بغداد: عواطف مدلول
تصوير: صباح الامارة
تحت جسر جامع النداء، وبين جدران معتمة في غرفة تكاد تكون مظلمة لا يصلها ضوء الشمس، بدأت عائلة (ابو محمد) حياتها الجديدة العام 2015، ومنذ ذلك الحين غادرت الاحلام نومها، فالهلع أصبح سيد الموقف، كلما مرت السيارات وخصوصا شاحنات (اللوري) من فوقها، وتسببت بإحداث أصوات جراء اهتزاز الجسر، بطريقة يتحول فيها هدوء الليل إلى كابوس يثير الفزع والقلق.
إذ إن (ابو محمد) الذي تجاوز العقد السادس من عمره بثلاث سنوات، وكان يعمل سابقا بـ(الصحيات المنزلية) لا يمتلك متراً واحدًا في البلد، وقد قضى حياته، وهو يتنقل بين بيوت الايجار وبعد أن كبر أولاده، هناك من تزوج وخرج للسكن بمفرده، مختارا الاستقلالية وتحمل مسؤوليه نفسه واسرته الجديدة، وللتخفيف عن كاهل والده الذي تعرض في السنوات الاخيرة لحالة مرضية صعبه، أقعدته الفراش وتسببت في إصابة إحدى عينيه بالعمى.
فبعد مغادرة أسرة (ابومحمد) الشقة بالعمارة التي كانت تسكن فيها بمنطقة باب المعظم، حيث تحولت إلى مخزن للبضائع على اثر بيعها من قبل صاحبها لتاجر آخر، وتمَّ إخراج الأسر منها، لم يتخلَ الناس عن مساعدتها خاصة أبناء المنطقة، لأنهم يعرفون الوضع المادي لها، فساهموا في بناء غرفة اخرى و(هول) وخدمات صحية من(البلوك)، لكي يتسع المكان لعدد أفراد الأسرة، التي اصبحت مؤلفة من ثلاثة أولاد وبنت مع
الأبوين.
حيث نصحهم الجميع قبل أن يلجؤوا لاختيار هذا المكان إلى السكن في بيوت العشوائيات (الحواسم) القريبة من جامع النداء، والتي يحسب فيها الايجار بحدود الـ( 100) ألف دينار عراقي، وربما أكثر خلال
الشهر.
وقد تميزت ببنائها الحديث، لكنهم اضطروا للسكن تحت الجسر، لعجزهم عن دفع مبلغ الايجار، خاصة بعد أن تدهورت في السنوات الاخيرة الحالة الصحية لـ(ابو محمد)، التي تتطلب اجراء عدد من العمليات الجراحية، وتكلف مبالغ لم يتمكنوا حتى الآن من توفيرها
ومعالجته.
أبناء (ابو محمد) اثنان بعمر العشرينيات، يعملان بأجرة سائقي (كوسترات) حافلات نقل الركاب لها اصحابها، ومتفرغان في أغلب الوقت لخدمة والدهما، اما البنت منفصلة وتعمل (منظفة) بإحدى المدارس براتب محدود جدا، والوالدة غادرت الحياة قبل عدة اشهر، على اثر الوضع الاقتصادي المتردي وسوء الأحوال بذلك المكان، الذي تجوب فيه الجرذان والحشرات، ويفتقر إلى أبسط الظروف المعيشية الآمنة.
ابو محمد مغيب حاليا عن الواقع، لأنه ما زال منتكسا جراء أمراضه العديدة، ما جعله يشكو الحاجة والعوز، وعدم المقدرة على توفير حياة كريمة له ولأبنائه خلال سنوات طويلة، أبناؤه الذين بدورهم ورثوا الفقر، وتحملوا قسوة الأزمات التي مرت على بلد لم يستطع أن يحمي شبابه منها، وينقذهم بإيجاد حلول تمنحهم بعضاً من حقوقهم الانسانية، فكان الإهمال نصيبهم، بدلا من توفير فرص عمل لهم تمكنهم من تحقيق فارق ولو بسيط بحياتهم، قد يسهم في إخراجهم من الظلمة إلى النور.
الجدير بالذكر أن بيت (ابو محمد) لم تفكر أي منظمة تطوعية أو جهة حكومية مختصة بزيارته، وأن أفراد تلك الأسرة، لم يسبق لهم شمولهم برواتب وزارة العمل والشؤون الاجتماعية، لذا قصدتهم جريدة «الصباح» لنشر حالتهم هذه، عسى ولعل أن يطلع عليها، ويلتفت لها اصحاب القرار والسلطة في الوزارات والمؤسسات المعنية، فتنال بعضاً من اهتمامهم
ورعايتهم.