هانز رودي غيغر.. الغرباء وكوابيسهم

ثقافة 2023/03/16
...

 ترجمة: رامية منصور


"يمكنك وأنت مستيقظٌ أن تقمعَ الخيالَ، أما الأحلامُ فلا يمكنك قمعها، لكن ماذا لو كنت تعيش داخل حلم!"

لربما كان عليك أن تشعر بالامتنان للفنان السويسري هانز رودي غيغر الذي منحك كائنات عميقة في أو من كوابيسك. إذ ابتكر الوحش الأكثر شهرة من بين وحوش تاريخ الخيال البشري"زينومورف"، سلالة الكائنات الغريبة التي لا تتوقف عن التسرب إلى بيئاتنا وحتى أجسادنا ولو كنا في مركبة فضائية في مجاهل الكون، كما حدث في فيلم "Alien". وإن كنت لا تعرف زينومورف بالاسم، فأنت قد سبق لك أن شاهدته: الرأس الأسود على شكل الباذنجانة. الأسنان الهوابط المتساقط بعضها. الجسم الشائك الذي تشده الثياب الجلدية الأنيقة المتداخلة الذي يمكن أن يبدو مثل بشري غريب الأطوار؛ الذيل المسلح. يشبه "زينومورف" "زحل" فرانسيسكو غويا في لوحة "زحل يلتهم ابنه" ليحصل على الحياة، ولكنه هنا غريب آتٍ من أبعد المناطق في الفضاء وأكثرها يأسًا.

كان لنشأة غيغر في سويسرا خلال الحرب العالمية الثانية، على مقربة من عالم ألمانيا النازية الملهم للصور الظلاميّة أثر في نوعية أعماله.. يقول: "كنت أشعر بالجو عندما كان والداي خائفين. كانت المصابيح دائما مظلمة مزرقة حتى لا تقصفنا الطائرات". وحين بلغ سُنَّ الرشد خلال الحرب الباردة، كانت تهديدات الحرب الذريَّة تلوح في الأفق. لقد تفاعل معها من خلال خلق رؤى حولت تلك المخاوف بطريقة فنيَّة إلى أعمال وشخصيات صارت جزءاً من الواقع المتخيّل بقوة للبشريَّة. اكتسب أسلوبه من تأثيرات أعمال فنانين أمثال دادو وارنِست فوكس وسلفادور دالي. اشتهرت لوحاته المرسومة بالبخاخة وبلون أحادي لتصويرها مناظر أحلام سورياليّة وكابوسيّة.

تشكّل أسلوب هانز من شغفه المبكر بـالجماجم والمومياوات.. قال أندرياس هيرش إنَّ "منزل أسرة غيغر في شور غذى قلقه".. وقال: "(هو) يتذكر النوافذ المفتوحة التي ذهبت إلى الأزقة المظلمة، أقبية ذلك المبنى القديم التي أثارت المخاوف في وقت مبكر جدا". "

هذه المخاوف قابلها انبهار مبكر بتلك الأشياء التي كانت محفّزة لخيالاته.".. ثم راح يمزج بين الجسد البشري والآلات كأنّها تجسيد لتلك العلاقات الباردة التي تفوح منها رائحة البلادة والروتين.. وهو أكثر من قام بنشر الثقافة الجماليّة لفن الميكانيكا الحيويّة الذي يستند إلى تطبيق المبادئ الميكانيكيّة على السلوكيات الحركيّة للكائنات الحيَّة. أهم أعماله هو تصميمه كرسي العرش للبارون هاركونن الشخصية الشريرة في الفيلم المفقود للمخرج اليخاندرو خودوروفسكي كرؤية سينمائية لرواية فرانك هربرت "كثيب" يمتاز الكرسي الذي تم تصنيعه يدويّاً من الألومنيوم أو الألياف الزجاجيَّة السوداء وبما يجعله يشبه الهيكل العظمي البشري بتاج من ثلاث جماجم مكدَّسة فوق بعضها البعض في عمود فوق الجزء الخلفي من الكرسي، فضلاً عن مساند الايدي والتي لا تتوفر في باقي الكراسي المصممة للفيلم. 

