الموحدين.
خلال القرن الثالث عشر، في العام 1226 تحديدا توفي الملك المغربي عابد محمد ديبيزة على اعتاب القلعة، وهو العام ذاته الذي سقط فيه الحصن بيد المسيحيين وتم تسليمه الى فيرناندو الثالث "القديس". تعرضت القلعة منذ ذلك الوقت لتوسع السيطرة بدأها ملوك قشتالة مثل "بيدرو الاول" و"إنريكي الثاني" ملك تراستامارا. وانتهت بمشاركة ألفونسو الحادي عشر "العادل" وبيدرو الاول
"القاسي".
شهدت قلعة المدور أحداثا لا تعد ولا تحصى طوال تاريخها، فقد سُجن بين جدرانها عدة شخصيات مثل "دونا خوانا دي لارا" زوجة الامير "دون تيلو" الاخ غير الشقيق للملك "بيدرو" الاول، كما احتوت على كنوز قشتالة، وشهدت ابراجها المحصنة والمنيعة على معاناة سجناء بارزين مثل "دوق بينافينتي الأول". ومن أهم الشخصيات الحاكمة فيها "دون ألفونسو دياز دي فارغاس" و"دييجو فرنانديز دي كوردوفا" و"جونزالو فرنانديز دي كوردوفا".
سُمي الحصن المدور "المدور ديل ريو" نسبة الى بلدية مقاطعة قرطبة موطن احد اروع وافضل القلاع في إسبانيا.
مالك ومرمم القلعة
ولد "دون رافائيل ديسميسيير وفارينا" في العام 1853، من الوالدين "دون ميغيل أنجيل ديمايسيير فيرنانديز دي سانتيلان" و"دونا جوزيفا فارينا بلاسينسيا"، وورث لقب "الماركيز التاسع لا موتيلا" و"الكونت الثاني عشر" لتورالفا وعمره 29 عاما.
قادته عقليته المستكشفة الفضولية الى ما كان شائعا في ذلك الوقت، كالقيام برحلات بعيدة جدا إلى وجهات مثل مدينة نيويورك أو بلدان مثل اليابان، فقام بتدوين ملاحظات كثيرة في دفاتر السفر الخاصة به، كما التقط صورا فوتوغرافية لـكل الزوايا والشقوق
المخفية.
ويمكن رؤية جزء من أرثه في الاستوديو الخاص به، وهو نسخة معادة لما يمكن ان تجده في الحصن. وحصل على مصنوعات يدوية كانت جميعها حكاية ذلك الزمان، مثل الدراجة وبعض الابتكارات الاخرى التي كانت تثير فضوله دائما، وأقام اول نادي تجذيف على نهر الوادي الكبير، وكان من بين اهتماماته اضافة للمسرح والرحلات.
في نهاية القرن التاسع عشر، زار كونت "تورالفا" الحصن المدور الجديد للمرة الاولى مع صديقه المفضل والمعماري " دون ألفونسو فرنانديز كازانوفا" لتفحّص وضعه الخرب. ولأهميته في تاريخ الاندلس واسبانيا، قررا أن يكرسا عملهما لأكبر مشروع في حياتهما، وانفقا الوقت والاموال لإعادة هذا النصب المذهل إلى مجده السابق والذي يتوج اليوم ليكون الموقع الرئيس لبلدية المودوفار ديل ريو.
بدأت اعمال الترميم سنة 1901، ركزت الأعمال في البداية على شق طريق باستخدام الديناميت والآلات الحفر لأنه لم تشق الطرق إلى القلعة سابقا. تعد هذه الخطوة الاولى، وبعدها يتم نقل الكتل الحجرية الضخمة التي قد يتم استخدامها في ترميم الجدران والاسوار والابراج، وقد اُستخرج ستة آلاف متر مكعب من الحجر لإنجاز عملية الترميم، واستمر العمل حتى اندلاع الحرب الاهلية.
امضى ثمانمئة عامل 36 سنة في العمل لإحياء النصب، رغم الازمة الاقتصادية، التي كانت تمر بها البلاد بسبب اندلاع الحرب العالمية الاولى والتغيرات السياسية المستمرة. ولسوء الحظ، لم يتمكن مهندس المشروع "دون أدولفو فرنانديز كازانوفا" وكونت "تورالفا" من رؤية إكتمال مشروعهما، لأنهما توفيا في عامي 1915 و1932 على التوالي. ولم يتوقع أحد اهمية عملهما، أو نتائجه التي ستصبح وجهةً للزوار من إسبانيا وبقية انحاء العالم، ما يعطي المدينة الشعور المتجدد بالفخر لأن هذا الرمز لا يزال قائما هناك حتى يومنا هذا.
عن موقع كاستيلو دي المودوفار