المرأة الكاتبة.. مداخل المسكوت عنه

ثقافة 2023/03/16
...

  علي لفتة سعيد


المرأة في العالم العربي في تفاوت الوجود.. لكن الأغلب الأعم يجدن أنفسهن غير قادراتٍ على إثبات الوجود كأديبات إلا إذا كانت هناك مناخات خاصة بسبب واقعهن الاجتماعي أو وجود مساعد أو تحرّر خالص من قبلها لقوة شخصيتها. لكنهن لا يشكلن القاعدة، بل الاستثناء.. وبهذا نجد أن الأديبات لم يزلن يخضعن للعادات والتقاليد ونظرة المجتمع إلى الأدب والثقافة وبنظرته إلى المرأة التي تكون شاعرة أو روائيَّة وحتى مفكرة؛ لذا فإن الغالبية منهن يكتبن بهدوء من دون الخوض في المسكوت عنه، سواء بما يردن من أفكار أو من ذكر تجارب أو انتقاد لحالة سياسية أو اجتماعية.. وربما هن لم يزلن أسيرات حتى التابوات التي تغيّرت لحالة المسكوت عنه ما بعد الربيع العربي. والسؤال هنا.. هل تجاوزت المرأة حدود الممنوع والعادات كأغلبية وليس استثناء بعض الأسماء؟ وما هو السبيل لتتمكن المرأة من إثبات وجودها كأديبة ومفكرة بغير ما تكون متمرّدة بحسب الأعراف؟



الكتابة والشجاعة

الشاعرة العراقية دلال جويد تقول إنّ «موضوع المرأة الكاتبة واثبات وجودها ليس موضوعاً جديداً للتداول، لكن كثيراً من المتلقّين حتى في الوسط الثقافي يندهشون حين تتحدث المرأة أو تكتب عمّا يسمّى المسكوت عنه». وتضيف: لا بد من السؤال عن ماهية هذا المسكوت عنه الذي في الغالب لا يخرج عن دائرة المحرّمات الدين والجنس والأعراف الاجتماعية التي تحط من شأن المرأة أو تعاقبها حين لا تخضع لتلك الأعراف.  

من جهة أخرى، ترى أنّ المرأة العربية الكاتبة أثبتت وجودها في الساحة الأدبية منذ سنوات طويلة، ويكفي أن نلقي نظرة على المكتبة العربية الشعرية والروائية لتتوالى أسماء مهمة مبدعة وهن يعشن في بيئاتهن التي ولدن وكبرن فيها، لذا ليس ضرورياً أن يتغير الفضاء الاجتماعي لتكتب المرأة بإبداع. ومن وجهة نظر خاصة بها تقول أجد أن صعوبات المرأة الإبداعية تأتي في البداية من اللغة الذكوريَّة التي تضطر إلى الكتابة بها، وهذا امر يحتاج إلى وعي كبير لتغييره واجتراح لغتها الأنثوية الخاصة كي تتخلص من ضمير المذكر الذي يحاصرها حين تكتب. إذ غالباً ما نجد اللغة الذكوريَّة مسيطرة في أدب المرأة التي تستخدم أسلوب التذكير حين تكتب بشكل عام كأن تقول على المرء أن يكون كذا أو يفعل كذا وهي تقصد المرأة ولا تقصد الرجل، ولو انتبهنا إلى تلك اللغة، وأنا أحاول جهدي الانتباه إلى هذا الأمر، لاستطعنا تجاوز أولى عقبات الكتابة عند المرأة. 

الأمر الآخر الذي تعتقده جويد أن أية شاعرة أو كاتبة هي امرأة شجاعة تعرض أفكارها على الناس، وهي تومن بما تكتب، لذا قد يكون عدم تمرّدها على الأعراف السائدة بسبب ايمانها بها، وهذا ما لمسته عند بعض الكاتبات اللائي يعارضن الحركة النسويَّة ولا يرغبن بالاختلاف مع أعراف الدين والمجتمع في ما يكتبن مثلهن مثل الكثير من الكتاب الرجال. 

