ما تريده النساء

منصة 2023/03/16
...

  ميادة سفر

ما زال البعض يتندر ويسخر ويستهزئ بالاحتفاء باليوم العالمي للمرأة التي مرّ منذ أيام، والبعض يقدم التهاني والتبريكات والأمنيات، من دون أن يعي هؤلاء أنّ هذا اليوم ليس لتقديم التهاني ولا للسخرية، بل للتذكير بنضال النساء منذ عشرات السنين من أجل نيل حقوقهن، تلك الحقوق التي اقتصرت في البداية على الحق في التصويت ولاحقاً المطالبة بالمساواة في جميع الحقوق والواجبات والتعامل مع المرأة بوصفها كائناً مستقلا وليست تابعة لأي أحد من ذكور الأسرة أو المجتمع.


بقيت الهيمنة الذكوريَّة أقلَّهُ في عقول البعض مسيطرة وموجهة بما ينتقص من قيمة المرأة وقدرها أيَّاً كانت مرتبتها العلميَّة والاجتماعيَّة ونضجها العقلي والفكري، فما زالت في نظرهم ذلك الضلع القاصر الذي خرج من أضلع آدم في إيحاء فجٍّ على التبعيَّة وعدم اعتبارها كائناً كاملاً، وقد تمكنت تلك الثقافة الذكوريَّة من تكوين بيئة اجتماعية وثقافية تعزز سلطتها، وترسخت الهيمنة واكتسبت شرعيتها بخضوع ورضوخ ضحاياها من النساء، وتواطؤ بعضهن مع تلك الثقافة وتلقينها لأولادهن أو تأييد أية إجراءات تسهم في تصغير غيرهن من النساء والتماهي مع ما يبثه المجتمع من سموم تطول النساء وتعمل على تثبيط عزيمتهن.

في كتابها "الجنس الآخر" ترى الفيلسوفة الفرنسية سيمون دي بوفوار: لا يولد المرء امرأة، إنه يصبح كذلك" في إشارة إلى تأثير المجتمع والتربية على تكوين كل من المرأة والرجل على حد سواء، من خلال التلقين الذي يوجه لكل منهما والذي يسهم في تشكيل المرأة وفقاً لما يريده المجتمع الذكوري بالأساس، وكثيراً ما تسهم نساء الأسرة في ترسيخ تلك القيم من خلال تعليم الفتيات كيف يصبحن نساءً فاتنات مغويات قادرات على جذب الرجال ومن ثم الزواج وإنجاب الأطفال كأقصى ما يمكن أن يطمحن له، وهذا ما تؤكده النظرة المستهجنة والمشكّكة والمتهمة للنساء اللواتي لم يتزوجن أو لم ينجبن سواء بإرادتهن أو رغماً عنهن، لأنهن بذلك تمردن على الوسم والصفة التي اشتغلت عليها المجتمعات لعقود ألا وهي حبس المرأة في مؤسسة الزواج 

والإنجاب.

كان وجود النساء في مجتمعات مغلقة ومحاصرتهن من قبل الأسرة والمحيط الاجتماعي مساعداً في استمرار السيطرة عليهن وفرض هيمنة ذكور الأسرة وإناثها الذكوريات، غير أنَّ خروج المرأة وانعتاقها من العادات والتقاليد التي كانت تمنعها من التعليم والاختلاط والخروج بمفردها لم يحمل كثيراً من التغيير والتحرر من ربقة الموروث، فما زال أقصى طموح بعضهن الحصول على زوج 

على مبدأ المثل الشعبي "ظل راجل ولا ظل حيط"، وما زالت النظرة إليهن مزيجا من التشجيع المبطن بشهوانية من قبل الرجال، فيما تحارب بعضهن 

بعضاً غيرة وحسداً بدل الدعم والمساندة.

لا شكّ أن ثمة جوانب إيجابية كثيرة تمخضت عنها المسيرة الطويلة للنساء على طريق نيل إنسانيتهن وحقوقهن، لكن مطالبهن لم تنتهِ، فما الذي تريده النساء بعد؟ جاء الجواب في مقدمة كتاب المرأة المخصيَّة للكاتبة جيرمين غرير يقول: "نريد الحرية!! الحرية من أن نكون 

شيئاً يُنظر إليه بدل أن نكون إنساناً يبادلك النظر، الحرية من الخجل، الحرية من الملابس المزعجة المصممة لأغراض الإثارة، الحرية من الاغتصاب سواء بالكلام المستبيح لما تحت ثيابنا المنبعث من أفواه الرجال، أو بالتلصّص علينا ونحن نمضي إلى أعمالنا"، إلى غيرها من مطالبات لتجاوز الجسد إلى العقل حيث القيمة العليا 

للإنسان.