المرأة الشجرة في لوحات سامي غفلة

ثقافة 2023/03/14
...

 أ. د. باسم الأعسم


في معرضه الشخصي الذي ضمَّ (54) لوحة تشكيليَّة متنوّعات في الشكل، واللون، والمضمون، ثمة مشتركات مفاهيميَّة تشكل القاسم المشترك بين عموم اللوحات التي زيّنت جدران قاعة قصر الثقافة والفنون في الديوانية بمناسبة عيد المرأة.

ولعلَّ أولى المشتركات (المرأة والشجرة) إذ إن المرأة كما أفصحت متون اللوحات هي كالشجرة المثمرة، وهي كذلك، لكنها مقهورة مندحرة، بفعل سياط الزمن، وكثافة الضواغط الاجتماعية والاقتصادية، التي أحالتها إلى كائن أعزل، واستطاع الفنان سامي أن يعبر عن هموم المرأة عبر مرموزاته الفنيَّة السيميائيَّة ومنها: تلك العيون الواسعة التي تقدح ألماً، مع الإشارة إلى أن أغلبية الثيمات قد انتقاها الفنان من عمق البيئة الاجتماعية والريفية خاصة، مثلما هي لوحة المرأة المتماهية مع الشجرة والقابضة على نافذة الحرية، وجسدها جذع شجرة جذورها غائرة في الأعماق السفلى، وكذا حال اللوحة التي تجسّد النسوة اللواتي امتطين ظهر العربة في أيام العيد، لكن لا فرح يسطع في عيونهن، سوى التحديق بفزع تترجمه الأفواه شبه المطبقة في أغلبية اللوحات، مما يؤكد ترجيح الفنان سامي غفلة لمسألة بث المضامين التي تجسّد الهموم اليوميَّة والإنسانيَّة، من دون مغالاة في الأشكال، بل بحسب أسلوب بسيط وواضح ليس فيه تعقيد، أو ترميز مبهم، يسهم في إرهاق عين ومخيلة المتلقي، بل إنه يشتغل على وفق مبدأ (السهل الممتنع) الذي يترجم طبيعة مقاربته التشكيليَّة، وقلقه المستديم حتى في سنوات اغترابه عن وطنه الأم، غير أنّه من أشد الفنانين المرتبطين 

بهموم الناس والوطن.

لقد اختزل الفنان سامي غفلة جوهر اشتغالاته بالمرأة التي شكلت العلامة الفارقة في نصوصه البصريَّة الطافحة بالأسى، والجمال والشاعريَّة، بما يؤكد خصوصيَّة أسلوبه الفني وطبيعة اشتغاله مع اللوحة بوصفها معادلاً موضوعياً، أو وعاءً يستوعب آهاته وزفراته المبثوثة عبر اللون والتكونيات ذات الدلالات. 

التأويليَّة الواضحة، التي تفصح عن تأثرات الفنان سامي غفلة اثناء دراسته في إيطاليا، ومن ثم صدى تأثيرات الفن السومري وأسلوبيَّة الفنان جواد سليم، كما أفصحت لوحاته، وأطروحاته الجماليَّة.

إنَّ الفنان سامي غفلة يغترف من الموروث الشعبي والفولكلوري ما يسبغ على اللوحات سمات المحليَّة بأبعادها الواقعيَّة، كما في لوحة المغني البدوي (كبيس) عازف الربابة، والجميع يصغي لمعزوفاته تحت ظلال الشجرة المهيمنة على فضاء اللوحة بلونها الداكن، أو تلك اللوحة التي تجسّد الأم الثكلى الحانية على أطفالها، الملفعين بعباءتها، مثلها كمثل المرأة عازفة العود التي تحيط بها سعفات شجر النخيل على وفق ترانيم تراجيديَّة.

والملاحظ أنَّ وجوه النسوة على اختلافها، لكنها متشابهة بعيونها السومريَّة ذات النظرات المسكونة بالدهشة، بما في ذلك الفلاحات في موسم جني التمر التي كشفت عنها اللوحات ذات المضامين المضمرة والمعلنة عبر الشكل الدال الذي أنتجته المواد البيئية المختلفة في انتاج اللوحات، مثل مادة الطوز والوارنيش، والباودر الملون، والتخطيط بالحبر الأسود. 

بما يتوافق مع عتمة بعض اللوحات التي تشير إلى الحرب وويلاتها، إلى جانب المرموزات الأخرى الساندة كشجرة الصبيّر بدلالاتها الميثولوجيَّة.

لقد أنتجت لوحات المعرض بحسب عقود مختلفة، منذ عام 1985 أيام كان الفنان في مغتربه الأوروبي، وحتى سنوات التسعينيات من القرن الماضي.

ومن الجدير بالذكر أنَّ بعض اللوحات تصلح أن تكون جداريات لثراء مضمونها وجمالها الباذخ.

لقد عمد الفنان سامي غفلة على ألا يعنون اللوحات، أو يسمي المعرض، كيّما يترك للمتلقي أمر تفسير الأعمال وتأويلها، لتمتين أواصر التلقي والاستجابة الجماليَّة متخذاً من بصرياته، سبيلاً لترجمة مشاعره، وقلقه إزاء بعض الثيمات التي أرقته فصاغها كمدركات فنيَّة وجماليَّة وازنت بين الشكل والمحتوى على وفق قراءة معاصرة.