وعن سؤال هل تجاوزت غالبية النساء الكاتبات حدود الممنوع.. تعتقد جويد أنه “نعم” بالقدر الذي تجاوزه الرجل الكاتب، وربما أكثر تمرداً أحياناً فهي تنطلق من وعي يحتم عليها العمل على التغيير وإيجاد الفرص المناسبة لتوصيل أفكارها وقناعتها. أما في موضوع الحريات فالمرأة المحاصرة في المجتمع العربي يوازيها رجل محاصر كذلك بالتقاليد، والعادات، والظلم السياسي، والأسري. ولتمكين المرأة والرجل من إثبات وجودهم الحقيقي أدبيا وإنسانيا لا بدَّ أن تحدث ثورة مشتركة في الكتابة لدى الجنسين قوامها النقد البناء والابتعاد عن المجاملة للمرأة والاخوانيات والعلاقات الاجتماعية على حساب الإبداع.


أدب ذكوري.. أدب أنثوي

الشاعرة المغربية سعيدة الرغيوي تقول إنّ «المرأة كائن له وعي وفكر، واقتناعات، ونظرة للمحيط، وللمجتمع.. وعندما نتحدث عن المرأة المبدعة في المنطقة العربية نستطيع القول إنّها استطاعت أن تكرّسَ اسمها في مجال الإبداع بمختلف أجناسه والفنون من مسرح، وتشكيل، وموسيقى ورقص ونحت.. الخ.. استطاعت أن تفرض وجُودها وتعبر عن أفكارها بكل حرية.. فطرقت العديد من الثيمات والموضوعات التي كانت إلى وقت قريب تُصَنَّفُ في دائرة المسكوت عنها، ولا سيما في المغرب وتونس.. وذلك ما نستشفه من خلال النتاجات الغزيرة لهذه الأخيرة سواء في مجال الشعر، أو القصة أو من خلال بعض الأعمال التشكيليَّة.. وتضيف أيضا: لقد أصبح بإمكان الأنثى المبدعة أن تخرج من منطقة الظل لتعبر عن أفكارها بكل جرأة وحرية وأن تناقشها أمام العلن.. لذلك أرى أن تلك النظرة الضيقة التشييئية للمرأة في مجتمعاتنا التي ما تزال جلها محافظة أن تقرّ أن هذا الكائن له صوته المتفرّد.. لكنها تستدرك من أن الجرأة لا ينبغي أن نتناولها من زاوية واحدة مثلا: كأن تطرق الكاتبة موضوعا جنسيَّاً أو فيه إثارة أو يتعارض مع القيم والتقاليد لجغرافية المنطقة العربية الإسلامية..  وترى أن المرأة وجدت في الأدب والفن والسينما مساحة لتعلن عن تواجدها، ولانعتاقها من القوقعة الاجتماعية التي تبخس من شأوها.. وتعتقد أن المرأة الأديبة أصبحت تطرق مختلف الموضوعات سواء سياسية أو اجتماعية متوسلة بمجال التخييل، وكثيراً ما تأتي كتابتها مباشرة وغير مُقَنّعة.. وتمضي بقولها إنها كسرت تلك الدائرة التنميطيَّة، فامتطت سفينة الإبداع محللة، سابرة أغوار القضايا التي تصنّف في خانة «التابوهات».. فجاءت العديد من الروايات السّيريَّة: (الرواية السجنية، أو ما يصطلح عليه بأدب الاعتقال والرواية النسائية بشكل عام؛ وإن كنت لا أتفق مع هذا المصطلح، الذي يكرس بدوره التمييز بين الأدب الذكوري والأدب المنتج من طرف الأنثى.. عاكسة لذلك.. كما أضاءت بلغة الرّيشة واللّون العتمات.. ومن هذا المنطلق تعتقد الرغيوي أن الإبداع صار بلغة الأنثى/ المرأة ملمحا لتعرية خضات الذات الكاتبة وإضاءة المسكوت عنه، وفي الآن ذاته تعرية ما يعيشه المجتمع من متناقضات.


حذر وصمت

الكتابة التونسية وريدة الحيدري تعتقد في ما يتعلق الأمر بخصوص حرية المرأة في المجال الأدبي في عالمنا العربي على أنه يختلف من بلد لآخر، ناهيك أن المناخ السياسي من أبرز العناصر السلبيَّة التي تحدُّ من حرية القلم النسائي كما بعض العادات والتقاليد الحاضرة فهي أيضا بمثابة قيود وحجر عثرة لِكَبْتِ ما تريد المرأة التعبير عنه في غياب أيّ غبار من شأنه إخفاء ما لا يجب إخفاؤه. 

