السينما العراقيَّة.. لغزٌ لا يهتم به أحد

ثقافة 2023/03/15
...

عفاف مطر



أولاً لنتفق على أن السينما تختلف عن صناعة السينما، فالسينما هي نوع من أنواع الفنون وهي ما نراه لاحقاً على الشاشة، أما صناعة السينما فهي أن يتوفر منتجون وممثلون وفنيون ودور سينما وجمهور. ولأن مصر سبقت العراق والوطن العربي كله في صناعة السينما كان أول فلم عراقي (صناعة مصرية) أي بأيادٍ مصرية عام 1945 للمخرج المصري إبراهيم حلمي بعنوان (ابن الشرق) وشارك في بطولته ممثلون من مصر ( بشارة واكيم ومديحة يسري ونورهان) ومن العراق (عادل عبد الوهاب وعزيز علي وحضيري أبو عزيز)  أعقب هذا التعاون السينمائي العراقي المصري تعاون آخر نتج عنه فيلم ( القاهرة – بغداد) من إخراج أحمد بدر خان، وبطولة عميد المسرح العراقي حقي الشبلي والفنانة مديحة يسري، وحتى عام 1955 كانت صناعة السينما العراقية صناعة مصرية، وأصبحت عراقية في هذه العام تحديداً إذ كانت كل عناصر السينما عراقية خالصة التي شاركت في انتاج فيلم ( فتنة وسحن) أي بعد عشر سنوات من التعاون مع الفنانين المصريين. رجع التعاون المصري العراقي في السينما في عام 1980 عِبْرَ انتاج فيلم الأيام الطويلة وكان من إخراج توفيق صالح، وفي عام 1981 عبر فيلم القادسية من إخراج صلاح أبو سيف وتأليف محفوظ عبد الرحمن وبطولة سعاد حسني وعزت العلايلي، شذى سالم، ليلى طاهر وآخرون. لا توجد إحصائية دقيقة عن عدد الأفلام العراقية لكن هي بحدود مائة فيلم فقط منذ تأسيسها وعدد دور العرض تقلص من تقريباً ثمانٍ وخمسين داراً إلى تسع عشرة حالياً، عدد كراسي كل دور السينما من البصرة إلى كوردستان 22 ألف كرسي فقط! وهذا غير منطقي في بلد زاخر بالثروات المادية والبشرية بلد بلغت حضارته مالم تبلغه حضارة أي بلد أخرى، بينما فلسطين وهي تحت الاحتلال الإسرائيلي استطاعت أن تصل بأفلامها للعالمية وتفوز بجوائز مهمة جداً وهي لاتملك حتى نصف ما يملكه العراق. لو كانت حجة الفنانين العراقيين أنهم عاشوا فترات عصيبة كالحروب والحصار الاقتصادي والطائفية، فماذا عن فناني الخارج؟ ألم ينتج الإيرانيون أفلاماً خارج إيران واستطاعت الوصول إلى العالمية، بل أن هناك أفلاماً إيرانية تم انتاجها وعرضها في إيران استطاعت الوصول إلى ترشيحات الأوسكار، بل أن السينما الإيرانية بشقيها المعارض والموالي احتلت مكانة راقية جداً ضمن الخارطة السينمائية العالمية،  إذن ما هي مشكلة السينمائيين العراقيين؟  محمد شكري جميل أخذ حصة الأسد من النتاج السينمائي العراقي، وعمل أفلاماً جيدة، لكن بالرغم من ذلك لم يصل إلى العالمية ولا حتى على مستوى الترشيحات، إضافة إلى ذلك لم يتأثر به أحد، أغلب عشاق الفن السابع سواء من المثقفين أم من العامة يتحدثون عن إعجابهم وتأثرهم بمخرجين روس وفرنسيين وإيرانيين وحتى مصريين مثل يوسف شاهين وصلاح أبو سيف وسمير سيف وعاطف الطيب وبركات، لكن لا أحد منهم يحدثك عن تأثره بمحمد شكري جميل! ما الذي ينقص العراقيين لينتجوا سينما؟ لغز لم يهتم به حتى المختصين وهذا بدوره لغز آخر؛ لماذا لا يبحث المختصون بالسينما في العراق عن أسباب هذه المشكلة والسعي لإيجاد حلولٍ لها؟  كيف يمكن لبلد مثل العراق بكل ما يحمله من إرث تاريخي وحضاري بلد علَّم العالم الكتابة والموسيقى والفلك يعجز عن انتاج فيلم واحد يصل إلى ترشيحات عالمية، يعجز عن إيجاد مختص ومهتم وعاشق واحد للفن السابع لينتج فيلماً عراقياً واحداً ينافس ما تنتجه مصر أو فلسطين أو تونس أو إيران؟ أين نقابة الفنانين؟ أين دائرة السينما والمسرح؟ أين وزارة الثقافة؟ أين القطاع الخاص والمنتجون؟ أين الجمهور الذي لا يطالب بحقه في أن يكون بلده في مصاف الدول الأخرى في الانتاج السينمائي؟