اعتقاد زهير الدجيلي الخائب في الأشياء المصيريَّة

ثقافة شعبية 2023/03/16
...

 سعد صاحب 


كان يعتقد الدجيلي انه سدد الحساب، ودفع فاتورة الوفاء، إلى من لا يبالي بأوجاع روحه القلقة، فهو منح الكثير إلى الطرف الآخر، من دون أدنى توافق او استجابة، وفي غمرة الهيام تناسى حق الروح، بالسعادة والسلام والهناء والفرح، بعد أن اكتشف متأخرا زيف المشاعر، وأن أبواب الحياة مفتوحة لمن يريد الانطلاق . (حسبالي عدينه الوفه والعمر وتوافينه / حسبالي من شفت الفرح بعيونك تراضينه ). 


تضاد 

وهم هو الصلح المبني على الزور، وهم هو الاتفاق،الذي في حقيقته افتراق عن جادة الصواب، وهم هو الرضا المخادع، والثابت في معظم العلاقات الاختلاف، فبعد ساعة من الهدوء الكاذب،  تهب عواصف الازدواجية، ما بين قمة الرفض والتخلي والامتعاض، في ساعات الصباح الأولى ،وما بين ثورة الشوق عند حلول المغيب، وهذا التضاد في المعنى، يظهر حيوية الحالة الجدلية عند الكتابة .( ثاري اعلى ساعه وترجع تبايعني / محيرني ساعات الصبح شو جنك تودعني / وساعات بغياب الشمس ملهوف 

ومضيعني ). 


حب قاهر 

أعطى الدجيلي الكثير من سنوات عمره لحب قاهر، وكانت هي الأجمل في جنونها وشغفها وارهاصاتها المرهقة، والأحلى ما رافقها من ندم وبكاء وانقطاع وتواصل، والعديد من المشاعر الداخلية المتضاربة .

( محيرني يلبايعني/ وانه اشتريتك غالي ). لا يبالي بالخسارات مأخوذ بسحر الضفائر الطويلة، وهائم مع نسائم الفجر المثقلة باطيب الروائح، بانتظار موسم جديد .( نسمة هوه تزف الجدايل شكره / نسمة فجر جانت بشفة سمره / ومن فتحت كتلك عزيز 

وغالي). 


مشمش 

عمر عطاء المشمش شهر واحد ثم يذوي، والشاعر سعيد بوجنة التفاح الحمراء الناضجة، وهو يدري انها على وشك الذبول، ويبقى في حيرة من امر هذا العشق اللاهب، وخيبة أمله كبيرة من ربيع حافل بالعطاء، والقبول حتى ولو بثمرة واحدة .( قدح المشمش وانته من قداحه / تفح بخدك او وجنتك تفاحه / وانته وانته امحيرني / وانته وانته امرمرني  ). ربما العاشق على دراية مسبقة بالفراق، لذا يغض الطرف عند العتاب، كي لا يترك جرحا عميقا في دواخل الحبيب، ولا ذكرى حزينة توجع الذاكرة .( يا ما نسينه عتابنه بساعات العتاب / خاف الوكت فد يوم ما يحسبنه احباب). 


عطايا 

لن اشبه خدك بالخوخ والتفاح والرمان، لأني اعلي من شأن هذه الفواكه القابلة للخراب، اما أنت فمنك يستحي الجمال، ويطأطأ هامته امام حسنك الفاتن وكل البساتين واشجارها المثمرة، تأتي اليك طائعة، يامن جفاك يحطم القلوب الصابرة ويامن وصالك ليس له حد ولا نهاية، واننا نطمع بالمزيد من عطايا ثغرك الباسم .

(كيمر يابو خد وخد  / بنظراتنه راح ورد / عدينه ايام الجفه / بلوعاتنه وضاع العد / عدينه ايام الوصل / ثاري الوصل ما بي حد). 


حدائق النعيم 

سبحان جمالك الساحر، فأنفاسك الطيبة منها تغار عطور القداح، وصوتك الدافئ الحنون،احلى من شدو البلابل في حدائق النعيم،والجدائل سلاسل من ذهب تقيد المسحورين، وموتي الاكيد يكون بسهم الحواجب المقوسة .( مفضض يشطبة ريحان / ادري بهوانه حليان / ذبي الكصايب عل متن / طاحت نسايم نيسان / بوس الحواجب يا كحل / بوسة عشك للغيران). لا حرج على العاشق اذا اباح بخلجات نفسه المشتعلة، فلا مهرب من الحب، وأفضل ما نقوم به الاعتراف لمن نهوى، فأننا اسارى وهو سجاننا الرحيم .

(عيني يابو خد وخد / شوكك بكلي ورد / يا عيني العشك لولا / يضحكله الكلب 

لولا). 


طريقة جديدة 

( حسبالي ) واحدة من الاغاني العراقية المهمة،على مستوى الكلام واللحن والغناء،  فالشاعر زهير الدجيلي كتبها بدماء قلبه النازفة، والملحن طالب القره غولي صاغها بطريقة موسيقية جديدة، متأثرا بالمدرسة المصرية الحديثة والمطرب سعدون جابر غناها برومانسية شيقة، يتداخل فيها الهم العاطفي والسياسي و الانساني والاجتماعي، من دون ان يؤثر سلبا في مستواها الفني، بل زادها قوة وتماسكا

وحضورا .