وتشير إذا ما أردنا الإحصاء فإن أغلبيتهن لم يتجاوزن حدود الصمت والحذر لتناول المسكوت عنه في حضور الشفافية التامة لإثبات وجودهن كأديبات ومفكرات، وهنا السؤال المطروح: ألا يتسنى لهن تجاوز هذه العقبات لبلوغ الهدف المنشود؟ هذا وارد في حالة اكتساب قوة الشخصية وانتحال أساليب ناجعة من دون اللجوء إلى التمرّد للانسلاخ مِمَّا جثم على الصدور وأحال من دون كتابة السطور، عِلما بأن في بعض بلداننا لا حل بالخصوص نظرا لاستحالة تواجد المناخ الملائم رغم كل المحاولات وهذا يتطلب استنزاف وقت ما هو بالقصير مطرَّز بتضحيات جسيمة لخذل التقصير، إثرها يتسنى للعنصر النسائي الخوض في الميدان الأدبي بكل حرية وإطلاق العنان لأقلام طالما جنَحت إلى ما يجب تقليمه.. وبامتياز، وكم نأمل معانقة واقع فيه كل الأقنعة تحت الأقدام.. وفيه كل القيود ما هي على قيد الحياة.


الجرأة والمقموع

الكاتبة الأردنية بديعة النعيمي تقول: لقد أثبتت المرأة جدارتها في الكتابة الأدبية وطالما بحثت من خلال كلماتها عن الحرية، لذلك نجد نصوصها مسكونة بفكرة الانعتاق ورفض الوصاية من قبل رؤية الرجل. وتضيف: لقد استطاعت إيصال صوتها للعالم من خلال هذه النصوص فكانت بمثابة رسالة لأية محاولة لقمعها أو التقليل من شأنها. غير أن الأديبة العربية ليست بعيدة عن الواقع فهي تعيش ضمن بيئة يغلب عليها الطابع العشائري المحافظ، فنجدها تهاجم إن أقدمت على الخوض من خلال ما تكتب في مواضيع حساسة كالسياسة والجنس. وهذا ما جعل الكثيرات منهن لا يتجرأن على الخوض في تلك الموضوعات باعتباره خروجا عن المألوف لذلك نجد القيود تلاحق المرأة الأديبة أينما اتجهت، فالمطلوب منها دائما أن تتكيف مع المجتمع وقوانينه وتقاليده وعليها عدم الاقتراب من تلك الخطوط الحمراء. لذلك فهي تتحاشى الخوض في مثل تلك الموضوعات لتتجنب تساؤل المتلقي من أين لك بهذه التجارب؟ فنجدها قد انحشرت في زجاجة ذات عنق ضيق يصعب الخروج منها إلا في حالة كسرها. وتشير الى أنه بعضهن تمكن من كسرها فأثبتن قدرة على أن يكن أكثر جرأة حتى من الكاتب الرجل. فخضن في كتابة المقموع والمسكوت عنه أمام كل عائق يكمم العقول ويرهب الذهنيات الفكريَّة المتحررة فتحولت بعض الخطابات إلى خطابات مكاشفة ومجاهرة لكل ما هو مخفي وممنوع ومسكوت عنه طبعا بدرجات متفاوتة حسب البيئة ودرجة القمع الذي تتعرض له كتابات المرأة. وحيث أن الكتابة هي وعي جمعي باللحظة الوجودية ورسالة ثقافية ورؤية ذاتية للعالم يكون فيها التفاعل بين الواقعي والمتخيل. وما يكتب مما تكنه نفس المرأة الكاتبة ليس فقط لسرد حقيقة، بل يتعداه إلى خلخلة هذه الحقيقة. وكم من الحقائق في مجتمعاتنا بحاجة إلى خلخلة والإقدام على طرق خزانها. ومجرد البوح بما هو مسكوت عنه أو مقموع وإخراجه للعالم لا يعني الإسفاف والابتذال وإشاعة أفكار مستهلكة إنما الهدف هو إعادة صياغة جديدة له وهو أيضا بمثابة دعوة لمعالجتها، فتلك التراكمات الخاطئة للموروث بحاجة لإزالة طبقة التكلّس التي غلفتها وإظهارها بمظهرها الحضاري الجديد. أما ما ينتهكه الرقيب على تلك الكتابات فليعلم أن المتلقي لا ينتظ  ر ما يكتب بين دفتي كتاب ليحقق نزواته المريضة فتكفيه كبسة زر تفتح له عوالم حيَّة لن يجدها في مشاهد سرديَّة. وأخيرا فإن تحرير المرأة لن يتأتى إلا بتحرير الرجل من تلك الموروثات الثقافية وتحرير المجتمع.. عندها لن تلجأ بعض الأديبات إلى التستّر خلف أسماء

