المرشد النفسي.. صمام الأمان في المجتمع

ريبورتاج 2023/03/09
...

   علي غني

يتمتع علم النفس والإرشاد التربوي بأهمية كبيرة، لأنه يمتلك القدرة على التخفيف والتقليل من المشكلات النفسية والاجتماعية، التي تنقل كل يوم على شاشات التلفاز مثل حالات الانتحار والقتل والقبض على شبكات تتاجر بالمخدرات، وغيرها من المشكلات، ما دفع بالمختصين إلى دق ناقوس الخطر، وفي الوقت ذاته التنبيه على أهمية الإرشاد النفسي والتربوي وإعطائه مساحة مهمة، وهناك من ينادي بإدراج هذا التخصص بالتعيينات المركزية لوزارة الصحة، ولا مانع من توزيع البعض الآخر على وزارة التربية.

غياب التأهيل

النائب غسان هاشم  السعيدي طالب وزارة الصحة، بإدراج تعيين خريجي قسم علم النفس والارشاد التربوي، ضمن خطة التعيينات المركزية للوزارة لمنح هذا العلم فرصة أكبر، في المساعدة والمساهمة بحل المشكلات الاجتماعية وحالات الإدمان وغيرها من المعوقات النفسية، التي لوحظ انتشارها في الآونة الأخيرة بين فئات مختلفة من أفراد المجتمع، إذ يحتاج الكثير من الأشخاص اليوم إلى التأهيل النفسي خصوصاً من مروا بتجارب عصيبة وسيئة. 


حلول

وتوافق المتخصصة بالإرشاد النفسي والتوجيه التربوي في كلية التربية الدكتورة إيمان حسن على الرأي السابق، وتتابع القول: «هناك مؤسسات تحتاج إلى التخصصات النفسية والتربوية، ولهذا من المفترض أن يتولى المرشد التربوي بداخل المدارس دراسة المشكلات التي يعاني منها الطلبة سواء كانت تربوية أو سلوكية أو اجتماعية أو صحية، عن طريق جمع المعلومات المتعلقة بالموضوع سواء كانت هذه المعلومات ترتبط بالطالب نفسه، أو البيئة المحيطة به من أجل توضيح المشكلة التي يعاني منها ومساعدته في إيجاد واختيار الحلول الملائمة لها، ويتم إعداد هذه التخصصات أكاديمياً في كليات التربية، قسم الإرشاد النفسي والتوجيه التربوي، إذ يتم تدريب الطلبة عملياً ليكونوا مؤهلين لمزاولة مهنة الإرشاد النفسي في المدرسة.


تعاطٍ وإدمان

وترى الدكتورة إيمان حسن بأن مهمة المرشد النفسي تختلف عن الاجتماعي، فالأخير يتم إعداده أكاديمياً وعملياً للعمل كباحث اجتماعي في وزارة العدل (مدرسة الإصلاح، دور الايتام، والمحكمة) كذلك يتم تعيينه في وزارة الصحة، قسم العلاج من تعاطي المخدرات.

وتشير حسن إلى أن وزارة التربية تقوم مؤخراً، بقبول تخصصات متنوعة وتمنحهم صفة مرشد تربوي في المدارس بعد اخضاعهم لورش تدريبية، في حين من المفترض أن تقتصر على المرشد النفسي الذي هو بالأساس تربوي، فهو القادر أكثر على التعامل مع مشكلات الطلاب وفهم نفسياتهم المختلفة.


الرأي العام

المشرفة في المديرية العامة لتربية الكرخ الثانية  الدكتورة جنان طه، تلفت إلى أن الجزء الأكبر في قضية التوعية بمختلف المشكلات الاجتماعية والظواهر السلبية، يقع على عاتق المرشد التربوي في المدرسة، نظراً لخلفيته العلمية وخبرته الميدانية التي تمكنه من تقديم خدمات تربوية وإرشادية لجميع الطلبة، لأن عمله يحتم عليه تحقيق التوافق النفسي والتربوي والاجتماعي لبناء شخصية سوية ينعم بها الطلاب، ليتمكنوا من التأقلم مع البيئة المدرسية وايجاد الحلول لجميع المشكلات.

وتبين طه أن ظاهرة انتشار المخدرات، واللجوء إلى الانتحار بين جيل الشباب والمراهقين أصبحتا من أهم المشكلات التي تشغل الرأي العام والأسر ليس في العراق وحسب بل في أكثر البلدان إلا أنهما في بلادنا تعدان غريبتين على مجتمعنا لأنهما كانتا نادرتي الظهور جداً في الماضي.

