سامح الجباس: أمارس تكنيكاً تجريبياً في كتابة الروايات كما لعبة البازل

ثقافة 2023/03/15
...

حوار: رابعة الختام 



الروائي والطبيب سامح الجباس يكتب رواياته بعمق وآيديولوجية فارقة ما استدعى تعرضه لكثير من سهام النقد، تارة يتهمونه بأن رواياته غرائبية وتثير جدلاً واسعاً وأخرى بأنها تشبه البحث الاستقصائي والتحقيقات الصحفية، عن تجربته الروائية، وكبار كتاب الرواية والقصة القصيرة، نجيب محفوظ ويوسف إدريس كانت سطور الحوار التالي...  

**اللجان القائمة على الجوائز هل أنصفت المبدعين أم ظلمتهم؟

*لن تجدي كاتباً يرضى عن الجوائز الأدبية فحتى محدودو الموهبة يملكون الجرأة على الاعتراض على نتائج تلك الجوائز.

والحقيقة أنه بالفعل وللأسف معظم الجوائز حتى تلك التي تشرف عليها وزارة الثقافة تمنح معظمها لأسباب لا تتعلق بجودة العمل وتاريخ المبدع، بل تتعلق وتعتمد في كثير من الأحيان على العلاقات الشخصية والمجاملات والترضيات، والظروف المرضية للكاتب، وهذا أصبح ملفتاً.


**هل الرواية المصرية تجاوزت نجيب محفوظ؟ 

*نجيب محفوظ شق بمثابرته واجتهاده طريقا غير ممهد للرواية العربية وتلته أجيال تسير على نفس الطريق وتمهده بطريقتها.

الرواية عموماً تتغير وتتشكل فى العالم كله، ليست ثابتة، أو جامدة في قوالب معينة، ولا تقف أمام رافد واحد، فهي نهر كبير يتدفق، وطبيعي أن تتجاوز محفوظ كما تجاوز هو طه حسين ومحمود تيمور ومحمد حسين هيكل في زمنه.


**هل القصة القصيرة المصرية وقفت عند تجارب يوسف إدريس؟

*الفن لا يتوقف ويتجمد بل يتطور ويتجاوز، ويوسف إدريس وضع بصمة في تاريخ القصة القصيرة العربية، لكن القصة تستمد وجودها من الناس والزمن، وتتغير بتأثير التغيرات الاجتماعية والسياسية فالقصص التي كانت تصور حياة الناس في الستينيات من القرن العشرين أصبحت “تاريخاً” ومرجعاً وشاهداً على الإنسان بتلك الفترة وطبيعي أن تتطور بتطور الزمن. 


**لماذا يكتب سامح الجباس الرواية، وما هي أدواتك؟

*أكتب عندما يستحيل الصمت.

الرواية لأنها الفن الذي أحبه والعالم الذي أجتهد في صنع بصمة فيه، أكتب لأنني أحب الكلمة وأعرف قيمتها وأقدسها جيداً، منذ صغري أحلم بأن أكون كاتباً له عالمه الخاص وبصمته في عالم الرواية الرحب.

وما زلت أجتهد في كل رواية أكتبها لإتمام صنع هذا العالم إذ ربما يأتي من بعدي كاتب واحد تكون رواياتي سبباً في عشقه للكتابة.

أدواتي هي أفكاري، بحثي المستمر عما هو مختلف وغير تقليدي وغير مطروق في الكتابة.


**من هم آباؤك الحقيقيون في الرواية من العرب والأجانب؟

*أحب هؤلاء الكتاب الذين صنعوا عالمهم المتفرد الخاص جداً وأنا قارئ لمعظم الأدب المصري والعربي القديم والحديث، لكن العوالم الأقرب لقلبي والتي كان لها التأثير الأكبر في وجداني هي تلك التي صنعها كبار الكتاب وهذه مجرد أمثلة فقط لأن القائمة طويلة للغاية؛ فمن المصريين، نجيب محفوظ، توفيق الحكيم، إبراهيم عبد المجيد، خيري شلبي، إدوار الخراط.

ومن العرب الليبي إبراهيم الكوني، والجزائري واسيني الأعرج، واللبناني ربيع جابر، والسوري خالد خليفة وحنا مينا والتونسي الحبيب السالمي، والمغربي محمد الأشعري، والكويتي فهد إسماعيل فهد.

