السكان الأصليون لأميركا... قصة {عصر الاستكشاف}

بانوراما 2023/03/01
...

 كارين رولف

 ترجمة: كريمة عبد النبي

صدر مؤخرا كتاب تاريخي يعكس قصة "عصر الإستكشاف"، الذي طالما أثار مطامع الأوروبيين نحو القارتين الأميركيتين وليس العكس.

ففي العام 2006، استجابت ملكة بريطانيا اليزابيث الثانية لشكوى تم تقديمها في الأصل الى سلفها الملك جورج الثاني خلال القرن الثامن عشر، واستقبلت وفداً من قبيلة الموهيغان، ووافقت على التماس كان قد قدمه "ساكيم ماهوميت" و"يونومون" الذي تضمن الطلب من التاج البريطاني للاعتراف بالأزمة، التي أثارها الاستيطان البريطاني لأراضي القبيلة والمعروفة حاليا باسم "كونكتيكات".

لم يتمكن ويونومون من تقديم الالتماس، الذي قدمه سنة 1632. إذ توفي قبل لقاء اللجنة الملكية، التي تم تعيينها آنذاك لهذا الغرض. ولكونه رجلا أجنبيا منعت السلطات البريطانية دفنه في لندن ليوارى الثرى خارج المدينة.

وبعد قرنين من الزمان، وافقت الملكة اليزابيث على طلب قبيلة الموهيغان لإنشاء نصب تذكاري لـلراحل "يونومون" تخليدا لذكراه، ووضع النصب وسط كاتدرائية ساوثورك بالقرب من قبره المندرس في 22 تشرين الثاني 2006. وترأست الملكة الاحتفالية، التي أقيمت لوضع النصب التذكاري، كما تسلمت نسخة من الإلتماس الأصلي الذي قدمه ويونومون، مع غليون مصنوع من الحجر الأحمر، قدمه لها وفد القبيلة.

يتناول كتاب "عصر الاستكشاف" قصة ويونومون؛ الرجل الأميركي الأصلي الذي قام برحلة الى شرق أوروبا. والقصة تقدم الأحداث بطريقة مخالفة للفرضيات العامة، التي كانت سائدة آنذاك حول السكان الأصليين والاستعمار.


بداية القصة.

تدور قصة "عصر الاستكشاف"، التي جرت أحداثها بين القرنين الخامس عشر والسادس عشر عن طموح الأوروبيين للقيام بعمليات بحث واستكشاف نحو الغرب باتجاه الأميركيتين وليس العكس. وخير مثال على ذلك هو كريستوفر كولومبوس، الرحالة والمستكشف الإيطالي الذي ينسب اليه اكتشاف العالم الجديد عندما أبحر سنة 1492 ضمن أول رحلة من أربع رحلات قام بها التاج الاسباني.

لم يكن كولومبوس الوحيد الذي أبحر باتجاه الغرب في رحلات استكشافية، بل قام بذلك كل من الرحال الاسباني هيرتان كورتييه، والبرتغالي فاسكودي غاما، والإنكليزي السير والتر رالاي والفرنسي جاك كارتيير.

وبرغم الجهود التي بذلت لتغيير فهم الناس حول فترة الاستكشافات والاحتفال باليوم العالمي للسكان الأصليين بدلا من يوم كريستوفر كولومبوس، فإنَّ هذا الحدث سلط الضوء على الإرث المدمر للاستعمار.

وفي كتابها "على السواحل الوحشية.. كيف اكتشف الأميركان الأصليون أوروبا"، عكست الكاتبة كارولين بينوك ما كان يتكرر كثيرا بأن أوروبا كانت تبحث عن الاستكشاف غربا نحو الأميركيتين عبر تسليط الضوء على رحلة ويونومون الى بريطانيا، بوصفها جزءا من تاريخ طويل لعبور السكان الأصليين في أميركا للمحيط الأطلنطي باتجاه الشرق.

