مدينة حمص السوريَّة علامةٌ فارقةٌ في الكنائس المميّزة
سريعة سليم حديد
مدينة حمص تقع وسط الدولة السوريَّة، وتعد واسطة العقد لما تحتويه من أهمية الموقع وجمال المشهد، فهي غنية بآثارها المشهورة والمتعددة وأهمها القلاع والقصور والجوامع والحمامات، ونخص بالذكر الكنائس والأديرة، حيث نجدها منتشرة في المدينة وقراها، وتعد شاهداً على التاريخ العريق الذي ترك بصماته المميزة فيها.
كنيسة "أم الزنار"
تعد كنيسة "أم الزنار" من أهم الكنائس في حمص، ومن أقدمها في العالم، واسمها الرسمي كاتدرائية السيدة العذراء، تقع في حي الحميديَّة، ولهذه الكنيسة مكانتها المميزة لدى سائر الطوائف المسيحيَّة، كما لها أهميتها الكبرى من الناحية السياحيَّة.
بنيت الكنيسة في منتصف القرن الأول الميلادي عام 95 م على يد إيليا أحد تلامذة السيد المسيح، وقد كانت بلاد الشام تعج بالوثنيَّة، فتمَّ بناء الكنيسة سرّاً في قبو تحت الأرض، وراح الناس الذين يرتادون إليها يقيمون الشعائر الدينية خفية أيضاً، لأنَّ فكرة طرح دين جديد في ذلك الوقت ستخلق الكثير من المشكلات لديهم. وبعدما وقعت المنطقة تحت حكم الرومان الذين يعتنقون الديانة المسيحيّة، أخذت الكنيسة بالظهور، وأصبحت مقراً للأبرشية التي اختارت مدينة حمص لتكون مركزاً لها. وبعد عام 313 م بنى المسيحيون كنيسة فوق الكنيسة الأصلية، فاستخدموا الحجارة السوداء التي تتميز بها أرض حمص، وتم البناء على الطريقة البيزنطيَّة.
كانت الكنيسة في أواسط القرن العشرين مقر بطريركية أنطاكية وسائر المشرق للسريان الأرثوذكس، وأصبحت بعد انتقال الكرسي البطريركي إلى دمشق العاصمة مقر أبرشية حمص وحماة للسريان الأرثوذكس. والكنيسة الآن مقر المطرانية السريانية ومركز مهم لكثير من الزوار المسيحيين.
- تتميز الكنيسة بجمال أقواسها، وفن بنائها الحجري القديم، وقناطرها الرائعة، أما سقفها، فقد صنع من الخشب، وفيها ستة عشر عموداً، ثمانية في وسط الكنيسة، والبقية مدعمة بالجدران، ويوجد فوق باب الكنيسة صورة للسيدة العذراء، وفوقها برج صغير أعلاه قبة نصف دائريَّة، أما باب الكنيسة الرئيس، فهو مصنوع من الخشب وملون باللون البني الفاتح.
تحتوي الكنيسة على نبع ماء مقدّس، عمقه عشرون متراً، ويلحق بالكنيسة مزار خاص يعرض فيه زنار السيدة العذراء.
- سبب تسمية الكنيسة بأم الزنار: هناك روايات عدة تدور حول سبب تسمية الكنيسة بهذا الاسم، لكنها بالمجمل تصب في منطق وجود زنار السيدة العذراء في الكنيسة ذاتها، ومن تلك الروايات:
ــ رؤيا القديس توما بعد وفاة السيدة مريم العذراء بثلاثة أيام، حيث رآها تصعد إلى السماء محمولة في موكب ملائكي عجيب، فأخذ بركة الجسد الطاهر، وطلب علامة، ليبين لإخوته التلاميذ، حقيقة صعود العذراء بلا جسد إلى السماء، فأعطوه "الزنار المقدس"، فبقي الزنار معه حتى وفاته حيث دفن الزنار مع رفاته في الهند، ونقل بعدها رفاة القديس توما إلى مدينة الرها فضلا عن الزنار، ومن ثم إلى مدينة حمص سنة 476 م. فتم الاحتفاظ بالزنار، وسميت الكنيسة بأم الزنار.