ومن الأجانب التشيكي ميلان كونديرا، والكندية مارجريت أتوود، والإنجليزي كازو إيشيجورو، والياباني يوكو ميشيما، واليوناني نيكوس كازانتزاكس، وطبعاً ماركيز ويوسا وإيزابيل الليندي.


**في رأيك ما هي أهم المدارس الحالية للكتابة بعد الواقعية السحرية والبنيوية وما بعد الحداثة؟

*على مستوى الإبداع الواقعية السحرية موضة العصر فكثير من الكتاب يحبون عالمها ويخوضونه.

وروايات ما بعد الحداثة، أميل إليها شخصياً، وتجد لها نصيباً من التواجد على الرغم من صعوبة عالمها وتفرده.

أعترف في دهشة حقيقية بأن الكتابة الكلاسيكية، التقليدية، التي تجاوزتها الرواية ما زالت تفوز بإعجاب واهتمام القراء وما زالت الروايات المتواضعة فنياً بالمقاييس النقدية، تتربع على قوائم المبيعات لقراء القرن الحادي والعشرين!.

والمطلع على الأدب العالمي يجد العكس، فأنجح الروايات في الغرب هي أكثرها تجديداً وتجريباً وابتكاراً.

الروائي المبدع لا  يكتفي بنقل التاريخ بل يفسره ويحلله وأحياناً يرسمه بصورة أوضح.


 **يقال إن الجوائز الأدبية أفسدت المنتج الأدبي؟

*هناك جوائز أدبية محترمة سلطت الأضواء على أدباء موهوبين لم يكن القارئ المصري والعربي يعرفهم مثل الأردني جلال برجس والعمانية بشرى خلفان.

وللأسف هناك جوائز أخرى سلطت أضواء مزيفة وخادعة على أنصاف الموهوبين وصنعت منهم نجوماً تلمع ببريق مزيف وقدموا للكاتب الجديد صورة سيئة عن النجاح عن طريق الكتابة الضعيفة.


**أين تلتقي أبطالك؟ وما هو الحد الفاصل بين الواقع والتخييل في كتاباتك؟

*الرواية خيال في البداية والنهاية، وحتى إذا كان الروائي يلتقي ويختزن في ذاكرته شخصيات حقيقية فإنه إذا قرر أن تتحول لشخصيات روائية فإنها تكون مزيجاً من الواقع والخيال.

وهناك شخصيات خيالية أصبحت حية ولها وجود مادي وحقيقي لدرجة أن القراء يكادون يجزمون أنها حقيقية بالفعل مثل دون كيشوت.


**ما هي الرواية التي أثرت فيك قبل احتراف الأدب؟

*الحرافيش لنجيب محفوظ، الجريمة والعقاب لديستوفيسكي، الحرب والسلام لتولستوي، دكتور زيفاجو لبارسترناك.


**ما السر في أعمال محفوظ الذي يجعلها ذات زخم حتى الآن؟

*السر أنها ليست أعمالا سطحية تعتمد على الحدوتة فقط بل كالمحيط المتلاطم أمواجه، كلما غصت أعمق في أدب محفوظ ستكتشف كنوزاً، روايات محفوظ خزينة للحكايات والتاريخ والناس والفلسفات والاعتقادات. 


**ما الذي يجمع إبداع نجيب محفوظ ويوسف السباعي، ومناطق التقائهما؟

*إبداع محفوظ مختلف كلياً عن السباعي، فالسباعي عالمه أبسط ومباشر أكثر واعتمد أكثره على القصص الرومانسية الصرفة والشعبية الساخرة كقصص أبو الريش وجنينة ناميش، والأفكار السياسية المباشرة مثل أرض النفاق ورد قلبي والعمر لحظة.

عالم السباعي يحمل بداخله متناقضات لمحاولة معرفة ما يحبه القراء والنقاد، كان يشتكي طوال الوقت من تجاهل النقاد لأعماله واهتمامهم بأعمال محفوظ.

بينما محفوظ كالرجل الذي يمشي واثقاً في طريقه، هو في الحقيقة لم يكن يمشي بحسب الطريق بل يصنع الطريق بنفسه.


