في غياب اللُّغة

ثقافة 2023/03/16
...

 علي ماجد


قبل عدّة أيّام، شاهدتُ عبر “الفيس بوك” مقطع فيديو لفتاةٍ تركيّةٍ تتغنىّ بقصيدةٍ شائعةٍ طالما سمعتُ عنها كثيرًا. في الحقيقة، لا أعرف ما الذي شغلني عن سماعها طيلة هذهِ المدّة، على الرّغم من مصادفتي لها كثيرًا عبر منصّات التّواصل الاجتماعي، لكنّها لم تستوقفني، ليأتي صديق لي ويرسلها. عمومًا، شاهدتُها وأنا كليّ ندم، ندمٌ على جهلي بها، وعلى عذوبة صوتها وهي تُناجي قدرها مُشيرةً إلى كربلاء وهي تقول “العالم في عيني كما لو أنّهُ كربلاء”. ما شدّني في هذهِ القصيدة ليس فقط عذوبة صوتها، بل أسى الجملة التّي تبكي فيها غربة كربلاء. في غياب اللُّغة لم نسمع بخفقان القلوب الذي أصابَ الشّعراء الأتراك وهم يكتبون عن مشاهد الأحرار الذين سقطوا في تلك الواقعة. 

لكربلاء حضور غيّر اعتيادي في المشهد الشّعري التّركي. لا أدري من دفع خيالهم نحو كربلاء! هل الحُزن؟ أم الحَنين؟ أم الحُبّ؟ أم الوحشة التي غَلّفت قلوبهم، حتّى يُؤَرّخَ في الشّعر التّركيّ هذا الكمّ الهائل من النُّصوص. من المُلاحظ أن الشّعر التّركيّ الّذي كُتِبَ عن كربلاء تَهُزّهُ العاطفة والوله العميق الذي يَرسمُ لنا بعد العلاقة بين الشّعراء، وثقافة شَعبهم. تُعدُ هذهِ النّصوص من النّصوص المُهمّة في الثّقافة التّركية، والتي تتحدّثُ عن محور مهم في ثقافة الإسلام. هذهِ النّصوص لم تكن نُصوصا شعريّةٌ فحسب! بل كان للمجالس الكبيرة حضور أيضًا، وما زالت إلى وقتنا هذا تنعى ظَليِمَة كربلاء، وأنا أرى نفسيّ شاهدا على ما رأيتهُ من طقوسٍ يُمارسُها العُشّاقُ في شهر عاشوراء.

يمتلك الشّعر التّركيّ العديد من الأسماء المهمّة التي كتبت عن كربلاء، ومن بين أهمّ الشّعراء الذين كتبوا هو نجيب فاضل الذي يُعد سُلطان الشّعراء في تركيا، والذي كَتَبَ مُعنوناً «الحسين وكربلاء». من جانبٍ آخر كَتَبَ النّفعيّ عن «حالةِ كربلاء» والشّيخ غالب ومحمّد عاكف ويحيى كمال والكثير من الشّعراء الأتراك الذين كان لهم أثر كبير في المشهد الشّعري، هؤلاء لم يبخلوا! بل اعتبروا قضيّة كربلاء من القضايا المهمة، التي سَتبقى عالقة في

التّاريخ.