انفعالات الحلم

منصة 2023/03/06
...

  ريم حبيب 


كم نحتاج إلى الندم لا على كلمة لم نقلها وإنما على كل كلمة زائدة أحدثت شرخاً، لأن الكلمة كانت وستبقى ميثاقاً بين الكاتب والقارئ إلى ذلك الحد الذي يجدر بالأدب أن يركز على الحقيقة، إلى ذلك الحد الذي يحتم تصنيف الكتّاب في مراتب بحسب حماستهم للمصداقية ونشر الحقيقة، بعيداً عن ظلمة صراعاتهم الشخصية وقلقهم المزمن، تاركين للكلمة أن تتسلل كشعاع ضوء من نافذة أو كمرآة تعكس شيئاً ما رغم أن قمع السلطة كان، وسيبقى متجذراً في الخيال مثلما هو متجذر في الواقع.

إن الكتّاب أكثر نشاطاً ونتاجاً في الحروب، لذا كثيراً منهم يسلكون طريقهم نحو الهدف من دون إعداد الخطة، وهذا التدفق في الأفكار لا بدَّ أن ينتج آثاراً مختلفة وعلى سبيل المثال: جرأة أكثر، شعور أكبر بالتفوق، رغبة أكبر في الانتقام، مع قدر أقل من الارتياب، والدهاء السياسي والمكر.

لا يحصى عدد الروايات التي صدرت في سوريا بقلم عدد كبير من الكتاب، والتي أحدثت آثاراً متباينة في المواقف وشكلت مفترقاً، وهناك الكثير منها ابتعدت كل الابتعاد عن الواقع حيث يبذل كل كاتب أقصى الجهد إن واتته الظروف لأن يخط أقوى انفعالاته. فالكاتب يكتب ما يشاء ويخضع كل شيء لإرادته، وبدل أن يعري الزيف، تظهر وقائع لاحقة لإصدار روايته تعريه بالكامل، وسرعان ما يتابع تعميماته الطائشة، بإلحاح من يريد أن يتعامل مع الأمر والفكرة بدموية من خلال ترويج وترسيخ مفاهيم الطائفية والإرهاب وغيرها، فيأتي النتاج الأدبي شعور وانفعالات ومقاييس ذاتية واجتماعية، وبعيدة كل البعد عن خلق بيئة ثقافية، تستوعب الحوار والاعتراف بالآخر وجوداً ورأياً وممارسة. على العكس تكال الاتهامات من شتى الأنواع وعلى كل الاتجاهات، وهذا ما قادها إلى ضعف وتطرف وعنف.

ندرك أن الثقافة الجادة ليست متفرجة، وليست محايدة، وقربها من الموضوعية عند معالجتها القضايا، التي تتناولها قد يزجان بها في أحايين كثيرة في مخاطر وتحديات كبيرة ومهما اختلفت الرؤى حولها، تتمثل لنا بصورة شبه دائمة رمزاً للاستيعاب الأوسع، الأشمل هنا وهناك، منك وإليك لتغدو العلاقة حلماً واعياً، محققاً في الوثبة، في الديمومة، في الانتصار عوضاً أن تكون مقبرة للحلم. 

لقد تأثر المشهد الثقافي السوري وحتى العربي بالواقع السياسي وبالحرب على سوريا تأثراً كبيراً بالمواقف والأحكام والانتماءات السياسية والأيديولوجية، وأصبح الحكم جاهزاً على الشخص والنص والمنتج الإبداعي من خلال الانتماء السياسي أو الرضا السياسي عنه والممالأة السياسية له، الأمر الذي رافقته أو انبعثت عنه حملات إعلامية ونقدية تقوم على المدح أو القدح، على الإضاءة أو التعتيم بعيداً عن الموضوعية، وعن المعيارية السليمة فامتلأت الساحة الثقافية بشخصيات ونصوص ونتاجات أصابت المشهد الثقافي بخلل كبير، وتحول من ساحة إبداع يعطي فيه المثقفون للقضية حسابها الدقيق، لإحراز التقدم الاجتماعي والمعرفي إلى ساحة احتشاد غرقت فيه في خضم الإيهام والتثريب والخصام.  فهل يعيد أهل الثقافة ترتيب المشهد بمسؤولية وشجاعة، على أسس سليمة، ومعايير دقيقة، واضحة، وأصيلة؟ أتمنى أن نلتقي بدل أن نظل نتباعد، كنا وما زلنا بحاجة إلى وحدة ثقافية تقف سداً منيعاً في وجه أي خطر داخلي أو خارجي من الممكن أن يهدد وحدة الشعب ووحدة الأرض، وحدها الكلمة تستطيع برمجة مشاعرنا وأفكارنا وغرائزنا، وهذا هو دورها اليوم وغداً أن تفعل شيئاً حقيقياً لمصيرنا، ولإخلاص إلا عن طريقها.