أردوغان في مواجهة أصعب انتخابات

بانوراما 2023/02/27
...

 كريم فهيم وزينب كاراتاس 

 ترجمة: مي اسماعيل 

جاءت كارثة الزلزال الأخير في منطقة كهرمان مرعش جنوب غرب تركيا لتضع الانتخابات المقبلة في البلاد وسط مواجهة صعبة خلال الأشهر القليلة المقبلة؛ إذ كان الرئيس التركي "رجب طيب أردوغان" قد أطلق قبل حادثة الزلزال المأساوي موجة من الانفاق العام؛ ليساعد الملايين في وطنه من الرازحين تحت الصعوبات الاقتصاديّة، وكي يضمن أصواتهم لصالحه.  شملت المغريات التي استهدفت الطلاب والعاملين وأصحاب الأعمال ومسافري الرحلات اليوميّة وغيرهم الإعفاء الضريبي والقروض الميسّرة ودعم أجور الطاقة؛ وحتى التعهّد بعدم زيادة رسوم الطرق والجسور. سلط التغير السريع لظروفهم الضوء على المجازفة الانتخابية لأردوغان الذي هيمن على السياسة التركية لعقدين من الزمن، وتولى دور الوسيط المحوري خلال الحرب الروسية في أوكرانيا. ورغم مكانته داخليا وخارجيا؛ فإنّه يجد نفسه أكثر عرضة لتحدي المعارضة من أي وقت مضى؛ إذ يطالب الجمهور بالتغيير وجاء وقع الكارثة الطبيعية فضلا عن ارتفاع مستوى التضخم ليزيد من المعاناة.

إذ يعلق "بيرك إيسن" أستاذ العلوم الساسية بجامعة سابانجي/ اسطنبول بأن الاقتصاد اصبح ينخر قاعدة الرئيس. 

فقبل شهرين، ألغى أردوغان شرط عمر التقاعد، ليسمح لنحو مليوني عامل بالتقاعد مبكرا وتحصيل المعاشات التقاعدية؛ بعدما كان يعارض ذلك قبل سنوات. 

ففي أواخر عام 2019 وصف التقاعد المبكر بأنّه إجراء تدفع اليه جماعات الضغط الشائنة، وأنه عبء مالي ضخم للغاية لدرجة أعاقت الدول في أوروبا. ومضى قائلا حينها: "لن أشارك في أي شيء يضر بأمتي؛ حتى لو أدى بنا ذلك لخسارة الانتخابات".

 

ما قبل الزلزال

لكن الكثير قد تغيّر؛ فالرئيس وحزبه الحاكم "العدالة والتنمية" قد عانوا تراجع التأييد الشعبي خلال أزمة اقتصادية طويلة، تميزت بارتفاع كلف المصاريف الأسريّة وانهيار العملة. تلك المحنة أعطت فسحة لخصوم أردوغان السياسيين؛ إذ أظهرت استطلاعات الرأي أن بعض شخصيات المعارضة تتفوق قليلاً على الرئيس في الانتخابات المقبلة. يُنظر إلى الاقتراع هنا على أنه لعبة الحسابات المتقاربة؛ فالناخبون (بمن فيهم أعضاء ساخطون من قاعدة الرئيس نفسه) عرضة للاستمالة. وأعلن أردوغان مؤخرا ان الانتخابات (ومنها الانتخابات التشريعية) ستجري أواسط شهر أيار المقبل.  شملت التدابير الاقتصادية التي أُعلنت قبل الزلزال زيادة في الحد الأدنى للأجور حتى 450 دولار شهريا؛ أي ضعف الزيادة الممنوحة قبل سنة. وعرض أردوغان قروضا عقارية منخفضة الفائدة وألغى الفائدة على قروض الطلاب، وقدم حزمة دعم بقيمة 10 مليارات دولار للتجار. كما أعلن عن مشروع قانون سيسمح "للمواطنين والشركات" بإعادة هيكلة الديون المستحقة للحكومة، بما فيه إلغاء الغرامات الضريبية الصغيرة. ولم تقتصر المغريات على الاقتصاد؛ بل أعلن إلغاء عقوبات رخصة القيادة لجميع المخالفات باستثناء الأسوأ (مثل القيادة في حالة سُكر). 

يرى إيسن ان الاقتصاد.. "سيكون بالتأكيد القضية الأكبر في الانتخابات المقبلة؛ اذا كان بإمكان الرئيس التفكير في طريقة لمعالجة تلك الأزمة، وإفهام الناخبين بأنّه سينقذهم من الانهيار الاقتصادي". ومضى قائلا ان الرئيس قد يتمكن من إقناع الأعضاء الساخطين من معسكره بالعودة إلى جانبه؛ لا سيما خارج المدن الكبيرة، إذ يمكن للمال أن يذهب 

أبعد. 