- زنار السيدة العذراء، طوله 74 سم وعرضه 5 سم، وهو مصنوع من خيوط الحرير الطبيعية ومطرز بخيوط الذهب، ولونه يميل إلى البيج الفاتح. وجد في علبة أسطوانية من الفضة، كانت في جرن ضمن مذبح الكنيسة، وذلك وفق وثائق خفية عثرت عليها البطريركية بإشراف البطريرك إفرام برصوم، وتم ذلك في الخمسينيات من القرن الماضي، فقد تواصل مع الجهات المختصة لإجراء عمليات التنقيب، وتم الكشف عن الزنار في سنة 1953.
كنيسة السيدة العذراء القديمة
ــ أما كنيسة السيدة العذراء القديمة فتعد من أقدم كنائس حي زيدل في حمص. بناؤها مربع الشكل وسقفها بُني على طريقة العقد الحجري، وجدرانها من الداخل عليها رسومات مميزة، وقبةُ هيكلها مرسومةٌ على شكل سماء تزيّنها النجوم.
تشهد هذه الكنيسة سنويَّاً زيارات من السياح وأبناء المنطقة خاصة في آواخر الشهر المريمي حيث يحتفل الناس بإقامة الشعائر الدينيّة الخاصة بهم، كما وتعد كنيسة السيدة العذراء القديمة من أقدم كنائس زيدل، وقد كان اسمها سابقاً مار جرجس.
- لقد طرأت عليها مراحل عدة من الترميمات، فظهرت أقواس وتيجان حجريَّة جميلة على شكل صفين فوق بعضهما البعض مبنية من الحجر الأسود تتداخله بعض الحجارة البيضاء التي نزعت واستبدلت بأخرى سوداء، كما استبدل جدار الهيكل بجدار حجري من الحجر الأسود. وبنيت قبة جرس ثانية بعد أن كان يوجد جرس واحد فقط. وتمت تغطية القبة الضخمة بالقرميد، كما رسمت في الكنيسة خمس لوحات موشاة بماء الذهب: أربع على جدار الهيكل تمثل القديسين السريان والسيد المسيح والسيدة العذراء والخامسة لوحة ضخمة موجودة على قنطرة الهيكل بشكل قوس تمثل العشاء السري.
كنيسة سيدة النجاة
هي أحدث وأكبر كنيسة في زيدل بُنيت في أوائل الستينات من القرن الماضي لتتسع للمسيحيين الذين لم تعد كنيسة السيدة القديمة تتسع لهم.
ــ بناؤها مستطيل هندسي ذو واجهة جميلة من الجهة الغربية، فضلا عن مدخل في منتصف جدارها الجنوبي، وهي تتسع لمئات المصلين الذين يتواجدون فيها خاصة في عيد انتقال السيدة العذراء الذي يصادف في 15 آب من كل عام، إذ تقام الصلوات والشعائر الدينيَّة، ويتم الصوم قبل الاحتفال بأربعة عشر يوماً، إذ يصوم الناس عن اللحم ومنتجات الألبان. هذا الصوم هو رابع أطول صوم في السنة بعد الصوم الكبير قبل عيد الفصح وصوم ما قبل عيد ميلاد السيد المسيح. يحتفل بهذا العيد في قرية زيدل سنويّاً في كنيسة سيدة النجاة وخاصة مع قدوم المغتربين، حيث مناسبة انتقال العذراء الى السماء نسبةً إلى التقليد الروماني الكاثوليكي والتقليد الشرقي
الارثذوكسي.
التطورات التي طرأت على الكنيسة:
تلبّست جدران الكنيسة من الخارج بالرخام الأبيض، وأعيد طلاء الكنيسة مجدداً بعد أن زيّنت من الداخل بزخارف جميلة، واستبدل المذبح القديم بآخر حجري كما في الأديرة المسيحية القديمة، وكذلك رُسم على جدار هيكل الكنيسة الخارجي والداخلي رسومات ذات طابع سرياني أصيل تشبه رسومات الأديرة السريانيَّة القديمة، وهي تمثل السيد المسيح وأمّه مريم وتلاميذته الاثني عشر، فضلا عن معلمي الكنيسة ومشاهد لمعجزات السيد المسيح وحوادث عدة ذكرت في الكتاب المقدس كقيامة السيد المسيح وانتقال السيدة العذراء والميلاد المقدس وغير ذلك، كما رسم على جوانب الهيكل ملائكة فضلا عن كتابات سريانية، عكست جوانب مهمة توضح طبيعة الكتابة السريانية الرائعة. ومن اللافت بناء مركز للتعليم الديني ومقر لسكن الراهبات اللواتي يقمن بتعليم أطفال المركز أصول التربية المسيحية.
