جبار الغزي يكتب عن الغائب الموعود

ثقافة شعبية 2023/03/09
...

 سعد صاحب 

(هلابك) مفردة جنوبية تستخدم للترحيب العالي، المعزز بالاحترام والمحبة والجلال والمكانة، وإشارة واضحة بأن الشخص القادم، له اعتبار خاص بين أحبابه المنتظرين، بشغف عارم لحظة المجيء. وهذا ما يؤكد حضوره القوي المؤثر، في الوسط الاجتماعي، وهو ربما يكون نبياً له أتباع، وربما يكون إماماً غائباً لاعتبارات ربانية محضة، وربما يكون درويشاً تطوى له الفيافي، وربما يكون حبيباً من أهل الجمال الخالص. (هلابك يل غالي هلابك / مرحبه بين اهلك واحبابك).

منقذ 

فرشنا القلوب والأرواح والضمائر بانتظاره، وعيوننا تراقب الطرقات بلهفة لا مثيل لها، فنحن بأمس الحاجة إليه، في هذه الأزمنة الحالكة الظلام، ولا منقذ لنا سواه من السراق والمجرمين والطغاة، وهو حقيقة واضحة لا تحتاج إلى دليل، وليس مخلوقاً خيالياً من حكايا الأساطير، وإنما كائن من لحم ودم، متجسد بهيئات مختلفة بأرض الواقع، وأحياناً نراه بالقرب منا ولا نعرفه، ولا جهة ثابتة لموعد القدوم، وبالإمكان أن يأتي من المغرب أو المشرق، أو من الجنوب أو الشمال. (عيني اعليك ملت من سهرها / روحي تلوب عذبها صبرها / على الراح بالغربه وهجرها / واكتبنه وننتظر جوابك). 


عدل

حاصرتنا ليالي البرد والجوع والخوف والظلم والبلوى، وغابت عن حياتنا المناسبات السعيدة، وتفشت الفتن بشكل مريع، واستحلت الدماء والأموال والفروج، وتكاثرت الحروب المدمرة، وضاقت الأرض بالتعساء ولا مهرب لمن يريد الخلاص، وجنت العقول من شدة الأهوال، ودخلت المصائب إلى أغلب البيوت، وعمت الفوضى والقتل والسلب والجلاء، وتحكمت بأرزاق الناس أرذل المخلوقات الخاوية، وبات الإنسان الحائر يتمنى الموت ولا يجده، وعلى هذا الأساس أصبحت الرغبة ملحة، لخروج ذلك الفارس الأصيل، الذي يطهر الكون من الفساد والأدران والشرور. (هلابك يل كاصد علينه / لو ما جيت جان احنه اعتنينه / وعيونك وغيرك ما هوينه / جرعنه المر يسمر من غيابك). 


قمر دري 

الجميع بانتظار ثائر يخلص البشرية، من الجور والطغيان والجبروت والعظمة، ومن أصحاب الغرور والجاه والسلطان، وينقذ العالم من الفقر والجهل والزلازل والأوبئة والأعاصير، والإنسان المقصود كما جاء في المرويات : رجل عربي أسمر اللون، طويل الأنف، وجهه كالقمر الدري، عينه مستديرة شديدة السواد واسعة، يسيل شعره على منكبيه.  يمتاز بالشجاعة والإرادة والعطاء والأمانة، وعند مقدمه الشريف : تمطر السماء المجدبة مطراً كثيراً، وتعطي الأرض للمحرومين كل ما لديها من البركات، وتعيش الأمة بوجوده عيشاً هنيئاً، يكثر فيه الرفاه والاسترخاء والسعادة والأمان، ويتم استقباله من قبل المحبين، بالصلوات والنذور والهلاهل، ويزفونه كما تزف العروس في ليلة عرسها. (هلابك يا عذب الشمايل / عيون الريم ورموش الكواحل /ونتلكاك يل غالي بهلاهل / نضوي شموع فرحتنه اعلى بابك). 


بحور متداخلة 

وزنياً القصيدة مكتوبة على بحر الهزج ( مفاعيلن مفاعيلن مفاعيلن ) والشاعر جبار الغزي يزاوج بين تفعيلة الطويل والرجز والخبب في شطر واحد، وأحياناً يميل إلى الإيقاع أكثر من الوزن، في المطلع يكون التقطيع (فعولن / مستفعل / فعولن ) وفي الشطر التالي (فاعلاتن / مستفعل / فعلن) وبالإمكان تقطيعه بشكل آخر (فعولن / فعلن / فاعلن / فع ) والبيت الثاني (فاعلن / فعلن / فعلن / فعلن ). المقطع الاول يقطع بهذه الطريقة (مستفعل / مفاعيلن / فعولن ). وفي الشطر الثالث يختلف قليلاً (فعولن / مفاعيلن / فعولن) وعند القفلة (مستفعل / مستفعلن / فعولن). 


رمز إنساني 

في هذه الأغنية الاستثنائية من ناحية المحتوى، أثبت الفنان الدكتور فاضل عواد، قدرته بما يمتلكه من براعة في الأداء والغناء والإنشاد، وفي تجسيد المعنى الداخلي للكلمات بصوته الرصين، المتجاوب مع حالة الفرح والايقاع المعتدل السرعة، وثمة تناغم واضح بين الكلام واللحن والحنجرة، بتمجيد هذا الرمز الإنساني

العظيم.