**هل ما زالت روايتك رابطة كارهي سليم العشي تحمل بعض الأسرار التي لم تفصح عنها بعد؟ 

*بالفعل فليست كل المعلومات التي حصلت عليها أثناء الفترة الطويلة التي استغرقت ثلاث سنوات بحث استخدمتها في الرواية.

ثمة معلومات لم أذكرها بسبب تكرار أفكارها وغرابة ولا معقولية المعلومة.

استبعدت بعض المعلومات التي تثير جدلاً لا داعي له كعلاقة دكتور داهش بالدكتور محمد حسين هيكل باشا.


**هل الصحافة الأدبية ذات تأثير إيجابي كما في السابق؟

*ربما سرق الفيس بوك بعض قراء الصحافة الأدبية إلا أنني أجدها الأهم والأبقى، فيها التخصص والصدق فمن يكتب فيها صحفيون متخصصون في الشأن الصحافي أما الفيس بوك فيكتب فيه أي شخص ولو كانت معلوماته مغلوطة.

وأعتقد بأن الصحافة الأدبية ستظل مصدر المعلومة الصحيحة.


**وماذا عن كتابك الأحدث محفوظ والسحار؟

*الكتاب يتحدث عن العلاقة بين نجيب محفوظ وعبد الحميد جودة السحار.

وُلِد محفوظ قبل السحار بعامين في 1911، وتُوفي قبل محفوظ بما يزيد على ثلاثة عقود في 1974، عرف السحار أن محفوظ يدور بقصصه الفائزة بجوائز الدولة على الناشرين، من غير جدوى باعتباره ليس من المشاهير، فزاد الأمر إصرار السحار على تأسيس دار نشر، تهتم بإبداع المغمورين من شباب الأدباء، حتى أخذ السحار “الناشر” بيد محفوظ “الأديب” وهما بعد الثلاثين من العمر في 1943، ليصبح ناشره الأشهر طوال مسيرة محفوظ الإبداعية.

صحبة إنسانية ومهنية امتدت 35 عامًا، تحمل أسرارا روائية شيقة وتستحق التأمل.

يحكي أسرارهما الخاصة بإصدار الروايات، وأن محفوظ حمل روايته في حنطور وطاف بها على من يشتريها، إلى أن باعها لمكتبة بوسط البلد.

وكانت روايته الأولى التي نشرها حصل على ورق طباعتها بطريقة كوميدية، شحنة ورق على ظهر مركب غرقت معظم شحنتها وأشتروها بثمن بسيط واضطر لتجفيفها وفردها عند مكوجي ليستخدم الورق في الطباعة. 


**أين البحر من إبداعك وأنت ابن البيئة الساحلية؟

*البحر موجود في رواياتي، حي الإفرنج وبورتوسعيد، ودارت أحداثهما في بورسعيد.

وهو عنصر أساسي في روايتي حبل قديم وعقدة مشدودة، ودارت بعض أحداثها في الإسكندرية.

البحر عشقي الشخصي وكنت أتمنى أن أكتب عنه الكثير، كمهووس بعالم البحر كما كتبه صالح مرسي والسوري حنا مينا والبرازيلي جورجي أمادو.


**تحدث عن نادي النيل الأسود السري كما تحب أن تقدمه للقارئ؟ 

*هذه الرواية مارست فيها ما أحبه، الكشف عن شخصيات حقيقية طواها النسيان، اشتغلت بتكنيك تجريبي أقرب للعبة البازل، وتحركت فيها الأحداث بين الزمن الحاضر والماضي.

تنوعت شخصياتها بين سبع خيالية معاصرة لا تعرف بعضها وسبع شخصيات تاريخية مثل بوغوص والمهندس محمود صبرى وفهمي قليني باشا ممن كانت لهم أدوار عظيمة أغفلها التاريخ.

سامح الجباس طبيب، كاتب، ومترجم مصري. من إصداراته، رواية “حبل قديم وعقدة مشدودة” نال جائزة كتارا للرواية العربية عن فئة الروايات غير المنشورة وفئة الدراما عام 2015. كما له في الترجمة عن الإنكليزية “فئران ورجال” للكاتب “جون ستاينبك” و”القناع الملون” لسومرست موم، و”أليس في بلاد العجائب” للويس كارول.

 حصل على جوائز عديدة منها جائزة أفضل رواية من جمعية الأدباء بالقاهرة عن روايته “حي الإفرنج”، ترجمت للغتين الإنجليزية والفرنسية.