إغلاق أكبر صحف الأرجنتين

بانوراما 2023/03/12
...

  بوينس آيرس تايمز

 ترجمة: حميد ونيس 

بعد وفاة مدير التحرير فيها، نشرت صحيفة (ارجنتينا تيغابليت) الأسبوعية الناطقة باللغة الألمانية طبعتها النهائية مؤخرا، وأعلنت توقفها عن الصدور بعد 134 عاما من النشر، وأضافت أن طبعتها عبر الإنترنت ستستمر في الوقت الحالي. وقد اتخذ قرار وقف النشر رئيس تحرير الصحيفة، خوان أليمان، وحاولت الصحف الكبرى الاتصال به لمعرفة التفاصيل، لكنه لم يرد على الاتصالات.


وجاء هذا القرار بعد وفاة مدير تحرير الصحيفة، ستيفان كون، أواخر العام الماضي عن عمر يناهز 61 عاما بعد صراع طويل مع المرض. ومن المعلوم أن الدكتور أليمان، البالغ من العمر 94 عاما، اتخذ القرار لأنه لا يستطيع الاستمرار في الاعداد للصحيفة بمفرده، وأشار إلى أن الصحيفة تعاني أيضا من أزمة

مالية. 

وكانت اخر طبعة للصحيفة الناطقة بالألمانية صدرت يوم الجمعة 13 كانون الاول 2022، لتمثل نهاية حقبة بدأت في العام 1878 مع تأسيس الأرجنتينيين للصحيفة الاسبوعية والتي بدأت بالطباعة عام 1889 تحت اسم 

(Argentinisches Tageblatt- - أرجنتينا تيغابليت) والذي ظل مستخدما لغاية تاريخ توقفها. 

وعلق بيان مقتضب لموقع الصحيفة الألكتروني بالقول: لقد أثرت وفاة مدير التحرير؛ ستيفان كون علينا 

بشدة. 

كما أصبح من الصعب إدارة الصحيفة بشكلها الحالي بسبب زيادة الضغوط الاقتصادية. وشكرت قراءها على سنوات ارتباطهم العديدة، منوهة بأن وجود الصحيفة اليومية عبر الإنترنت سيبقى في الوقت الحالي".

ويبدو أن قرار ايقاف الصحفية لم يكن الأول أو غير مسبوق، حيث كان الدكتور أليمان قد  أوضح سنة 2019 إن إغلاق السلطات للصحيفة هو جزء من اتجاه أوسع للصحف الألمانية التي أوقفت سابقا في جميع أنحاء أميركا اللاتينية.

كانت صحيفة تيغابليت أقدم مطبوع ألماني مستمر بالطبع خارج ألمانيا. حيث نشر أليمان، وهو مهاجر سويسري، نسخة من الطبعة الأولى من الصحيفة في بوينس آيرس التي كانت قد صدرت في نهاية نيسان 1889.

وكانت بدايتها عبارة عن صحيفة يومية، ثم أصبحت الوسيلة الرئيسية المفضلة للناطقين بالألمانية في الأرجنتين، حيث تغطي الأخبار الاقتصادية والسياسية والاجتماعية. وهي واحدة من أكثر من 150 منشور كلي أو جزئي باللغة الألمانية في أميركا اللاتينية، وفقا لدراسات أجرتها المنظمة الألمانية لوسائل الإعلام الدولية. ومن المؤكد أن الجالية الألمانية ستشعر بخسارتها الكبيرة لهذه الصحيفة، إذ يبلغ عددهم أكثر من 200 الف نسمة، وفقا للتقديرات.

كما أعرب مستخدمو الـ"فيسبوك" عن أسفهم لفقدان الصحيفة، حيث وجه الكثيرون عبارات الشكر للصحيفة بعد عقود من خدمتها الجالية 

الالمانية. 

فكتب أحد المستخدمين: "كانت الصحيفة الوحيدة التي يمكنني الاتصال بها بلغتي الأم"، وقال آخر، "إنها جزء من تاريخنا!" وخاطبها أحد المستخدمين قائلا: "شكرا لك على ما قدمتيه لثقافة بلدنا". واشارات صحيفة التايمز إلى انها تواصلت مع السفارة الألمانية في بوينس آيرس للحديث عن توقف طباعة الصحيفة.

