نساء دفعن الثمن حياتهن

ريبورتاج 2023/03/09
...

 بغداد : عواطف مدلول

خبر رحيلها كان صدمة للكثير من الناس الذين يحيطون بها في العمل، لكونها لا تشكو من مرض أو أي حالة سيئة، وغالباً ما تبدو عليها في الظاهر ملامح الفرح والراحة، تساؤلات عديدة طرحت، ولا توجد إجابة واضحة لما حصل معها وتسبب في موتها السريع، غير أن بعض الأنباء تؤكد تعرضها لحادثة حريق مروعة نجمت عنها إصابة عميقة بجسدها أنهت حياتها بعمر الـ30 عاماً، فأصبحت قصتها تحكى دوماً بأسى شديد كلما ذكرت إنجازاتها ونجاحاتها في مهنتها التي كافحت في سبيل الحصول عليها.    

قضيَّة شخصيَّة 

صديقتها المقربة وحدها التي تعرف السر، لكنها لم تكشف عنه إلا بعد مرور عدة سنوات، عندما غطى غبار النسيان ملفات الموضوع الذي أهمل في رفوف الماضي.  

«لا أنسى أبداً تلك الإنسانة القوية المؤمنة، التي كانت لا تظهر للجميع هشاشتها، لخوفها من أن تستغل من قبل ضعاف النفوس»، هكذا بدأت خنساء حديثها عما حصل لصديقة عمرها التي رافقتها طوال مرحلة الدراسة الجامعية وحتى سنوات الوظيفة قبل إقدامها على الانتحار، مضيفة أتذكر أنها طرقت كل الأبواب لتضع حداً للمشاحنات المتكررة مع أهلها، وتخفف من الخلافات والمعارك التي غالباً ما تنتهي بآثار كدمات على جسدها، بعد تعرضها للضرب من قبل شقيقها أو والدها أحياناً، وكم مرة استنجدت بأشخاص من أقاربها، لكنها لم تجد من يقدم لها يد العون وينقذها من الظلم الذي كان يقع عليها يومياً جراء استغلال أسرتها لها، في تحمل مسؤولية المنزل مادياً، والإساءة إليها لفظياً. 

وتضيف خنساء «لم يكن غريباً حينها أن تعلن أمامي بشكل مستمر عن رغبتها بترك هذه الحياة، ولطالما فكرت بالتدخل بصفتي صديقة لها، لكنها ترفض ذلك دائماً خشية أن تكبر المشكلات بينها وبين أسرتها، فكانت المفاجأة عندما سمعت بخبر وفاتها، إذ صعقت أثناء حضور عزائها، إذ دارت أحاديث كثيرة بين النسوة فيه، فقد شكك بعضهن بأن الحادثة لم تكن عابرة، وقد تكون هي من أحرقت نفسها بمدفأة الحمام، دون أن ينتبه لها أحد من أفراد البيت، لكني لم أذكر تلك الأقاويل في مكان العمل حتى لا أشوه الصورة الجميلة التي رسمت لها لدى الزميلات والزملاء، ولأن القضية شخصية ليس من حقي التطرق لتفاصيلها أمام الآخرين، كما أنها غير قابلة للقيل والقال كون المعلومات حولها غامضة أصلاً».


دراسة وكتاب 

انتشرت قصص أخرى مختلفة لنساء أقدمن على الانتحار في السنوات الأخيرة، ما دفع الأكاديمي والممرض في دائرة صحة بابل عبد الرحيم موسى الفتلاوي لتأليف كتاب بخصوص ذلك الموضوع في عام 2019، مشيراً إلى أنه بعد تناقل وسائل التواصل الاجتماعي لحالات الانتحار التي أضحت شائعة ولاقت صدى إعلامياً واسعاً بالشارع العراقي، ومن خلال منظمة فاعلة بمدينة بابل تهتم بتمكين المرأة تحمل اسم مركز حقوق المرأة للإغاثة تترأسها السيدة ايمان الخفاجي، قدم طلباً لمدير صحة بابل كي يسمح له بالقيام بعمل بحث ودراسة في مستشفى الحروق، ولكونه أساساً يعمل ممرضاً أيضاً، لذا فقد التقى  بالبعض من النساء اللواتي حاولن الانتحار وأجرى لهن اختبارات عديدة، لاكتشاف الأسباب الحقيقية وراء ذلك، قائلاً: «توصلت إلى نتائج تؤكد بأن بعضهن يعانين من الأمراض النفسية والضغوط الأسرية والاجتماعية، والإهمال، ما يحفز رغبتهن بالانتحار، فمعظمهن لديهن تفكير قديم سلبي (كامل وعميق) منذ مدة نحو ذلك الموضوع، ومن الممكن تنفيذه بأي وقت بفعل التراكمات عليهن، أما بالنسبة لعدد المنتحرات مقارنة بالجنس الآخر فإنهن الأكثر حتماً، لأن الرجل يستطيع أن يعبر عن ألمه وغضبه بالكلام وفرض الرأي، وربما بالهجرة أو مغادرة وتغيير مكان عمله، وكذلك في موضوع الطلاق لا يجبر على شيء فهو حر الحركة، في حين أن المرأة مكبلة بقيود المجتمع من النواحي كافة، وبالتالي يقع عليها ثقل كبير فتبقى فكرة الانتحار الوسيلة الوحيدة بمخيلتها، عندما تتقطع السبل بها تلجأ إليها كحل نهائي».