مستعارة.


الكتابة والفعل الذكوري

الكاتبة التونسية فتحية دبش، كاتبة، تسأل منذ البدء.. هل تتخطّى المرأة الصعوبات لتكون أديبة قادرة على تناول المسكوت عنه بغير ما تكون متمردة بحسب الاعراف؟ وتجيب أن المرأة في حقيقة الأمر نساء، بالجمع لا المفرد، ذلك أنهن على انتمائهن إلى النوع نفسه فإنهن لا ينتمين دائما ولا بالضرورة إلى الخندق نفسه. وتشير الى ان الحديث عن المرأة الكاتبة يجبرنا في النهاية على الحديث على النساء الكاتبات، والأديبات والمفكّرات. وهذا التنوع يجعلنا نفصل في نقطة شديدة الحساسية وهي الكتابة والايديولوجيا، ولا أقصد بالأيديولوجيا الانتماء السياسي وإنما الانتماء الفكري الذي يحدد رؤية الإنسان إلى ذاته وإلى العالم من حوله في كل تجلياته.. وتعتقد دبش أنَّ الكتابة في واقع الأمر هي فعل ذكوري وواحد من وسائل الهيمنة وهو ما يفسّر التفاوت بين الإنتاج الرجالي والإنتاج النسائي في الأدب والفكر والثقافة والعلوم بصفة عامة. ذلك أنّها تحتاج من بين ما تحتاج إليه الاستقلالية والقدرة على تكوين موقف ورؤية وامتلاك ناصية الخطاب. لعل هذا هو ما يجعل السؤال الموجه للنساء الأديبات والكاتبات والمفكرات يفرض نفسه، وهو سؤال القدرة على تخطي الصعوبات والقدرة على تناول المسكوت عنه. وهو سؤال في الحقيقة ذكوري أيضا (والقصد هو النسق). إذ يحمل في طياته إقرارا بأنهن يواجهن صعوبات متعلقة بحرية الخطاب والتعبير واستقلاليتهما، وكذلك وهو الأهم القدرة على اقتراف فعل الكتابة. هذا الفعل الذي حين يرفع من شأن الرجل فهو في الحقيقة يضع المرأة في وضع مريب تكون فيه المواجهة بين النساء والأنساق. وتشير: إذا كان الأمر على هذا الوضوح فإن الإجابة عن السؤال أعلاه تكمن في أن النساء نجحن في تخطي الصعوبة الأولى وهي قرار الكتابة واقتحام هذا العالم الذي يريد أن يبقى حكرا على الرجال المدججين بأسلحة الأنساق، التي تسمح للذكور بما لا تسمح به للإناث. غير أن تخطي هذه الصعوبة لا يكفي ليصبح للنساء أصواتهن. بل ليكون ذلك كذلك لا بد لهن من الخروج عن طاعة الأنساق والكتابة بحرية خالصة من عقدة الولاء. 

وتمضي بقولها إنَّ الكتابة فعل ثوري وتثويري فإن النساء الكاتبات غالبا ما يوصمن بالكتابة في حدِّ ذاتها وما تستدعيه من معاني التمرّد والخروج عن الأنساق. فينقسمن شقّين. شق يسير في ظل الكتابة فلا يقتحم مسكوتا عنه ولا ممنوعا وشق يسير في قلب الكتابة فلا يكتفي بمواجهة الأنساق، بل بمواجهة نفسه أيضا وبشريتها الأمارة بالصمت. ومن ثم تقول دبش إنَّ الإجابة هي أنَّ النساء الكاتبات وليتمكن من إثبات وجودهن كأديبات ومفكرات يقتضي بالضرورة أن يتمردن على الحدود المرسومة لأقلامهن وعلى الوصاية التي تمارسها الأنساق عليهن

كنساء. 