وقد أوضحت استاذة التاريخ من جامعة شفيلد البريطانية؛ كارولين بينوك؛ أن عشرات الآلاف من سكان أميركا الأصليين سافروا الى أوروبا بعد العام 1492 سواء من الدبلوماسيين والقادة أو الأيدي العاملة من العبيد أو زوجات وأطفال الرجال الأوروبيين، فمثلا كان ابن كورتييه، وا

اسمه مارتن، ولد في مدينة مكسيكو سنة 1522. وأمه من السكان الأصليين لأميركا وإسمها "لامالينشي". وغادر إلى اسبانيا وهو طفل صغير لينشأ كرجل اسباني من طبقة النبلاء.

وخلال وظيفته ضمن السلك العسكري، كان هذا "الفارس من السكان الأصليين"، بحسب وصف بينوك، يذهب بين الحين والآخر الى المكسيك لزيارة أسرة والدته.


رحلة نحو الشرق

كانت تجربة مارتن في أوروبا مختلفة تماما عن حياة معظم سكان أميركا الأصليين، الذين يغادرون الى القارات الأخرى ويعملون كعبيد، وغالبيتهم يلاقون حتفهم بسبب الأمراض كالجدري وغيره. 

في عام 1528 عاد كورتييه، والد مارتن، الى إسبانيا للمرة الأولى بعد هزيمة الآزتيك (شعوب أصلية للمكسيك)، ومعه عدد كبير من الحيوانات والطيور والأموال وكذلك عدد من السكان الأصليين بضمنهم بهلوانات، ومشعوذون، وفنانون فضلا عن نبلاء من السكان الأصليين الذين سافروا معه. وقد توفي بعضهم في اسبانيا. ومثل هذه القصص تشير الى المدى الذي ذهبت اليه فرضيات المؤرخين بأن الأوروبيين كانوا الوحيدين الذين عبروا المحيط الأطلسي لإستكشاف عوالم جديدة. 


قصة كتاب

تقول بينوك إن كتابها يتحدث عن فترة يظن الكثيرون أنهم على معرفة واسعة بها وبفترة "الثيودوريين" والعصر الاسباني الذهبي، لكن ما يجهله البعض أن فترة الملك البرازيلي، كما يشار إليه في المصادر، كانت هي فترة هنري  الثامن. وأضافت بينوك: "من المهم أن ندرك أن السكان الأصليين لأميركا كانوا يقصدون أوروبا، ولم يكن الأوروبيون وحدهم من يذهبون باتجاه الأمريكتين. وقد شاركوا في أوروبا مع السكان البيض بأعمال التجارة والدبلوماسية، فضلا عن العمال العبيد، وهم الموضوع الرئيس لكتابي هذا"، مضيفة أن كتابها يتناول فترة جيمستاون (مستعمرة بريطانية في ولاية فرجينيا تأسست عام 1607 كأول مستعمرة بريطانية في أميركا الشمالية بعد عدة محاولات سابقة فاشلة- المترجمة).

وبينت بينوك ضرورة تسليط الضوء على الفترة المبكرة التي شكلت بدايات العولمة، لأنه لم يتم تقديم دراسات عن تلك الفترة. وهكذا، مضيفة: "سلط هذا الكتاب الضوء على تلك القصص التي تتناول المسافرين الأميركان الأصليين

وتقديم صور لحياتهم خلال تلك الفترة".

وأشارت بينوك الى أن كتابها أصبح مصدرا أكاديميا حول شعب أميركا الوسطى الذين ارتحلوا الى اسبانيا. 

وتعد قضايا الحرية آنذاك المصدر الرئيسي للعديد من المؤلفات التي تمت كتابتها عن السكان الأصليين الذين عانوا من العبودية. وتقدم قضايا الحرية فرصا قليلة لسماع أصوات السكان الأصليين الذين رحلو نحو الشرق.  

ومن خلال كتاب بينوك نعرف كيف انتشر السكان الأصليون لأميركا في ريف أوروبا، مثل ساحل النورماندي لفرنسا، والبرتغال وأنتويرب في انكلترا.

مؤخرا، بدأ عدد من الباحثين من أمثال أوليف أوتيل، وديفيد أولوسوغا، وامتياز حبيب وغيرهم تحويل نظرتهم الى أوروبا، من خلال العمل على تناول السكان السود وذوي الأصول الأفريقية في أبحاثهم، لكنهم لم يعملوا بشكل كامل على تناول السكان الأصليين لأميركا في 

أبحاثهم.

عن مجلة 

سميثسونيان 

الأميركية