موسى أكد أنه استطاع كتابة أكثر من  (67)  قصة حقيقية لنساء منتحرات، إذ ترك المشتركات في السبب والفعل جانباً، وعزل  منها 20  قصة غير متشابهة ليضمها في كتابه و20 أخرى في الجزء الثاني منه، وقد تناولها بصيغة دراما حزينة قريبة للقارئ العراقي.


نتائج أفضل 

الإعلامية والناشطة أسماء عبيد ترى أن دور وسائل الإعلام ومنظمات المجتمع المدني في دعم النساء بتقليل فرص الانتحار ضروري جداً، إذ إن هناك محاولات ومبادرات عدة بهذا الخصوص من خلال البرامج في الفضائيات والإذاعات والحلقات النقاشية المصورة، أو عن طريق الندوات والمؤتمرات لطرح تلك المشكلة ومناقشتها كظاهرة باتت سائدة نوعاً ما، إلا أن أغلب تلك النشاطات تقام داخل مكان معين لذا أنا من دعاة أن تكون هناك فرق جوالة للتوعية بهذا الموضوع، حتى يصل الصوت لعدد كبير من النساء لا سيما أن أغلبهن غير  قادرات على الخروج من المنزل لمتابعة وحضور تلك الفعاليات، بحيث من الممكن وضع خطة أو حملة إعلامية متواصلة بجميع  وسائل الإعلام، وكذلك التواصل الاجتماعي باعتبارها أضحت هي الأقرب والأسهل في كل بيت، ومن خلالها يتم إرشاد النساء بأن ليس كل ما يحصل يستدعي الانتحار، وهناك بدائل لحل المشكلات، فالتخلص من الحياة قد يخلف مشكلات أكبر، خاصة إذا كانت المرأة متزوجة ولديها أطفال. 

وعوضاً عن ذلك يجب تشجيع المرأة على أن تشغل وقتها بهواية مفيدة لكي تبعد فكرة الانتحار عن بالها، وتعزيز الوازع الديني لديها لأن ذلك الموضوع محرم دينياً، ونصحها بأن تتخذ سبل وقاية لحماية نفسها، إذا كان هناك عنف يقع عليها بالبيت، من خلال السعي لكسب ود أسرتها، فتصل لهدفها بعد تغيير تعاملها معهم، وتجربة أسلوب آخر وبالتالي تحصل على نتائج أفضل من الانتحار. 


ربا إلكتروني

أما الباحث النفسي والاجتماعي الأستاذ الدكتور عبد الكريم خليفة فإنه يضع السوشيال ميديا سبباً رئيساً  لانتحار النساء، جراء تزايد حالات الابتزاز التي تتعرض لها بعضهن بعد أن يوهمن عاطفياً من قبل الرجال الذين يستغلون صورهن ورسائلهن لهم. 

 ويضيف خليفة: في الآونة الأخيرة يحصل الانتحار نتيجة القهر الاجتماعي، لأن هنالك سوء توافق زوجي أو ما يسمى بالخرس والصمت العاطفي، 

فتحتار المرأة بالخيار ما بين الذهاب إلى أهلها وعدم قبول أولادها، وبين البقاء مع الزوج الذي ربما يفتقد إلى الخصائص الإنسانية، كما أن بعضهن يعشن في بيوت الأسرة الممتدة مع أهل الزوج، فيعانين كثيراً وبالمقابل فإنهن يواجهن عدم إنصاف من قبل 

شركائهن.

من جهة أخرى يبين خليفة أن هنالك اختلافاً كبيراً بين أسباب الانتحار في الزمن الماضي والحالي، فسابقاً كان أهمها القهر والانفعال والعصبية وكذلك الظروف الاقتصادية، أما الآن فدخلت عوامل أخرى أكثر، ومن ضمنها الجانب الاقتصادي أيضاً، لكن بشكل مغاير تماماً، إذ تشترك النساء في الجمعيات والشركات الوهمية للأموال والصيرفة وبالتالي لا يجدن منقذاً لتلك 

الديون التي تتراكم عليهن أو الربا الالكتروني.

 ويختتم الدكتور عبد الكريم خليفة حديثه بعامل آخر يتعلق بتغيير منظومة القيم، فعلى سبيل المثال في محافظة السليمانية تكون نسبة الانتحار أكثر، بسبب القرى الممتدة، يعني النظام الريفي الموجود على أطراف المدن، فأحياناً عندما تدخل المرأة إلى المدينة عن طريق الوظيفة أوعن طريق آخر فبالتالي منظومة القيم تختلف، وحينما تبدأ بالانفتاح مع عدم امتلاكها بعض المهارات الاجتماعية التي من خلالها يمكن أن تحافظ على نفسها، قد يؤدي ذلك لسقوطها ودخولها في متاهات المشكلات الاجتماعية فتضطر إلى الانتحار.