الشعور والقلم والورقة

فيما تؤكد الكاتبة المغربية سناء الحافي أن الكلمة بقلم المرأة تجعلها أكثر دفئاً وانسيابية نظراً لحساسيتها المتأججة وعنفوانها الدافئ بمعاني الحب والخيال، ما دامت تعبّر من خلالها عن لواعجها وأحلامها التي تتباين بين المشروع والمحرّم.. وبين المنطق واللاوعي، حتى تحمل القارئ معها خارج عالم الفكر والعقل وتأسره بين دهاليز الحنين والقيود، فيتّضح لنا لدى الوقوف عند الكثير من قصائد الشاعرات العربيات أن الكتابة سواء في الشعر أو القصة أو الرواية تظلّ هي الأداة التعبيريَّة الوحيدة التي تمكّنها من ترجمة تجاربها من دون خشية من الآخر أو الخجل من طلاسم المجتمع العربي الذي يشرّع الحب للرجل فقط حقيقة وإبداعاً. وبحسب قولها فإنّ الشعور يبقى حبيساً بين الورقة والقلم مهما حاولنا كسر الحواجز في التعبير عما ينتابنا من مشاعر تجاه الآخر والتمرد على عقدة العيب وثقافة الممنوع، إلا أن الحرية الكاملة في التعبير ورسم صورة المرأة يبقى منوطاً بظروفها وأخلاقياتها التي تجعلها أحياناً أكثر التزاماً من الرجل بالبوح والغزل العفيف.

إلا أن الجرأة في الطرح والاعتراف بقيمة الحب قد نجدهما متناولين بصيغة راقية عند شاعرات كثيرات وفقن في المزج بين الأسلوب السلس والإحساس البريء الذي تعصف به المشاعر. وبين هذا وذاك يبقى التعبير عن العاطفة سيد الموقف إن كان بالإيجاب أو السلب، ويبقى ما تحس به الشاعرة من خلال تجاربها أو عمق خيالها أساساً تستطيع بناء نتاجها الفكري عليه بأحاسيسها الدافئة التي تصل إلى عمق المتلقي من دون رتوش أو تكليف، على عكس الشاعر الذي برغم جمالية طرحه إلا أنه يفتقد إلى شيء من الصدق، ما يجعل كتاباته منافساً ثانوياً لإحساس الأنثى. وتأخذ الحافي القول من جهة أخرى فتقول: لو نظرنا إلى الفحوى العام للمنتج الأدبي النسائي العربي، فإنّنا نجد أن الموضوعات الشائعة في قصائد معظم الشاعرات العربيات، هي الدليل الأفضل إلى تلمّس فعل الانعتاق ذاك، والتماس أشكاله المتعدّدة التي تبدو ــ هنا أيضاً ــ وكأنها تتباين أو تتقاطع أو تلتقي لا لشيء إلا لكي تصنع مشهداً متجانساً في نهاية الأمر، مشهداً جدلياً في اختلاف الشاعرات واتفاقهنّ، وحيوياً في تعبيره عن البُني الشعورية المعقدة للمرأة العربية المعاصرة.. حيث أن تحرّر الشاعرة من صورة الجسد المسخّر لإشباع الرغائب البهيميَّة وحدها هو في الآن ذاته تحرير للذات من المنفى، وهو عتبة إطلاق النصّ وانطلاقه، وإن كانت الاستثناءات أحياناً تجعل العمل الإبداعي متميّزا وله نكهته الخاصة، فإنّ الاستثنائيّة في الأدب النسوي العربي جعلته أكثر تهميشاً، وجعلت المرأة المبدعة في خانة الشكّ حول جودة طرحها الأدبي أو الإبداعي بشكل عام.. ومن هنا نستطيع أن نضع للخريطة الثقافية بنوداً وحدوداً تليق بالإبداع بكل أطياف وأجناسه، حتى يتماشى مع التطور الفكري للمجتمع وللمرأة على حد

سواء..