ميادة سفر
يحتفي العالم في الأول من شهر آذار\ مارس من كل عام باليوم العالمي للدفاع المدني، وهو اليوم الذي اعتمدته الأمم المتحدة تقديراً منها لما تقوم به أجهزة الدفاع المدني من جهود للحفاظ على أمن وسلامة المجتمعات أثناء الكوارث الطبيعيَّة والحروب، والعمل على التقليل قدر الإمكان من الخسائر البشريَّة التي تشكّل صلب عملهم والهدف الأسمى الذي يسعون إليه ويجهدون لإعلاء شأنه.
تزامن اليوم العالمي للدفاع المدني هذا العام مع الكارثة الإنسانيَّة التي ضربت سوريا وتركيا نتيجة الزلزال المدمّر الذي أتى على آلاف من الضحايا وكثير من الدمار، فكان لافتاً الاندفاع الكبير الذي لبى به متطوعو الدفاع المدني من أكثر من بلد في العالم الواجب الإنساني، لمساعدة البلاد المنكوبة لعلهم يتمكنون وتمكنوا من إنقاذ أرواح السكان العالقين تحت الأنقاض، وكم كانت فرحتهم كبيرة حين استطاعوا إنقاذ أحدهم سواء كان طفلاً أو شاباً بعد أيام على الكارثة، لأنّهم لم يفقدوا الأمل بالحياة وكان لهم ما تمنوه.
تعد أجهزة الدفاع المدني ما يمكن تسميته "الجيش الإنساني" الذي يقف على طرف النقيض من الجيوش العسكريَّة للدول لا سيما في فترات الحروب والقتال، ففي حين تؤدي المعارك العسكريَّة التي تشنها الجيوش التابعة للدول إلى قتل وتشريد وتدمير، يبرز الجيش الإنساني ممثلاً بالدفاع المدني ليخفف ما استطاع من المعاناة ويساعد في درء الخطر عن البشر ولملمة جراحهم وإنقاذهم من الموت.
ينطلق أفراد الدفاع المدني في كل دول العالم من منطلق إنساني بحت، فلا شيء يملي عليهم واجبهم سوى إنسانيتهم وإيمانهم بحق الجميع بالحياة والأمان والسلامة، وكثيراً ما يكونون متطوعين لا ينتظرون أيَّ مقابل مادي لقاء ما يقومون به من عمل وما يبذلونه من جهد وما قد يتعرّضون له من مخاطر، يكفيهم كلمات الشكر والمشاعر الكبيرة التي يغمرهم بها أناس منحوا فرصة أخرى للحياة على أيديهم.
ولا يقتصر عمل أجهزة الدفاع المدني ضمن الحدود الجغرافية للدولة التي يتبعونها، بل يتعداها إلى أي مكان على كوكب الأرض بحاجة للمساعدة، وهذا ما يلاحظ من الكوارث الطبيعيّة ومنها الزلزال الذي ضرب البلاد مؤخراً، حين رأينا عشرات وربما مئات المتطوعين من الأفراد جنباً إلى جنب من قوات الدفاع المدني السوري وهم ينقذون ما أمكنهم من ضحايا أو ينتشلون جثث من قضوا تحت الأنقاض، مقدمين كل خبراتهم وأجهزتهم ومحبتهم للإنسان من دون أي اعتبار للخلافات السياسيّة أو الاجتماعيّة أو الدينيّة.
يعمل أفراد الدفاع المدني على إعلاء شأن الإنسان والإنسانيَّة في كل العالم، إذ يقومون بعملهم بكل حيادية وتعاطف وتضامن من كل الضحايا أياً كان انتماؤهم العرقي أو الإثني أو الديني، وبغض النظر عن أية خلافات سياسية بين الدول التي يتبعون لها، لكل ذلك لا بدَّ بل يجب على الدول أن تولي هذه الأجهزة كثيراً من الاهتمام والرعاية والدعم، بدلاً من أجهزة أخرى تحرّض على قتل الإنسان وتسهم فيه، لعلنا نقدّر يوماً الفرد كإنسان مجرداً من أي انتماء سوى الإنسانيّة، وحينها نتمكن من درء الخطر والتقليل من الحروب والعيش بسلام.