وأضاف إيسن أنه منذ أواخر الصيف أظهرت استطلاعات الرأي ارتفاع شعبية أردوغان بضعة نقاط مئوية؛ وهو ارتفاع نسبه إلى عروض الحكومة الاقتصادية، وكانت تلك حسابات ما قبل الزلزال المدمر 

الأخير. 

ولكن بالنسبة لآخرين لم تُحدِث فورة الإنفاق الحكومي أي تأثير يذكر؛ إذ تقول "نورتين كايلاك" (44 سنة) إن الحد الأدنى للأجور الذي يكسبه زوجها بالكاد يغطي الإيجار؛ الذي ارتفع من نحو مئة دولار شهريا الى ثلاثمئة دولار خلال العام المنقضي: "هذا ما تواجهه تركيا، وسأصوّت بشكل مختلف هذه الانتخابات". 


لا بديل واضحاً

حظي اردوغان بمساعدة خصومه السياسيين حينما فشلوا بتسمية مرشح يتحداه ويمثل "بديلا واضحا"؛ بحسب إيسن: "أتيحت للمعارضة فرصة للتقدم؛ لكنهم فشلوا في ذلك". استخدم الزعيم التركي أيضا سلطات واسعة النطاق لمعالجة تحديات حكمه؛ بما فيها الحملة المستمرة منذ سنوات على وسائل الإعلام الإخبارية التي أعاقت التقارير المستقلة. كما جرى استهداف خصوم أردوغان السياسيين (بما فيهم عمدة إسطنبول "أكرم إمام أوغلو"، المؤيد للحزب الكردي وأحد المنافسين الأساسيين للرئيس) من قبل المدعين العامين. فقد حُكِمَ على خصمه بالسجن بتهمة "إهانة شخصيات عامة"؛ وهي اتهامات وصفتها جماعات حقوقيّة بأنّها ذات دوافع سياسية. ومن شأن تثبيت الحكم من قبل المحاكم العليا؛ منع رئيس البلدية من المناصب العامة ومن الترشح ضد أردوغان. 

تبقى عقابيل الزلزال المدمّر نقطة ضعف أساسية بالنسبة لأردوغان؛ فضلا عن التضخم الذي تجاوز 64 بالمئة في كانون الأول. ومع ارتفاع الأسعار بسبب الكارثة قاد التضخم الى.. "خسارة الأجور الحقيقيّة بنحو خمسة بالمئة" منذ عام 2019؛ بحسب "إيرينك يلدان" أستاذ الاقتصاد بجامعة قادرهاس في اسطنبول؛ قائلا: "لا يملك الناس أي آليات ضد التضخم". يعد يلدان ان استجابة الحكومة تمثل "تدخلات عشوائية وذات أهداف خاصة وغير منتظمة في سوق العمل؛ من حيث برامج دعم الأجور، والتي يكون تمويلها مشكوكا فيه للغاية". ويمضي قائلا؛ مشيرا الى المليارات التي تنفقها الحكومة: "سياسيا جرى تلوينها على أنها منحة من أردوغان.. امتنانا منه؛ ولكن من الناحية الاقتصادية من سيدفع هذه التكاليف في نهاية اليوم؟". يعد "متين أوزكان" (23 عاما، صاحب شركة مبيعات عبر الإنترنت) ان زيادة الحد الادنى للأجور لا معنى له؛ إذ ترتفع الاسعار كل بضعة شهور. أما النفقات الحكومية الاخرى (مثل برنامج التقاعد) فقد كانت "حملا وضِع على أكتاف 

الشباب". 

وفي حي الفاتح بإسطنبول، قال "إرسين فؤاد أولكو" (مدير سلسلة مطاعم، أربعين عاما) إن المساعدة الحكومية لم تواكب الأزمة وارتفاع الأسعار؛ مثل تلك الموجودة في قائمة مأكولاته التي ارتفعت 13 مرة خلال العام الماضي: "لم تعد هناك طبقة وسطى؛ بل الاغنياء جدا أو الفقراء جدا". يخطط أولكو للانتقال الى ألمانيا؛ لكن زوجته المحاسبة تعترض.. يقول أولكو انه يفكر بابنهما الصغير: "ستوافق زوجتي في نهاية المطاف، فالمستقبل هنا قاتم". 

صحيفة واشنطن بوست الأميركية