فاطمة الحاج.. فصول وفرح السكون المضطرب

ثقافة 2023/03/15
...


يقظان التقي



 هو الربيع، وأكثر الفصول تداخلاً بين الفرح، وما خلف الفرح، والسكون المضطرب، في نزهات لونيَّة دافئة، في معرض الفنانة التشكيليَّة اللبنانيَّة فاطمة الحاج في غاليري “مارك هاشم”، مؤلّفة من العديد من الألوان بمشتقّاتها الكلاسيكيَّة، أكثر من العناصر أو المكوّنات اللونيَّة الجديدة. استعادة المنظر الطبيعي، وتجسيدات لونيَّة باردة وحارة، ساكنة ومتحركة، بقوة الضوء والظلّ معاً، بين كثافة اللون على السطح، وشاعريته الداكنة، في صمت مجهول، يجسِّد الانطباع والتجريد.

 تستعيد فاطمة الحاج حواراتها اللونيَّة بأعمال، زيتيَّة أو أكريليكيَّة، أو من المادتين معاً. أعمال تأتي متأثرةً بزمن الحجر الصحي إبّان وباء كوفيد- 19، على شفافيَّة الحياة نفسها، والتحرّر، تلتقيان في اللوحة أيضاً، وفي عمق التجادليَّة اللونيَّة، كجزء من التجريب الفني، والتحولات الاجتماعيَّة والإنسانيَّة، أخرى لها علاقة بالمكان بين بيروت وباريس وألمانيا. تأليف فني متماسك وسيطرة على الألوان في 30 قطعة من الأحجام المختلفة، والكبيرة منها، تسكنها عوالم الضوء والشعر، في عالم من الاجتماع بين الرسم والاجتماع المديني والشعر والرواية، وفي انطباعيَّة تعبيريَّة على كثير من المؤانسة. مزاج فني تأملي يتمتع بخصوصيَّة، مدعاة للنزهات العادية، تطلّ على مرتفعات ووديان، بين التأمّل والفلسفة، والتفكر في جماليات وقصص بصريَّة، تمثل مسار عمل الفنانة واختباراتها الفنيَّة. لكن كأنها تقيم في شغفها الأول، في ضربات ألوانها الشفيفيَّة، والمواءمة بين اللون، وآثاره، وفي عزم على التقاط العالم من خلال تفاصيل الطبيعة ورمزيَّة أشيائها، ترجمة لأحاسيس بصريَّة وطبقات من الذاكرة، ووجوه، وشخوص تتحرك كتلاً لونيَّة. يؤكد المعرض الجديد أهميَّة فاطمة الحاج الذاتيَّة، كتأليف لا ينفصل بالشخصي عن اللون، وعن شارع فني عريض يرمم نفسه بتأثيرات بين الانطباعي والتجريدي، من عوالم رينوار ومونيه، وغوغان، وسيرا، وسيزان وفولارد، ماتيس، وكلي بالإضافة إلى النفري، وبان سينا، ونظمي الكنجوي، وآخرين. تنجح الحاج في إيجاد روابط/ أواصر، بينهم. كأنها جسور موجودة، وتجهيز فني دائم، لخلق تآلفات، وتسوية لونيَّة تأتي بطبيعة وأخرى. لا شيء كاملاً في الحقيقة، مقابل طاقة الألوان، وهندساتها الرائعة، في رحلة جديدة، تفتح أمام تمثيل حقيقي للكون، وببساطة لونيَّة بذلك السر اللونيّ الساحر في عذوبته، كما في غموضه المجهول وبمخالطة آخرين واستعارات حضور بمجازات تعبيريَّة ورمزيَّة موحية للعائلة والبيت، والشمس، ولرطوبة تنضج في مكان ما تحت سطح اللوحة بوجوه حائرة ما بين الحميميَّة/ اللهفة، والغربة، أو للقاءات متباعدة في الذاكرة.

 رسّامة واقعية، تستنبط بشكل طبيعي، مأخوذة من منهج الجماعة الانطباعيَّة التعبيريَّة، عودة سلطة التشكيل، أنموذجاً ميتافيزيقياً، وأفكاراً، وطبيعة، تتحرك قويَّة، متدفقة، تشيد قصوراً من الطبيعة، جسوراً، عمل فني محاكاتي من ذاكرة، تتحول إلى ملحق الطبيعة في محاكاتها مع تولوز لوتريك راسماً ولوحة حديقة لوكسمبورغ والقصر الكبير، من دون الخلط بين اللغتين، والنزوع نفسه في الوجود والزمان. فالمشي في الطبيعة لا يمكن أن يكون نفسه، في عرضه، ولا في ظلال الصمت، والجماليَّة الصوتيَّة للجمال برهافة سمعيَّة.

ما لا يمكن تناسيه ترشه في نقاطها، كأغنية وقصيدة من التآخي، والاسترخاء الموسيقي، ومسرح من الانفعال البصري، والثرثرة الذكيَّة بثيمات لونيَّة متناقضة بين التمثيل والتعبير فوق المنظر الطبيعيّ، والتعبير عما لا يمكن التعبير عنه أحياناً.. لا يمكن تذكره، إلا كمنسي، مثل شمسي تهوى كلياً في الحديقة، أو تقود إلى أماكن أخرى، استلاب نفسها، من حيث يتحقق الشغف، استقلاليَّة الذات وتقدمها. وتعيد تشكيل اللوحة، كما لو أنها تنعقد على جسمها كواقع مختف، فتعبّر عن شغفها بهذا اللون، أو ذاك، في هذا التكثيف اللوني، أو الإشباعات هذا المزيج اللوني مع الواقع، أو في الاتجاه المعاكس. ألوان على شكل عذوبة، على حساسيَّة مادّة، واندفاع، وزخرفة بحسيَّة ماديَّة، ما يشبه الطبيعة المرأة، بمثابة استمراريَّة على شكل علاقة من تلك الثنائيات بين الشاعري والعقلاني، والواقعي والتخيلي. معرض يحمل كثافة رمزية، تدعونا لنرى حالات التأملات الهادئة، وما نراه شفيفاً، وما يمكن أن نقول عنه إنه بعد باطني صوفي، عما نفهمه، أو نعلن فهمه، وأن نبحث في ما يحمله من سكون مضطرب بالضرورة.

فاطمة الحاج التي نالت «جائزة بيكاسو» عام 1985، كانت قد حصلت عام 1978 على دبلوم في الفنّ التشكيلي من كليَّة الفنون في الجامعة اللبنانيَّة، ثمّ من أكاديميَّة الفنون الجميلة في لينينغراد، فدبلوم من المدرسة الوطنيَّة للفنون الزخرفيَّة في باريس. درّست في كليَّة الفنون الجميلة في الجامعة اللبنانيَّة، وهي تعرض أعمالها بانتظام بين بيروت وباريس، وألمانيا، وعدد من العواصم العربيَّة.