الزعفران.. الإهمال والتغير المناخي يهددان إنتاجه

بانوراما 2023/03/12
...

 سام جونز

 ترجمة: ليندا أدور

بينما كانت هبات الرياح القوية تزيح الغيوم عن السماء المنخفضة واللامتناهية لمنطقة "لا مانتشا"، وسط إسبانيا، كان كارلوس فرنانديز ينحني ليقطف آخر الزهور البنفسجية اللون لهذا الموسم، وقد صبغت أجزاء التويج إصبعيه، السبابة والإبهام، باللون الأزرق، لما قد يعد "كسبا" عديم الوزن، فخيوطه القرمزية لا تقدّر بثمن في إسبانيا وعموم أنحاء العالم. 


لكن بالرغم من الأسعار التي قد يصل اليها محصوله، فإن حياة مُزارع "الزعفران" لا تمر من دون محن ومتاعب وخيبات أمل. فإلى جانب عمليات الجني القاصمة للظهر والفرز المضنية، تأتي مسألة المنافسة الخارجية والمحاصيل غير المتوقعة والتأثيرات، التي باتت أكثر وضوحا وعلى نحو متزايد، للتغير المناخي، وفوق ذلك كله، يكتشف فرنانديز، بأن مجموعة من اللصوص، قامو بالتسلل الى حقله ليلا وسرقوا بعض أزهار ما يسمى "اورو روجو oro rojo "، أي "الذهب الأحمر" بالإسبانية.


الذهب الأحمر

"أن نسميه "الذهب الأحمر"، فإننا نضر بالزعفران، لأنها تجعله يبدو وكأنه شيء باهظ الثمن"، يقول فرنانديز، رئيس المجلس التنظيمي لعلامة تسمية المنشأ المحمية لزعفران لا مانتشا، مضيفا: "الجميع يقارنه بالذهب، فعندما تذهب ربة البيت للتسوق وتجد أن سعر الغرام الواحد منه هو تسعة يورو، ستظن بأنه منتج غالي الثمن، لكن، لو استخدمناه بالشكل الصحيح، وبكميات معقولة، سنصنع منه 60 وجبة، وإن قمنا بتقسيم تسعة على 60، لن يبدو حينها سعر برطمان صغير منه باهظا جدا".

لم تكن لغة مبيعات وغلات وتسويق الزعفران ببعيدة عن أفكار فرنانديز، اذ تنتج هذه البقعة من إسبانيا بعض من أجود أنواع الزعفران في العالم، ومستمرة في ذلك منذ وصول العرب بزعفرانهم، إليها منذ ما يقرب من ألف عام. قبل قرن من الزمان، كانت إسبانيا أكبر منتج للزعفران في العالم، اذ تصل كمية ما يتم قطافه وتجفيفه وبيعه 140 طنا مزروعة على مساحة 13 ألف هكتار من الأراضي سنويا. بحلول سبعينيات القرن الماضي، إنخفض معدل الإنتاج السنوي الى 70 طنا فقط. واليوم، يقدّر مجموع ما يزرع من الأراضي بما يقارب 140 هكتارا، غالبيتها في كاستيا لا مانتشا، وقد بلغ إجمالي إنتاجها من الزعفران للعام 2022 نحو 450 كيلوغرام، في الوقت الذي بلغ إنتاج ايران منه ما بين (200 الى 250) طناً سنويا، بينما بلغ إنتاج اليونان نحو (طنّين ونصف

الطن).


طرقٌ قديمة

وفقا لفرنانديز، فإن المشكلة الأكبر هي أن زراعة الزعفران، دائما ما كانت هامشية أو جانبية لدى المزارعين الإسبان، على عكس بقية القطاعات كزراعة الزيتون والعنب والفستق واللوز، التي شهدت ازدهارا خلال السنوات الأخيرة، بينما لم تشهد صناعة زراعة الزعفران أي نمو أو حرفية أو مككنة، اذ إنها ما زالت تتبع الطرق القديمة. لا يمكن التنبؤ بكميات الإنتاج، لأن الكورمات (عضو التخزين البصلي في النبات يقع تحت مستوى الارض- المترجمة) البصلية الشكل التي ينمو منها الزعفران، معرضة للإصابة بالفطريات وشديدة الحساسية لتغير درجات الحرارة.

فعلى مدى السنوات الماضية، شهد أكثر من 200 منتج زعفران، من الذين يمتلكون تسمية المنشأ المحمية، على تأثير التغيرات المناخية على محاصيلهم، فدرجات الحرارة العالية وقلة الأمطار تؤدي الى التأخير بعملية الإزهار كل عام اذ تبقى النباتات بإنتظار برودة الأجواء، ما يؤدي الى تذبذب الغلة، فقد بلغ متوسط الإنتاج للعام 2015 نحو 650 كيلوغراما، وارتفع ليصل الى 915 كيلوغرام العام 2018 ، لكن منذ ذلك الحين، بدأ بالتراجع تدريجيا ليصل الى 750 كيلوغراما عام 2019 ، ثم 625 كيلو غراما 

عام 2020  وأخيرا 345 كيلوغراما في 2021.

بالرغم من أن مزارعي لا مانتشا يبيعون زعفرانهم الى من يشتريه مقابل خمسة آلاف يورو للكيلوغرام الواحد، هناك تناقص في الأرباح لكون كلفة بذر الكورمات في الهكتار الواحد تصل الى 25 ألف يورو، بدون عائد مضمون بسبب التهديدات المتمثلة بالفطريات وإرتفاع درجات الحرارة، ما دفع فرنانديز وزملاءه الى مطالبة الحكومة المحلية بخطة تمويل استراتيجية بقيمة أكثر من 18 مليون يورو للحفاظ وتطوير قطاع زراعة الزعفران، فمن شأن التمويل والتطوير أن يسهما في زيادة الإنتاج بمقدار خمسة أضعاف خلال السنوات الخمس المقبلة، فضلا عن المكننة التي ستسمح للروبوت باستخراج الخيوط من الأزهار، وبهذا سيصل إنتاج خمسة آلاف هكتار من الزعفران الى 25 طنا في غضون عشر

سنوات.


تابل اجتماعي وعائلي

لكن حتى الآن، تبقى عملية حصاد ومعالجة الزعفران تجري وفقا للطرق القديمة اذ يتم جنيه في الصباح الباكر ليجمع في سلال من الخوص ويتم إحضاره الى مستودعات صغيرة حيث تجتمع سيدات، يرتدين الإزار الخاص وشبكات لتغطية شعورهن، حول طاولة طويلة ليبدأن فصل المياسم عن التويجات، ويتبادلن الأحاديث في ما بينهن بأصابع "صفراء" قد تدربت على 

العمل بشكل مستقل عن العينين.

تقول كاريداد سيغوفيا، والدة فرنانديز وتشارك النساء في فصل البتلات، "الزعفران هو تابل إجتماعي وعائلي، فجنيه وفصله يجمع الأسر مع بعضها البعض، ولو لم يكن هناك زعفران لما كنا هنا معا، نتحدث عن مشكلاتنا وأفراحنا ونساعد بعضنا البعض".  "إذا استمرت درجات الحرارة بالارتفاع، ولم نجد حلا للمشكلات الصحية، التي تصيب الكورمات والتي تتسبب بخفض المحاصيل، وإن لم نضفِ طابع المهنية على القطاع، سيكون الأمر مجرد مسألة وقت"، والحديث لفرنانديز.


*صحيفة الغارديان البريطانية