العالم الشمولي في الأدب والسينما

ثقافة 2023/03/12
...

 عدوية الهلالي


تتناول العديد من الأعمال الأدبيَّة والفنيَّة الايديولوجيات الفكريَّة المختلفة ومنها الشموليَّة التي تعني نظام حكم، تصبح فيه الحكومة استبداديَّة في تصرفاتها داخل الدولة، وتقوم بالتدخل في جميع جوانب المُجتمع، بما في ذلك الحياة اليومية للمواطنين. وتسعى الحكومة الاستبدادية للسيطرة، ليس فقط على جميع المسائل الاقتصاديّة والسياسيّة، لكنها تسعى أيضاً للسيطرة على تصرفات وقيم ومُعتقدات المواطنين، وتلغي الفرق بين الدولة والمجتمع. ومن الأعمال العديدة التي تناولت الشموليّة هناك ثلاث كلاسيكيات رائعة تركت أثرا في الذاكرة.


* رواية (فهرنهايت 451) لراي برادبري:

هي رواية بقلم راي برادبري، والتي نُشرت لأول مرة في الولايات المتحدة عام 1953. ويشير العنوان إلى درجة الحرارة التي تحترق عندها صفحات الكتاب. وفي الواقع، وكما هو الحال في العديد من العوالم الشمولية، تشكل المعرفة خطرًا على النظام. وفي هذا السياق، يمكن أن يكون تدمير الكتب وسيلة لمحاولة السيطرة على العقول، من خلال تنمية الجهل، وضمان النظام والسلام لأولئك الذين ينوون الحكم في راحة بال تامة. لذلك يتم عمل كل شيء للترفيه عن السكان من خلال أجهزة نعرفها جيدًا (التلفزيون على وجه الخصوص). ومن ناحية أخرى، تمثل الكتب خطراً حقيقياً علينا أن نحمي أنفسنا منه. لهذا السبب تم تشكيل كتائب التدخل، وهم نوع من رجال إطفاء الحرائق، مهمتهم القيام بكل شيء لتدمير الكتب، وذلك بفضل خراطيم حريقهم، والتي هي ليست أكثر من قاذفات اللهب.

وبهذا المعنى، استحقت الرواية قيمتها وتأثيرها على محبي الكتب، فالكتاب هو رمز للحرية، حرية التفكير، وحرية الحلم، والتخيل، والإبداع، والإعلام، والتعلم. وهذا ما تدركه الشخصية الرئيسية في الرواية وتشعر به بعمق. وأكثر من ذلك، فإن الكتاب هو شهادة، يتم تسليمها من جيل إلى آخر، وهو الخيط المشترك للحضارة. وإن مهاجمة هذا العمل البشري هو تدمير للذاكرة، وعدم الاحتفاظ بدروس من الماضي والمخاطرة بانجراف العالم كما هو موصوف في هذه القصة. وعلى هذا النحو، فإن خاتمة هذه الرواية جميلة وقد تم تحويلها الى فيلم سينمائي من اخراج فرانسوا تروفو

وبعيدًا عن كونه منافيا للعقل، فإن فكرة حرق الكتب أو حظرها تتوافق، للأسف، مع الحقائق في أماكن وأزمنة متعددة، ألم تُحرق الكتب في الاتحاد السوفياتي أو ألمانيا النازية ودول اخرى؟ ألم تكن الأعمال الثقافية بشكل عام خاضعة للسيطرة؟ هل يمكننا دائمًا وفي كل مكان، وما زلنا حتى اليوم، كتابة أي شيء من دون الخوف من الرقابة، أو حتى الخوف على حياتنا؟  ألم يكن التدمير المنهجي للكتب موجودًا دائما، حتى من خلال انشاء كتب أخرى، ذات طبيعة رسمية لنضمن التحكم الكامل في الأفكار بشكل كامل؟ لذلك كانت المصداقية هي السبب في أن هذه الرواية جميلة، خاصة وان المقاومة ستستمر دائمًا ولا جدوى من مشروع التدمير. لذا يمكن اعتبار رواية (فهرنهايت 451) مثل ترنيمة جميلة للحرية.

* رواية (1984) للكاتب جورج أورويل

هي رواية لا تحتاج إلى مقدمة، إذا جاز التعبير، فهي مشهورة جدًا وغالبًا ما تكون بمثابة مرجع لاستحضارات متعددة. ويعود تاريخها إلى عام 1949 وتعتبر بشكل عام رواية خيال علمي. وترمز هذه الرواية الشهيرة التي تستخدم اسم (الأخ الأكبر)، إلى المراقبة الخبيثة التي يمكن أن تثقل كاهل حياتنا من خلال وسائل مختلفة، بما 

في ذلك التقنيات الحديثة اليوم، والتي من المرجح أن تتابعنا في أدنى حركاتنا أو أعمال الحياة اليومية، لدرجة الخوف على حرياتنا الأساسية. 

وتظهر في هذه الرواية أيضًا فكرة اللغة الجديدة، والتي أصبحت أيضًا مرجعًا فكريًا في العديد من النقاشات المتعلقة على وجه الخصوص بإفقار اللغة والمخاطر التي ينطوي عليها ذلك على المجتمع.

لقد كانت الدعاية والتلفزيون الحكومي والتضليل وشرطة الفكر التي تسعى وراء "أعداء الشعب"، هي أيضًا جزءا من هذا العالم المشؤوم، مما يجعله أقرب إلى وجهة نظر معينة لفهرنهايت 451، فحتى لو كان القمع الدائم هنا أكثر وضوحًا فلا يزال وهم السعادة موجودًا كما في رواية راي برادبري.

من ناحية أخرى، لهذه الرواية ميزة وصف الاتحاد السوفيتي (بشكل غير مباشر) وبشكل خاص، وهذا الكون الشمولي الذي لم يكن معروفًا تمامًا حتى ذلك الحين. وقد تم تحويلها ايضا الى فيلم سينمائي من اخراج مايكل رادفورد.

* رواية (عالم جديد شجاع) لألدوس هكسلي

هنا مرة أخرى، نجد رواية توقعية، بالشهرة نفسها، منذ ظهورها لأول مرة في عام 1932.. وفيها يسيطر العلم على البشر في عالم أكثر قذارة، نظرًا لأنه يتعلق بالتلاعب الجيني من خلال أطفال أنابيب الاختبار والحد من التكاثر، والأدوية، وتكييف كل كائن بشري، إنه عالم آخر، ليس لديه الكثير مما يُحسد عليه.

لقد تركت كتب الخيال العلمي الثلاثة والافلام السينمائية المستوحاة منها انطباعًا لدى القرّاء وجمهور السينما لأنها كانت وستظل تحمل قيمة كبرى في مواصلة تحفيز التفكير في معنى الحرية والحدود التي يجب عدم تجاوزها.