ــ وما يلفت الانتباه استخدام تسمية مار الياس لأكثر من كنيسة في أماكن متفرقة سواء في حمص المدينة أم في قراها، نجد مثلاً: كنيسة مار الياس في قرية كفربو (كفربهم) وكنيسة مار الياس في منطقة القصير وكنيسة مار الياس للسريان الأرثوذكس في قرية فيروزة.. فضلاً عن تسمية بعض الأديرة بالاسم ذاته.
كنيسة مار الياس الحي
تقع هذه الكنيسة في بلدة كفربهم "كفربو" التابعة إدارياً إلى محافظة حماة، وهي تعد امتداداً جغرافياً لقرى حمص الشمالية.
ــ تم تشييد هذه الكنيسة في عام 1948 وتحتوي على مركز للتعليم الديني هذا المركز تتم فيه مجموعة من الأنشطة والفعاليات الدينية والاجتماعية والترفيهية المختلفة. ويوجد في ساحة الكنيسة تمثال للسيدة العذراء يبلغ ارتفاعه مع قاعدته ما يقرب من 4,5 متر.
ــ أهم الأعياد التي تحتفل بها كنيسة مار الياس الحي: عيد الفصح والميلاد وعيد شفيع الرعية وعيد القديسة بربارة.
ــ الكنيسة مبنية على شكل صليب، مساحتها تقدر بخمسمئة متر مربع، وفي عام 2005 تمَّ بناء الايقونسطاس وتزيينه بالأيقونات البيزنطية الجميلة. وفي الأعوام الأخيرة تمَّ تزيين الجدران الداخلية بالأيقونات وقبة الكنيسة زيّنت بأيقونة الضابط، وتمَّ هذا بهمة مجموعة من مغتربي الرعية في العالم. كما يوجد بناء للتعليم الديني عبارة عن ثلاثة طوابق، يقوم بتقديم خدماته لأكثر من ثمانمئة طفل من أطفال البلدة. كما تمَّ بناء الصالة الكبيرة لخدمة الرعية، وهناك بناء منزل لخوري الرعية يوجد ضمن حرم الكنيسة.
كنائس حمص
ــ كنيسة أم الزنار في محافظة حمص. حي الحميدية، وكنيسة مار الياس في عين الراهب وكنيسة القديس بطرس في قرية مرمريتا، وكنيسة سيدة النجاة في حي زيدل وكنيسة السيدة العذراء في زيدل أيضاً وكنيسة مار تيواداروس وكنيسة مار جرجس وكنيسة مار برصوم وكنيسة مار ميخائيل وكلها في قرية صدد التي تقع في الريف الشريقي من مدينة حمص، وهناك أيضاً كنيسة مار يوسف – الحفر، وكنيسة مار برصوم، الحفر - محافظة حمص وكنيسة سيدة البشارة الشحارة وكنيسة القديس جاورجيوس في حي الحمرا وكنيسة التجلي قرية كفرام وكنيسة السيدة العذراء قرية رباح كاتدرائية سيدة السلام وكنيسة الروح القدس الحميدية وكذلك كاتدرائية الروح القدس وكنيسة مار يوحنا المعمدان في قرية قطينة وكنيسة القديسة بربارة الجوانيات وادي النصارى وكنيسة قلب يسوع الأقدس قرية فيروزة وكنيسة مار الياس للسريان الأرثوذكس في فيروزة وكنيسة مار جرجس للسريان الأرثوذكس في فيروزة وكنيسة السيدة العذراء فيروزة أيضاً والكنيسة المعمدانيّة الإنجيليّة في وادي النصارى والكنيسة المعمدانيّة الإنجيليّة في حيّ العدويّة محافظة حمص وكنيسة الاتّحاد المسيحيّة الإنجيليّة قرية مرمريتا وكنيسة مار ضومط حارة
مار ضومط.
ــ مما تقدم نلمس الجانب المهم من تعدد الكنائس ضمن مسيرة تاريخيّة مميزة تركت آثارها تنطق بلغة الجمال والحضارة لتؤكد أنّ مدينة حمص شاهدة حيّة على نشوء الديانة المسيحيّة لديها بشكل رائع، فضلا عن احترام التعدد الطائفي إذ نجد الكنيسة مبنيّة إلى جانب الجامع، وهذا المشهد نراه في العديد من أحياء حمص كالحميديّة وحي الأرمن وغيرهما، مما يضفي على المدينة حلة ألفة ومحبّة وتقدير على مرِّ
السنين.