قام الفنان بدمج تصميماته الخاصة للهياكل العظميَّة الغريبة الشبيهة بالعمود الفقري في منحوتاته الحجريَّة. حوّل الطاولات والعدادات إلى عروش سوداء من الألومنيوم مصممة أصلا لفيلم 

" DuneDune" الكثيب الرملي الرملي" لجودوروفسكي في السبعينات.

لم يتوقف عن خلق الفن، لقد حول انتباهه أو نطاق فنِّه إلى سياقات أكبر. أعتقد أن هذه واحدة من المراحل النهائيَّة لمصمم الديكور الداخلي الشاب الذي وجد طريقه في عالم الفن والفنان الناضج لاحقًا، لخلق مساحات لمخلوقاته لتسكنها.

يبدو أكثر موضوعيَّة أن نعتبر سعي غيغر للفن كان مدفوعًا جزئيًّا بالأحلام والكوابيس التي عانى منها في طفولته، إذ وجد لرعبه الكامن صدى في العالم الأوسع. لقد عالج مخاوفه الشخصيَّة، ولكن أيضا المخاوف الجماعيَّة. أن الأمر المقنع هو كيف يسمح لنا فن غيغر بالتصالح مع هذا الظلام، بقدر ما قد تجعلنا إبداعاته نشعر بالخوف أو اليأس، وما زلنا نبغي المزيد. لم يكن هناك شيءٌ أكثر رعباً من صورة فتح فكي "زينومورف"، المبللين بلعاب الافتراس، وكشف عن فمه الداخلي لإلين ريبلي المرتعشة.

إنَّ عمل غيغر كفنان بصري يمتدُّ إلى ما هو أبعد من امتياز الخيال العلمي، إذ يجمع بين الرعب والبشاعة، ويستفيد من افتتاننا الذي لا ينتهي بالأشياء التي تخيفنا أكثر بتجاعيدها ومجسّاتها وعيونها البيضويَّة البارزة.

لفت غيغر انتباه أحد أهم الفنانين في القرن العشرين وهو سلفادور دالي، وكان الأخير هو الذي عرض عمل غيغر على المخرج التشيلي أليخاندرو جودوروفسكي عندما كان الأخير يأمل في لقاء السوريالي الشهير وهو يطمح لإنجاز رواية الخيال العلمي الكلاسيكية لفرانك هربرت "Dune الكثيب الرملي" (1965). 

في عام 1977، نشر غيغر "Necronomicon"، وهي أول مجموعة رئيسية من رسوماته، والتي تعد اليوم ثاني أكثر إنتاجاته تأثيراً بعد "Alien". العنوان يشير إلى كتاب خيالي للسحر من عالم كاتب الرعب H.P. Lovecraft، يحدد تناغم الصور التي لا تزال مذهلة حتى اليوم: جثمت كائنات ميكانيكيَّة غريبة أطرافها تشبه أعمدة الرصاص الشاهقة. كائنات هياكلها غريبة تنظر إلى الأراضي البور المغطاة بالضباب؛ ويتم شفط الأجساد المشوّهة واللحميَّة بالآلات الضخمة. جميع الرسومات متوازنة بين درجات اللون الأبيض الشبحي - لون ضوء القمر على الخرسانة - والألوان الداكنة التي، في بعض الأحيان، تحدُّ من اتساع ظل عميق كأنّه الهاوية.

قال سكوت لمجلة Starlog، وهي مجلة خيال علمي شهريَّة، في عام 1979: "لقد ألقيت نظرة واحدة عليها، ولم أكن على يقين من أيِّ شيء في حياتي. كنت مقتنعا بأن من الضروري وجوده في الفيلم".

أصبح زينومورف xenomorph رمزًا ثقافيًّا، حيث ظهر في ثمانية أفلام كجزءٍ من كلّ من امتياز "Alien" الأساسي، فضلا عن ألعاب الفيديو والأفلام القصيرة وعدد لا يحصى من مراجع ثقافة البوب الأخرى.