حرب أوكرانيا.. تداعياتها الاقتصادية طالت {أرجل الدجاج}

بانوراما 2023/02/28
...

 بول وايزمان وديفيد ماكهيو

 ترجمة: ليندا أدور

هنا أرملة في مصر تـكافح لتتمكن من شراء اللحم والبيض لأطفالها الخمسة، وذلك صاحب مغسلة ملابس في المانيا يشعر بالسخط وهو ينظر الى فاتورة الطاقة الخاصة بمغسلته، وقد قفزت خمسة أضعاف المبلغ المعتاد، وتلك مخابز في نيجيريا أغلقت أبوابها، بعد أن عجزت عن تحمل الارتفاع الكبير في أسعار الدقيق. 


هكذا بدا المشهد بعد مرور عام على الحرب الروسية الأوكرانية، التي اندلعت شرارتها في 24 من شباط 2022، لتتسبب في معاناة شاملة، لا يزال الاقتصاد العالمي يعاني من عواقبها، والمتمثلة بقلة إمدادات الحبوب والأسمدة والطاقة، الى جانب التضخم والارتياب الاقتصادي في عالم كان يواجه الكثير من كليهما، بالفعل.


اللحم والبيض.. كماليات

بالقدر الذي كان فيه تأثير الحرب قاتما، كان العزاء الوحيد هو أن الشركات والدول المتقدمة أثبتت قدرتها على الصمود، اذ تمكنت، حتى الآن، من تجنب السيناريو الأسوأ للركود الشامل، لكن لدى الاقتصادات الناشئة، فقد كان الأمر أكثر إيلاما. ففي مصر، حيث يعيش نحو ثلث السكان تحت خط الفقر، تكافح حليمة ربيع، أرملة بعمر 47 عاما، منذ سنوات، لإعالة أطفالها التلاميذ الخمسة، واليوم، تلجأ لخفض الانفاق على أكثر مواد البقالة الأساسية وسط إرتفاع مستمر للأسعار، تقول ربيع وهي متجهة لعملها كمنظفة في مشفى حكومي بالقاهرة: "أصبح الوضع لا يطاق، اللحم والبيض باتا سلعاً كمالية".  

يقول آدم بوسن، رئيس معهد بيترسون للاقتصاد الدولي، بأن الحرب "كارثة إنسانية، لكن تأثيرها في الاقتصاد العالمي يمكن أن يكون صدمة عابرة". مع ذلك، لا تزال الحرب، تتسبب بالمعاناة، في نواح عدة، كبيرة أو وصغيرة. ففي أوروبا، لا تزال أسعار الغاز الطبيعي، متصاعدة بمقدار ثلاثة أضعاف ما كانت عليه قبل الحرب. يواجه "سفين بار"، الذي يدير مغسلة ملابس بوالدورن، جنوب غربي ألمانيا، زيادة مبالغ فواتير الغاز لهذا العام لتصل الى 176 ألف دولار أميركي- مرتفعة عن 32 ألف دولار العام الماضي- واللازمة لتشغيل 12 ماكنة للخدمة الشاقة التي يمكنها غسل ثمانية أطنان من الملابس يوميا. ورغم ذلك، نجح "بار" بالاحتفاظ بزبائن مغسلته بعد أن عرض عليهم فواتير الطاقة، "فلنأمل خيرا، بأنها لا تزال تعمل حتى الآن".


بدائل عن الخبز

في ما يخص المطاعم والفنادق قفد فضل العديد منها اغلاق أبوابه خلال الشهر الحالي، بدلا من دفع تكاليف التدفئة لأنه موسم يشح فيه الزبائن. 

كما تسبب الارتفاع الكبير بأسعار المواد الغذائية بزيادة معاناة الفقراء، بشكل خاص، اذ عطلت الحرب توريد القمح والشعير وزيت الطهي من كل من أوكرانيا وروسيا، الموردين العالميين الرئيسيين لإفريقيا والشرق الأوسط وأجزاء من آسيا، حيث يعاني الكثير من انعدام الأمن الغذائي، فضلا عن أن روسيا تعد أكبر مورد للأسمدة. 

تعد مصر أكبر مستورد للقمح في العالم، ورغم حصول "حليمة" على وظيفة ثانية في عيادة طبيب، براتب نحو 170 دولارا، ما زالت تكابد لتأمين لقمة العيش. 

وتنوه بأنها اقتصرت على طبخ اللحم لمرة واحدة في الشهر، واستخدام منتجات جانبية ارخص ثمنا، رغم صعوبة العثور عليها، لضمان حصول أسرتها على البروتين اللازم. "حتى أرجل الدجاج ارتفع سعرها"، تقول حليمة في تعليقها على حث الحكومة الشعب على تجربة تناول أرجل وأجنحة الدجاج كمصدر بديل للبروتين، وهو إقتراح قوبل بحملة ازدراء، لكنه أدى الى

ارتفاع الطلب عليها.

في نيجيريا؛ أكبر مستورد للقمح الروسي، تصاعد متوسط أسعار المواد الغذائية فجأة بنسبة 37 بالمئة العام الماضي، فارتفعت أسعار الخبز وسط شح في القمح، وأغلقت ما لا يقل عن 40 بالمئة من مخابز العاصمة، أبوجا، أبوابها بعد ارتفاع أسعار الدقيق بنسبة 200 بالمئة. يقول منصور عمر، رئيس جمعية الخبازين: "توقف الكثيرون عن تناول الخبز، وبدؤوا البحث عن بدائل له بسبب كلفته العالية".


shrinkflation هي الحل

وفي إسبانيا، تنفق الحكومة 300 مليون دولار تقريبا لمساعدة الفلاحين في الحصول على الأسمدة بعد تضاعف أسعارها بسبب الحرب. كل ما تقدم يعني تباطؤ الإقتصاد العالمي، فقد خفض صندوق النقد الدولي توقعات النمو هذا العام والعام الماضي بما يعادل ترليون دولار بصيغة إنتاج مفقود. 

وما زال الاقتصاد الأوروبي يعاني من "رياح معاكسة" رغم انخفاض أسعار الطاقة. يشير صندوق النقد الدولي الى أن أسعار المستهلك ارتفعت في الدول الغنية العام الماضي بنسبة سبعة بالمئة، متجاوزة نسبة توقعات شهر كانون الثاني لعام 2022 عند نحو أربعة بالمئة، بينما بلغت نسبة ارتفاع أسعار المستهلك في الدول الفقيرة 10 بالمئة.

الى جنوب شرقي آسيا، حيث يدرك العديد من باعة الشوارع في العاصمة الأندونيسية، جاكارتا، بأنه لا يمكنهم تحميل ارتفاع أسعار المواد الغذائية الى زبائنهم الذين يعانون ذلك بالفعل، لذا لجأ البعض الى إتباع ما يسمى بـ" shrinkflation" (طريقة لرفع الأسعار دون رفع سعر المنتج أي يبقى المنتج كما هو لكن حجمه يتقلص أو يقل). يقول موكروني (52 عاما)، يدير كشك طعام في الشارع بأن الكيلوغرام الواحد من الأرز كان يكفي لثماني حصص: "لكننا اليوم صرنا نحضره ليكفي عشر حصص"، مضيفا "إذا ما رفعت الأسعار فسيترك زبائني الكشك"، معربا أن أمله بحلول السلام، "لن يفوز أو يخسر أحد، لأن الجميع هم ضحية لهذه الحرب".


*وكالة الأسوشييتد برس