وتعود ملكية الصحيفة لشركة عائلية اتفقت على عملها من خلال عائلة أليمان لمدة أربعة أجيال، وحافظ الجميع على المهمة الأصلية المتمثلة في "الليبرالية الحقيقية والقناعة التي لا تتزعزع" التي كانت مكتوبة تحت شعار الصحيفة.

تنافس مع النازي

خلال الحرب العالمية الثانية، طبعت الصحيفة العديد من الإصدارات ا لخاصة المتضمنة لمواقف مناهضة للنازية بشدة، وتم حظرها في ألمانيا النازية بسبب موقفها التقدمي. وتبنى المنافس المحلي الرئيسي الآخر للصحيفة في ذلك الوقت، صحيفة (دويتشه لا بلاتا تسايتونغ)، منذ ذلك الحين، موقفا معارضا، ودعم الحزب الاشتراكي الوطني.

نتيجة لذلك، أعرب القراء الألمان في جميع أنحاء الأرجنتين عن هويتهم السياسية التي اشتروا من خلالها نسخ الصحيفة، وتجنبوا بعناية النشر المنافس، بحسب القارئ هاري إنغام لصحيفة التايمز.

"عندما وصل الاشتراكيون الوطنيون إلى السلطة في العام 1933، أصبحت صحيفة دويتشه لا بلاتا تسايتونغ داعما نازيا، في حين اتخذت صحيفة ارجنتينا تيغابليت اتجاها معاكسا." ومنذ ذلك الحين، إتخذت سياسة التعبير بوضوح عن الهوية السياسية للقارئ، وأنه لن يكون للصحيفتين أيةعلاقة ببعضهما البعض. وعندما اندلعت الحرب، أصبح الجانبان أكثر وضوحا من أي وقت مضى."

ولم يكن التنافس سلميا، حيث تعرضت مكاتب صحيفة عائلة أليمان عدة مرات للاعتداء وكذلك لملاحقات قانونية، حتى أن السفارة الألمانية في الأرجنتين رفعت دعوى قضائية ضد الصحيفة ست مرات. وفي ذروة الترهيب، عثر على قنابل في المبنى الذي يعمل فيه موظفو الصحيفة. ومع ذلك، حافظت الصحيفة والعائلة على تماسكها.

وفي حديث للدكتور أليمان، رئيس تحرير الصحيفة سنة 2019: "هناك تقليد من الالتزام، لقد أسس الصحيفة جدي الأكبر خوان، يليه جدي تيودورو، ثم والدي إرنستو، والآن أنا وأخي روبرتو نديرها معا".

على مدى الأجيال الأربعة، حاولت عائلة أليمان إبقاء الصحيفة على الاستمرار بالعمل والطباعة في وقت بدأ يتقلص عدد السكان الألمان في الأرجنتين، لكونهم الجمهور الرئيسي للصحيفة. كانت الصحيفة يومية، وفي العام 1981، وبعد ما يقرب من مئة عام من تأسيس الصحيفة، تقلص مدة الصدور إلى أسبوعية. ومع ذلك، ورغم المشاكل الاقتصادية، استمرت بالطباعة كل يوم جمعة.

في طبعتها قبل الأخيرة، غطت الصحيفة تقارير تنصيب الرئيس البرازيلي (لويس إيناسيو لولا دا سيلفا) والزيارة البابوية إلى بوينس آيرس، وأخبار انخفاض الإيرادات الضريبية. وتضمن العدد أيضا قصصا طويلة عن نشأة البابا الراحل بنديكت الساد عشر في ألمانيا الألمانية، قبل أن تقرر الإغلاق مجموعة صغيرة من الأخبار عن الأرجنتين وأميركا اللاتينية. لكن الأمر لم ينته بعد بالنسبة لصحيفة عائلة أليمان . كما علق أحد مستخدمي فيسبوك، "نأمل أن تستمر هذه الصحيفة المرموقة ذات التاريخ الطويل 

والمحتوى الجيد جدا عبر النسخة الرقمية!".

صحيفة نيويورك تايمز