لذا فهما تشكلان خطراً بالغاً يهدد مستقبل المجتمع، لما لهما من آثار اجتماعية ونفسية تهدد الثروة البشرية، فكان من الواجب أن تتكاتف الجهود في مؤسسات الدولة كافة للعمل على معالجة هاتين الظاهرتين والحد منهما.

وتعتقد طه أن مهمة المرشد النفسي داخل المدارس، كبيرة وأساسية، فهناك الكثير من الطلبة الذين تراودهم أفكار غير سوية، مثل إنهاء حياتهم أو التعاطي والإدمان بسبب مواقف حياتية صعبة مرت بهم، وعجزوا عن مواجهتها، وأحياناً بسبب الضغوط النفسية والاجتماعية التي قد يتعرض لها هؤلاء المراهقون، وقد يكون الشعور بالإحباط واليأس من العوامل التي تدفعهم للجوء إلى هذه السلوكيات غير الصحيحة والمؤذية لهم.


خدمة المجتمع

وتنوه طه بأن الفئات التي تتعرض للمشكلات النفسية والاجتماعية، خصوصاً أولئك المدمنين أو الذين تراودهم أفكار انتحارية، بحاجة إلى المرشد النفسي وبالتالي لا بد من توفير فرص عمل لهم كي يزاولوا مهنتهم وما تعلموه في خدمة الناس والمجتمع، ومن هنا تبرز أهمية وضرورة وجود مرشد تربوي في كل المدارس، ولجميع المراحل لدوره المهم في توعية التلاميذ والطلاب للحد من الانحرافات، وعلاج المشكلات والظواهر الخاطئة قبل تفاقمها، وهذا ما نفتقر إليه في الوقت الحاضر.


دراسات علميَّة

توضح طه أن هناك ظواهر خطيرة في المجتمع، تحتاج إلى إجراء الدراسات العلمية لمعرفة أسبابها بشكل مفصل ووضع التوصيات والحلول للحد منها، وكذلك عقد الندوات المكثفة لتعريف الناس بمخاطرها، والاهتمام بالوازع الديني وتنمية الثقافة الدينية وخصوصاً لدى فئة الشباب والمراهقين، وكذلك من الممكن عمل برامج تأهيلية وعلاجية تتشارك فيها الأسرة والمدرسة معاً بمساعدة المعالج النفسي للنهوض بشخصية المصاب، والتركيز على الجوانب الإيجابية لديه ومساعدته على القيام بدوره في المجتمع، والعمل على تحسين ظروفه الأسرية والاجتماعية.


مهارات عالية

المعالج والباحث النفسي في مستشفى ابن رشد التعليمي أحمد محمد شاكر الخفاجي الذي يحمل شهادة ماجستير آداب في علم النفس التربوي، يمتلك حقائق مقنعة، إذ يقول: إن تطور الحياة وتعقيدها وصعوبات التكيف مع ضغوطات ومتطلبات العيش، فرضت على الإنسان بشكل عام والفرد العراقي بشكل خاص تحديات متعددة، ولذا جعلت عدداً لا يستهان به بحاجة إلى الاستشارة النفسية والاجتماعية بين فترة وأخرى.

وتابع  الخفاجي قائلاً: «والحال ينطبق على تربية الأبناء وكيفية التعامل مع احتياجاتهم ورغباتهم والتعرف على ميولهم واتجاهاتهم في ظل وجود الانترنت، ومواقع التواصل الاجتماعي والاطلاع على مختلف الثقافات، ما جعل تربية الأبناء مسألة ليست بالبسيطة وتتطلب مهارات عالية من قبل المربين سواء كانوا آباء أم معلمين، لا سيما مع انشغال الآباء لفترات طويلة في العمل لتوفير العيش الكريم، لذلك نرى أن المجتمعات المتطورة قد أوجدت واستحدثت كيانات ومؤسسات ساندة وداعمة للأسرة».


استشارات

ومن وجهة نظر الخفاجي فإن أهمية المرشد النفسي والتربوي فرضت وجوده في مؤسسات مختلفة، منها الشرطة المجتمعية ومراكز الرعاية الصحية الأولية و رعاية الأسرة، 

فضلاً عن المؤسسات الداعمة للمجتمع والأسرة، كما أن تقديم الخدمات النفسية من شأنه أن ينهض بصحة المجتمع بصورة عامة، ويعتقد الخفاجي أن وجود المرشد النفسي ومنحه الفرصة لمزاولة عمله من شأنه أن يحافظ على سلامة المجتمع، ويمنع انحرافه ويرسخ قيماً مجتمعية ثابتة.