بغداد: حيدر فليح الربيعي
وعماد الإمارة
وسعت السلطة النقدية في العراق، جهودها الرامية إلى تعزيز قوة الدينار وتنويع الاحتياطات النقدية، بعد إصدارها الحزمة الثانية من التسهيلات الخاصة بالحصول على العملة الأجنبية، والتي نظمت خلالها عمليات تمويل التجارة الخارجية من الصين بشكل مباشر وبعملة اليوان الصيني، في خطوة فسرها عدد من المختصين بالشأن الاقتصادي، على انها بادرة قد تهدف إلى تقليل "هيمنة" الدولار على الاقتصاد العراقي.
التوجهات الحكومية وقرارات البنك المركزي، قوبلت بترحيب عدد من خبراء الاقتصاد، لاسيما قرار خفض بيع العملة الأجنبية مقابل الدينار، مؤكدين أنَّ تلك الخطوات من شأنها السيطرة على معدلات التضخم التي شهدت ارتفاعات واضحة نتيجة اعتماد السوق العراقية بشكل شبه كلي على المواد والسلع المستوردة، لافتين إلى أنَّ بقاء ارتفاع سعر الصرف الموازي، شأن مؤقت ناجم عن الظروف التنظيمية التي اتخذها المركزي في تسيير طلبات التحويل الخارجي التي تتقدم بها المصارف المحلية.
وعلى الرغم من "الحزمتين" اللتين أصدرهما البنك المركزي، وما رافقهما من إجراءات حكومية نجحت في اجهاض ارتفاع سعر صرف الدولار، بيد أنَّ العملة الأجنبية، ومنذ قرار بيعها بسعر رسمي يبلغ 1332 ديناراً، مازالت "تتسلق" مسجلة سعر صرف 153 ألف دينار لكل مئة دولار، الأمر الذي أثر (بحسب مراقبين) على النشاط التجاري وحركة بيع وشراء مختلف المواد في الأسواق المحلية، ما دفع البنك المركزي إلى تخصيص أرقام هواتف ساخنة لتلقي ملحوظات الجمهور وشكاواهم واستفساراتهم المتعلّقة بمنافذ بيع العملة الأجنبية الدولار.
الخبير الاقتصادي، نبيل المرسومي، علق على قرار المركزي القاضي بتنظيم تمويل التجارة الخارجية مع الصين بعملة اليوان، قائلا:ً"إنَّ العراق بدأ بتنويع احتياطاته النقدية قبل خمس سنوات لكن الغلبة للدولار لكون إيرادات النفط بالدولار ولا يملك سوى القليل من اليوان الصيني، إذ يحاول العراق اليوم إعادة قيمة الدينار من خلال ستراتيجية باتت تتبعها بنوك رسمية أخرى في الشرق الأوسط، تتضمن الاعتماد على عملة اليوان الصيني بهدف التبادل التجاري مع الصين، بالإضافة إلى اليورو الأوروبي، والدرهم الإماراتي والدينار الأردني".
ويرى المرسومي، أنَّ "السلطات العراقية تسعى إلى توفير عملات أجنبية أخرى للتعامل المحلي بجانب الدولار الأميركي، حيث أنَّ العديد من الدول باشرت اتخاذ ذات الخطوات التي يقوم بها البنك المركزي العراقي وأخرى بدأت تطبيقها فعلاً، إذ أصدرت السعودية قراراً يتضمن الحصول على اليوان الصيني بدلاً عن الدولار مقابل النفط الذي يباع للصين، فيما قررت مصر استبدال سندات الضمان بعملة اليوان بدلاً عن الدولار".
ورغم أهمية تلك الخطوات، بيد أنَّ المرسومي، أشار إلى أنه "وفي ظل تسعير النفط بالدولار ومادامت الصادرات النفطية هي المهيمنة على الصادرات العراقية، مع اختفاء للصادرات غر النفطية يصبح من المستحيل على العراق التحرر من الدولار، إذ يحتاج العراق في النهاية إلى الدولار للحصول على اليوان".
وعلى العكس من الرأي السابق، فأن الخبير الاقتصادي، نبيل جبار التميمي، أوضح في تصريح لـ"الصباح" أنَّ "الغاية من قرارات المركزي الأخيرة القاضية بتمويل التجارة الخارجية مع الصين بعملة اليوان، تهدف بالدرجة الأساس الى تمرير الحوالات بعيداً عن الدولار، واشتراطات تلك العملة".
وأشار التميمي، إلى أنَّ "البنك المركزي يستهدف من وراء تلك الخطوة تمرير حوالات بما قيمته 5-10 مليارات دولار مع الصين، لتمويل التجارة وتعزيز التبادل السلعي للقطاع الخاص العراقي" مبيناً أنَّ "المركزي العراقي سيستخدم لتلك العملية، الاحتياطات النقدية المتوفرة في البنوك الصينية، والتي تعادل قرابة مليار ونصف المليار دولار، والتي اتوقع تعزيزها مستقبلاً".
وفي السياق ذاته، أشاد المختص بالشأن الاقتصادي الدكتور أحمد الراوي، عبر "الصباح" بقرار تعديل سعر الصرف، واصفاً إياه "بالقرار السياسي الاقتصادي في الوقت ذاته، الهدف منه السيطرة على معدلات التضخم المتسارعة نتيجة ارتفاع الدولار وسياسي لمنع بعض المصارف من الاشتراك في نافذة بيع الدولار التزاماً بالقرارات الهادفة لمنع تهريب الدولار إلى الخارج" مبيناً في الوقت ذاته، أنَّ "بقاء الفجوة بين السعر الرسمي الجديد والسعر الموازي في السوق يأتي نظراً لان نافذة العملة قد اعتمدت التحويلات الالكترونية وهذا قد يحدد من يستطيع الحصول على الدولار الرسمي ومنهم صغار التجار والمواطنون، الأمر الذي سيدفعهم للجوء إلى طلب الدولار من السوق الموازية، وبالتالي ارتفاع
سعر صرفه".
كما أشار الدكتور الراوي، إلى وجود كتلة نقدية بالدينار العراقي تزيد عن 90 تريليون دينار معظمها لدى المواطنين، مبيناً أنَّ هذا الاكتناز سببه عدم ثقتهم بالنظام المصرفي العراقي وبالتالي يحاول المواطنون تحسباً لانخفاض الدينار أن يحولوا مدخراتهم إلى الدولار مما زاد الطلب على السوق الموازية، مقترحاً للسيطرة على استمرار ارتفاع سعر الصرف، العمل على تنويع النافذة لتشمل بعض المواطنين لغرض السفر ولبعض التجار الذين يتعاملون بالنقد أكثر من التحويلات الالكترونية مع تشديد الرقابة على عمليات التهريب وغسيل الأموال التي تعد السبب الأساس في الطلب على الدولار وارتفاع سعره .